الدكرورى يكتب عن العادة والعبادة
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن العبادات هى وسائل أساسية وضرورية لا بد منها لتحقيق الأهداف التي تجعل من الإنسان في هذه الحياة ملكا من ملائكة السماء، يسير على هذه الأرض، ليحقق أخلاق السماء، وهذه العبادات جاءت متنوعة منها عبادات بدنية، كالصلاة والصوم، ومنها عبادات مالية محضة، كالزكاة، ومنها عبادات مالية وبدنية، كالحج والعمرة، وأيضا منها عبادات متكررة كل يوم، كالصلاة، ومنها عبادات في السنة مرة وهو الصوم، ومنها عبادات في العمر مرة، وهي عبادة الحج، وما أجمل أن تكون كل حياتنا لله، فإن ساعتها سنشعر بجدوى الحياة والحكمة من الوجود، فأوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فاتقوا الله العلي حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، وتزودوا من دنياكم لأخرتكم عملا يرضاه، واعلموا أنه لا يضر وينفع، ويصل ويقطع، ويفرق ويجمع، ويعطي ويمنع، يخفض ويرفع، إلا الله، فروى الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعرى أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله.
الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيلِ الله” فإن الأعرابى لا يعلم، فقد جاء لمعلم الأمة صلى الله عليه وسلم يسأله، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم “أن مَن كانت نيته إعلاء كلمة الله فهو الذي في سبيل الله” فأى أمر فرق بين ما لهذا الأخير من ثواب الدنيا وحُسن المآل في الآخرة، وبين هؤلاء الذين ليس لهم إلا ما قَصدوا إلى تحصيله، من مغانم، أو صيت وشهرة، أو رياء وسُمعة، مما لا ينفعهم في الآخرة؟ فإنها النية، المقصد، والغرض، والغاية التي تحرك كل منهم بغرض تحقيقها، وتوجه إليها، وكانت هي الطاقةَ الداخلية التى تدفع به إلى هدفه، وشتان بين ما لهذا وبين ما لهؤلاء وإن كنا نراهم في الميدان سواء، فبأى معيار حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثواب كل منهم؟ وبأى مقياس حدد قيمة عمل كل منهم؟ إنها النية، ذلك الفعل القلبى الذي لا يراه أحد إلا الله سبحانه وتعالى إنها النية.
التي بمقتضاها يكون الجزاء إما ثواب، وإما عقاب، إنها النية، التي نغفل عنها في تعبدنا وسائر أعمالنا، فلعلنا نخسر كثيرا من ثواب أعمالنا، بسبب أننا لا نستحضر نيتنا حين الفعل، فنؤدى بآلية، تفتقد إلى الخشوع، وتفتقر إلى الروح الإيمانية، فنلقى بأعمالنا إلى خواء، ونضيعها ونحن لا نشعر، ” إنما الأعمال بالنيات” وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن النية هي الحد الفاصل بين العمل الخالص لوجه الله تعالى وبين العمل الذي يقصد به غير الله تعالى، فلكل عمل ظاهر، يوافق شرع الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو يخالفهما، وبهذا يكون صلاح العمل أو فساده ظاهرا، ولكل عمل باطن، قصد، نية، وبحسبه يكون الجزاء من الله عز وجل ومستقَر هذا الباطن هو القلب، تلك المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد، فالنية هي روح العمل، وهي الموجهة له، أمور كثيرة اختلطت كسمة الواقع بطريقة يندى لها جبين الباحث عن الحقيقة، الذي ما ينفك يشمر ساعده عن جهد ما.
حتى تداهمه خفافيش قلب الحقائق في عز الظهر، فتلين عريكته إن كان جهده عنوانه العادة، ويصمد في مواجهة أعتى الأمواج إن كان عنوان جهده العبادة، وفي شتى مناحي حياتنا، يبقى الفيصل في كل أمورنا، هو الإيمان بفكرة ما نبذله من جهد، عن قناعة ذاتية، وليس تقليدا لآخرين، هو التصرف في كل الأمور كعبادة، وليس ركوبا للعادة، على غرار ما جاء فى سورة الزخرف” بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون” ولنتأمل قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الذاريات” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” ولندرك حكمة خلقنا، فقد وهبنا الله عقولا تفكر وتميز وتتأمل، ولسنا مضطرين أبدا أن نحصر أنفسنا فى نطاق هكذا جرت العادة، فالقدرة على التفكير السليم، وإعمال العقول بدقة تتناسب وقيمتها، تدفعنا لاختيار الأصلح لنا دينا ودنيا، وإنه فرق شاسع بين أن يذهب الموظف إلى عمله كعادة، وبين أن يذهب إليه كعبادة، في حالة العادة ترى الضيق والحنق وتعطيل مصالح العباد.
وفي حالة العبادة، يكون انشراح الصدر وتوهج الفكر والرغبة في القيام بالعمل على أكمل وجه يرضي الله سبحانه وتعالى، فلا مجال لعابد أن يقصر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه” رواه البخارى، وفي رحاب الله يكمن الخير كله، فربط الأمور الحياتية كلها بمفهوم العبادة يظهر أجمل ما في الإنسان من قيم، وإن قصر الأمور على أنها مجرد عادات موروثة أو مكتسبة، هو إهدار لمعناها وقيمتها، وطمس للمفاهيم، وقصر نظر، لا يمكن من خلاله لأمر أن يستقيم، وما أجمل أن تكون كل حياتنا لله، ساعتها سنشعر بجدوى الحياة والحكمة من الوجود.