الدكرورى يكتب عن ماذا بعد رمضان؟ ” الجزء السادس “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع ماذا بعد رمضان؟ وقد توقفنا مع الإغترار بكثرة الطاعات، فإن بعض الناس اجتهدوا فعلا صاموا، وحفظوا جوارحهم، وختموا القرآن، وبعضهم أكثر من مرة، وعملوا عمرة في رمضان، وصلوا التراويح، وصلوا قيام رمضان كله من أوله إلى آخره ولم يخرموا منه يوما أو ليلة، وفعلوا ما فعلوا من الصدقات، وقدموا ما قدموا، وجلسوا في المساجد من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس، وبعد الصلاة يقرؤون القرآن، وقبل الصلاة ينتظرون الصلاة، حصلت عبادات كثيرة، لكن إذا كانت النفس سيئة، إذا كان الطبع متعفنا فإن كثرة العبادة لا تنفع بل إن الشيطان يوسوس ويقول لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعات عظيمة، خرجت من رمضان بحسنات أمثال الجبال فرصيدك في غاية الارتفاع، صحائف حسناتك مملوءة وكثيرة فلا عليك بعد ذلك ما عملت، ويصاب بالغرور وبالعجب، وتمتلئ نفسه تيها وفخرا، ولكن آية من كتاب الله تمحوا ذلك كله، وتوقفه عند حده، وتبين له حقيقة الأمر، وهي قول الله تعالى ” ولا تمنن تستكثر”
أتمن على الله؟ أتظن أنك فعلت له هذه الأشياء تكون أنت قد قدمت له أشياء عظيمة تظنها كخدمة من خدمات البشر؟ لا تمن على الله بعملك، ولا تفخر، ولا تغتر، ولا تصاب بالعجب وتتخيل أن أعمالك كثيرة، فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الحسن ” لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله تعالى لحقره يوم القيامة لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله تعالى لحقره يوم القيامة، لجاء يوم القيامة فرآه قليلا ضعيفا، لرآه حقيرا، لرأى عمله لا يساوي شيئا، فإنه لو قارنه بنعمة واحدة من النعم كنعمة البصر أو غيرها لصار هذا قليلا لا يساوي شيئا، لم يكد يعمل شيئا، ولذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم، وإنما يدخلونها برحمة الله تعالى، ليست الأعمال ثمنا للجنة لكنها سبب لدخول الجنة، لكنها سبب، لا ندخل الجنة إلا بالأعمال الصالحة، الذى لم يعمل صالحا لا يدخل الجنة فهي سبب لكنها ليست الثمن، فبدون رحمة الله الأعمال لا تؤهل لدخول الجنة.
بل ولا تسديد نعمة ولا تسديد حق نعمة واحدة من النعم، ونذكر أيضا بأن الاستمرار في العبادة والطاعة وهضم النفس مع وجوبهما فإن ذلك لا يعني أن يكلف الإنسان نفسه فوق ما لا يطيق خذوا من العبادة ما تطيقون فإن الله لا يسأم حتى تسأموا وهذا ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم، وهنا وقفة وهى أنه لا يشترط أن نكون في بعد رمضان كما كنا في رمضان، فنحن نعلم أن ذلك موسم عظيم لا يأتي بعده مثله إلى رمضان الذي بعده، لا يأتي بعده مثله، لا يأتي شهر فيه خيرات ومغفرة ورحمة وعتق كما في هذا الشهر الذي انصرم، فنحن لا نقول كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد فالنفس لا تطيق ذلك، لكن لا للانقطاع عن الأعمال، فإن الخطورة في الانقطاع فلا بد من أخذ الأمور بواقعية ليس من المطلوب أن نكون بعد رمضان مثل رمضان، كان ذلك شهر اجتهاد له وضع وظرف خاص، لكن الانقطاع عن الأعمال لا، ترك الصيام بالكلية لا، ترك القيام بالكلية لا، ترك ختم القرآن بالكلية لا، ترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة لا.
استمروا على العمل وإن كان أقل مما كان في رمضان، ثم إن الله عز وجل إذا كان العبد مواصلا على عمله لو أصابه عارض لو مرض لو سافر يكتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحا مقيما، وجاء في الحديث إذا مرض العبد قال الله للكرام الكاتبين اكتبوا لعبدي مثل الذى كان يعمل حتى أقبضه أو أعافيه وهذا ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم إذن هذه من فوائد المواصلة على الطاعة والعبادة، وهى المداومة على الطاعة سبب لحسن الخاتمة، وإن من الوقفات المهمة أن الاستمرار في الطاعة والعبادة سبب لحسن الخاتمة، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم “إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته قالوا يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه فإذا كان من الصالحين كانت عبادته حسنة، وكذلك فإن عبادتنا لله في جميع الأوقات والأحيان، سواء في السراء أو الضراء، في رمضان أو في غير رمضان، في أوقات الرخاء والشدة، في أوقات المحنة والنعمة، إذا كانت مستمرة فإن الأجر يعظم عبادة في الهرج.
أو الفتنة كهجرة إلي كما قال النبى صلى الله عليه وسلم “العبادة في وقت الفتن واختلاط الأمور أجرها كأجر المجاهد في سبيل الله تعالى” فعندما لا يشجع الجو على العبادة، عندما يرجع كثير من الناس إلى فتورهم بعد رمضان، عندما تقوم أنت بالعبادة لا شك أن لك أجرا عظيما، عندما فتر الناس أنت نشطت، عندما تقاعس الناس أنت تقدمت، عندما تخلفوا أنت تقدمت، وإن هنا مفهوما عظيما وهي أن العبادة هي أصل في حياتنا، إنها ليست قضية طارئة، إنها ليست قضية مؤقتة، إنها ليست قضية محددة بزمان أو مكان، إنها مستمرة، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم شاب نشأ على طاعة الله تعالى، ومن الوقفات العظيمة التي نقفها عند الذين دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي، فإنهم لم يستفيدوا شيئا فقال الله تعالى كما جاء فى سورة المائده ” وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون” وقال ابن كثير رحمه الله بأن هذه صفة المنافقين، وقد دخلوا.
أى عندك يا محمد بالكفر يعنى مستصحبين الكفر في قلوبهم، ثم خرجوا من عندك والكفر كامن فيها، لم ينتفعوا بما سمعوا، لم يفد فيهم العلم، لم تنجع فيهم المواعظ والزواجر، فالذين دخلوا رمضان ثم خرجوا مثلما كانوا قبل رمضان أو أسوأ تنطبق عليهم هذه الآية، دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي، بعد رمضان رجعوا إلى ما كانوا فيه من المنكرات، لم يستفيدوا من رمضان، رمضان لم يورث توبة عندهم، ولا استغفارا، ولا إقلاعا عن المعاصي، ولا ندما على ما فات، لقد كانت محطة مؤقتة ثم رجعوا إلى ما كانوا فيه، هذه النفسية السيئة هل عبدت الله حق عبادته؟ هل وفت حق الله؟ هل أطاعت الله أصلا؟ هذه مصيبة كبيرة أن يعود شراب الخمور إلى خمورهم، ومتعاطوا المخدرات إلى مخدراتهم، وأصحاب الزنا إلى الزنا، وأصحاب الربا إلى الربا، وأصحاب الفسق ومجالس اللغو إلى اللغو، وأن يعود أصحاب السفريات المحرمة إلى السفريات المحرمة، هذه مصيبة والله كارثة، دخلوا بالمعاصى وخرجوا بالمعاصى.
ما استفادوا شيئا أبدا، وإن بعض الناس يتصور أن ما حصل في رمضان كافى للتكفير عن سيئات الأحد عشر شهرا القادمة، ولذلك فهو يحمل على ما مضى ويعول على ما مضى، وكأن هذا باعتباره ونظره ما حصل منه كافى، مستند يستند عليه، ومتكأ يتكئ عليه لمعصية الله تعالى، وهو ما درى ربما رد على أعقابه ولم يقبل منه عمل واحد في رمضان، فإن مآسي ما بعد رمضان، نكتشف ما حصل من البلايا في رمضان، تفريط، فهذا أكل مجاملة لمفطرين دخل عليهم المكتب وهم يأكلون فأكل معهم، وهذا وقع على زوجته في نهار رمضان وانتهك حرمة الشهر الكريم بأسوأ مفطر من المفطرات وعليه الكفارة المغلظة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع لمرض وعذر حقيقي لا تلاعب فإنه يطعم ستين مسكينا، فكيف بمن زنا في رمضان، وفعل الفاحشة في رمضان، من وطئ في قبل أو دبر حلال أو حرام بآدمي أو بهيمة لزمته الكفارة المغلظة، وهذا كلام العلماء لمن حصل له ذلك في نهار رمضان.