الدكرورى يكتب عن ماذا بعد رمضان؟ ” الجزء السابع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع ماذا بعد رمضان؟ وقد توقفنا مع أن هناك قتلى حوادث السيارات في العيد، الذين يخرجون متهورين لا تسعهم الفرحة، الفرحة بالمعصية، الفرحة بانقضاء موسم الطاعة، ماذا يكون حالهم؟ فإنها مآسي ما بعد رمضان، ولكن من هم الفائزون؟ فيقول الناس لبعضهم البعض في العيد من العبارات التي يقولها العامة ربنا يجعلك من العائدين، أو من الفائزين، ولكن هل تعلمون من هم الفائزون؟ قال الله تعالى ” فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز” ولقد غادرنا رمضان وترك في قلوبنا شيئا من الحزن وغصة في النفس، ولكن هذا شهر مبارك الذى نحن فيه أيضا وهو شهر شوال، وعوضنا الله بأشياء به تبتدئ أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، ويأتي بعده موسم الحج بأشهر الحج دلالة على الاستمرار في الطاعة، وحتى لا ينسى الناس العبادة، موسم عظيم بعد موسم عظيم وفي هذا الشهر شهر شوال الست، وقضاء الاعتكاف، فقد اعتكف النبى صلى الله عليه وسلم عشرا من شوال.
لما فاته الاعتكاف في رمضان، وربما كان يفوته في الغزو والجهاد، وهو شهر بناء ونكاح وإعفاف بالحلال، فقالت السيدة عائشة “تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال” كما جاء في صحيح مسلم، فعليكم أن تتذكروا بعض الأحكام الشرعية فى من فاته شيء من رمضان كالمسافر والمريض والحائض والنفساء فإنه يقضي بعدد الأيام التي أفطرها لقوله تعالى ” فعدة من أيام أخر” فإن كان الشهر ثلاثين وأفطره لزمه ثلاثين، وإن كان تسعة وعشرين فأفطره لزمه تسعة وعشرون، ويجوز أن يقضيه متتابعا أو مفرقا وهذا هو الراجح، فإن الله لن يشترط التتابع وإنما أطلق فقال فعدة من أيام أخر، وتنبغي المبادرة إلى القضاء، والأولى أن يكون من حين زوال العذر لأنه أسبق إلى الخير وأسرع في إبراء الذمة، ويجوز أن يؤخره حتى لا يكون بينه وبين رمضان الثاني بعدد الأيام التي بقيت، ولا يجوز تأخير القضاء أكثر من ذلك أبدا.
ومن فعله فهو عاص عليه التوبة والكفارة، كفارة التأخير، ولكن من أخر لعذر فليس عليه شيء وقد قالت عائشة رضي الله عنها “كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان” ومن شرع في صوم واجب كالقضاء أو الكفارة والنذر فلا بد له من إتمامه وليس مخيرا في الإفطار، ولا بد من نيةٍ لصيام القضاء من الليل، واعلموا رحمكم الله أن قضاء رمضان قبل الست، قبل صيام الست من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ولو لم يكف الشهر شهر شوال للقضاء والست يبدأ بالقضاء، فيبدأ بالواجب، بل إن صيام الكفارة الواجب يقدم على الست ولا قضاء للست بعد شوال، ولكن يصوم من ذى القعدة إذا لم يكف الوقت لاستدراك ما يمكن استدراكه من الخير، والأفضل النية لصيام الست من الليل أحسن خروجا من خلاف أهل العلم، ولكن من أصبح فصام في الصباح ونوى ولم يأكل شيئا فصيامه صحيح، ونفله مقبول عند الله، والصائم متطوع يجوز له أن يفطر أثناء النهار.
لحديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت فقلت يا رسول الله ما عندنا شيء، قال فإني صائم قالت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت له هدية، قالت فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أهديت لنا هدية وقد خبأت لك شيئا، قال ما هو قلت حيس طعام من التمر والأقط والسمن قال هاتيه فجئت به فأكل ثم قال قد كنت أصبحت صائما وقال طلحة فحدثت مجاهدا بهذا الحديث، قال”ذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها” رواه مسلم لكن إن سلمها للفقير لا يجوز له الرجوع فيها، فإذا حثوا النساء على القضاء الحامل والمرضع كذلك الراجح عليهما القضاء فقط أفطرتا عن نفسيهما أو ولديهما وإن أطعمتا مع القضاء أحسن، لكن الراجح أن عليهما القضاء فقط كالمريض، وكذلك نذكر الذين لم يخرجوا كل الزكاة بعضهم أخرج جزء من الزكاة في رمضان سارعوا بإخراج بقية الزكاة يرحمكم الله.
ويامن أعتقه مولاه من النار إياك أن تعود إليها بعد أن صرت حرا من رق الأوزار، أيبعدك مولاك من النار وأنت تتقرب منها، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحد عنها، إن كانت الرحمة للمحسنين فالمسيء لا ييأس منها، وإن تكن المغفرة مكتوبة للمتقين فالظالم لنفسه غير محجوب عنها، ورحمة الله واسعة، وإنا لنفرح بالأيام نقطعها، وكل يوم مضى يدنى من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا، فإنما الربح والخسران في العمل، لقد كنا نعيش رمضان بخيراته وبركاته، ونسعد بقيام ليله وصيام نهاره، ونفرح بتنافس المؤمنين فيه على الخيرات، واجتماعهم على الصلوات، وإمساكهم عن المعاصي والمنكرات، فما إن دخل هذا الشهر المبارك حتى ظلل المجتمع المسلم جو من الطهارة والنظافة، والخشية والإيمان، والإقبال على الخير وصالح الأعمال، وعم فيه انتشار الفضائل والحسنات، وكسدت سوق الفواحش والمنكرات، واعترى أهلها الخجل من اقترافها، أو على الأقل من المجاهرة بها وإعلانها.
فكان للمتقين روضة وأنسا، وللغافلين قيدا وحبسا، وكانت المساجد فيه عامرة، والقلوب خاشعة، والأكف ضارعة، والنفوس زاكية، والألسنة بذكر الله لاهجة، أما اليوم فقد انقضت تلك الأيام، وتم الصيام والقيام، وانطفأت تلك المصابيح، وانقطع اجتماعنا لصلاة التراويح، ورجعنا إلى العادة، وفارقنا شهر الطاعة والعبادة، فسلام الله على تلك الأيام، وسلام الله على شهر الصيام والقيام، في ذمة الله يا شهر التلاوة والتسبيح، وفى دعة الله يا شهر التهجد والتراويح، وفي أمان الله يا شهر العبادة والإيمان الصحيح، ويا شهر المنافسة والمتجر الربيح، ويا شهرا يجود فيه حتى الشحيح، ويجتهد فيه حتى الكسيح، فسلام من الرحمن كلَّ أوان، على خير شهر، قـد مضى وزمان، وسلام على شهر الصيام فإنه، أمان من الرحمن كل أمان وإن لنا فيما مضى من أعمارنا عبرا، وفيما قدمنا من الأعمال عظة وذكرى، فما منا من أحد إلا وقد فعل خيرا وشرا، وأسلف معروفا ومنكرا، وخلط عملا صالحا وآخر سيئا، فلنقارن بين ما كان منا من سيئات وحسنات.
ولننظر مقدار الربح في هذا، والخسارة في ذاك، لندرك فضل الطاعة على المعصية، وحسن عواقب الطاعة في الدنيا والآخرة، أما الطاعة فقد ذهب تعبها ومشقتها، وثبت عند الله أجرها وذخرها، وسيجدها صاحبها أحوج ما يكون إليها “يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا” سيجدها مؤنسا له في قبره، وظلا له يوم حشره، وسببا لفوزه برضوان الله تعالى وجنته فيقول تعالى “ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون” ويقول تعالى “كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية” وهذا جزاء المطيع في الآخرة، أما في الدنيا فإن له الحياة الطيبة، والطمأنينة الكاملة، والعيشة الهنية، والسعادة الحقيقية، وسيجد من توفيق الله له وإعانته، وتسديده وهدايته، وحفظه وحراسته، وإعزازه وإكرامه، وتيسير أموره، وتوسيع رزقه، وطرح القبول له فى الأرض، والمحبة في قلوب الخلق، ما هو من أعظم العون له في أمور دينه ودنياه، مع ما يشعر به من لذة الانتصار على النفس والشيطان، وحلاوة القرب من الرحمن.