أحمد إبراهيم يبرز أروع كتاباته بعنوان ” العام الهجري والهلاليّون”
يقف “الهلاليون” كلُّ عامٍ في مثل هذه الساعات قبل غروب الشمس على أقدامهم فوق تراب الأرض، تحت زرقاء السماء، رافعي الرّؤوس مصوّبي الأعين لرؤية مفقودٍ في السماء!
إنّهم الغوّاصون المترنّمون لا بعودة كهلٍ عجوزٍ سيموت حتمًا، ولا بترنيمةِ (ألا ليت الشبابُ يعود لنا..!) فلن يعود أبدًا.. وإنما بترنيمةِ (آه يا هلال) كنت قمرًا مضيئًا، ثم بدرًا مُنيرًا، ثم اختفيا وافتقدناك، وأنك ستعودُ الليلة هِلالًا.
وكما الملاّحون في قيعان البحر يهتدون بالنجوم، والصيّادون على قمم الجبال ورُعاةُ الأغنام في بطون الوُديان، كذلك نحن الهلاليين المؤمنين بالآية الكريمة (وبالنجم هم يهتدون) نستهلّ في هذه الساعات من كل عام بحثًا عن الهلال الخصيب، الذي به أهلّةُ التّقاويم والمواقيت، طيلة العام الهجري الجديد.
والفلكيون (ملاذُ الهلايين) يقولون وعامة الناس (ونحن منهم): لا نفهم كلام الفلكيين، ونعتقد أنهم إمّا يتكلّمون لغة الرّوبوت الصناعي التي لا نسمع رموزها، أو الّلغة الصّينية التي لا نفهم حروفها.لكن الفلَكِيين بالمنطقة تنبّؤوا الآن أن الهلال الخصيب لرأس السنة الهجرية هذا العام سيولد مساء الأحد الموافق 8 أغسطس، والشمس تغربُ بعد ولادته بساعتين تقريبًا، ويبقى الهلال المولود بتلك الساعة ضيفًا مؤقّتًا بين النجوم والغيوم في زرقاء سماء مكّة 14 دقيقة، والقاهرة 18 دقيقة، ومعظم أقطار الخليج العربي 16 دقيقة، بمعنى أن الضيف المُدلّل يطول بقاؤه الأقصى والأدنى في الفضاءات ليلة (الرؤية) من 6 دقائق إلى 24 دقيقة، متحدّيًا ذوي الأبصار الثاقبة من الهلاليين المتفحّصين عنه في زرقاء السماء للرّؤية بالعين المجرّدة.. تلكم الرّؤية المنوطة شرعًا لإثبات دخول العام الهجري الجديد (هذا مقدارُ فهمي لطلاسم الفلكيين)!فبعد مرور ألف وأربعمائة واثنين وأربعين سنة، هل تساءل الهلاليون بعضهم البعض كيف ولماذا بدأ هذا التقويم الهلالي القمري؟ إذ في الأول من شهر محرم الحرّام يحتفل المسلمون بإعلان رأس السنة الهجرية، بإجازة رسمية في بعض البلدان الإسلامية، وهذا العام بحلول العام الهجري 1443.التقويم الهجري والتقويم الميلادي رغم ثقافة الاختلاف بينهما على (الرّوزمانة الورقية) إلا أنهما بالتطبيقات في يومياتنا يجرانا إلى الاعتراف بالبعض أكثر من الاختلاف، علمًا بأن الهجري والميلادي ليسا وحدهما في جدول التقاويم، بل وبجوار (الميلادي والهجري، هناك الفرعوني والقبطي والصيني، بالإضافة إلى الشمسي قمري/ الفارسي).. لكن التقويم الميلادي هو الأكثر تداولًا بيننا المسلمين والعرب.
وفي إطار ثقافة الاختلاف كما اتفقنا، فإن الهلاليّين عبر التاريخ وهم يصعدون المجد بالرسالة المحمدية والهجرة النبوية، ظلّوا متمسّكين بقداسة كل الرسل السماوية، فإن كان هناك يومًا يحتفل به جزءٌ من العالم على أنه يوم هجرة نبيٍّ كريم، فلم يتجاهل يومًا آخرًا يحتفل به جزء آخر من العالم على أنه ميلاد نبي كريم، والاحتفالَين مقرونَين بالتّهانئ والتبريكات والإجازات في معظم الأقطار العربية والإسلامية، على أنهما رأس السنة الهجرية أو الميلادية.
السنة الهجرية 12 شهرًا، كما في الآية الكريمة: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُور عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ)، يبدأ كل شهر هجري بولادة الهلال الجديد، ينمو بدورانه قمرًا ثم بدرًا حول الأرض، وتتناوب الأشهر الاثنا عشر بين 29 و30 يومًا باستثناء شهر ذي الحجة، حيث تختلف عدد أيامه في دورة قدرها 30 سنة، وذلك للحفاظ على تناسب التقويم مع مراحل نمو القمر الحقيقية، إنه مربط الفرس لتحديد الفرائض الّتي فرضها الله تعالى على المسلمين، من توقيت الصلاة، وتحديد يوم وقفة الحج والتروية وعيد الأضحى، ودخول شهر الصوم (رمضان) وانتهائه برؤية هلال عيد الفطر.وقسّمَ العرب الشهور الهجرية إلى:
– الأشهر الحُرُم، وعددها أربعة: (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب) وسُمّيت بالأشهر الحُرُم لحُرمة القتال فيها عند العرب في الجاهلية، وحتى بعد ظهور الإسلام في حرب الدفاع مع المشركين، وذلك لقوله تعالى في الآية (5) من سورة التوبة: (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
– الأشهر الحِلُ: وهي بقية الأشهر الهجرية، وعددها ثمانية بالأسماء: صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، شعبان، رمضان، وشوال. وسُمّيت بالأشهر الحِلُ لأنه حُلّ فيها قِتال الدِّفاع.ولهذه الشهور أسماء ومعانٍ على التوالي:
– مُحَرّم الحرام: وهو الشهر الأول للعام الهجري، سمي به لكونه من الأشهر التي يحرم فيها القتال.
– صَفَرْ: هو الشهر الثاني، كانت تصبح فيه بيوتهم صَفْرًا (خالية) وهم خارجها.- ربيع الأول وربيع الآخر: شهران من فصل الربيع سُمّيا بهما، وأيضًا يُقال أنهم كانوا يستثمرون فيهما فيُقال (ربيعُ رابع) أي مُخْصِب.- جمادى الأولى وجمادى الآخرة: كان يتجمّدُ فيهما الماء جمودَ الشتاء.- رجب: هو الترجيب والتعظيم.- شعبان: كانوا يتشعّبون الصحراء بحثًا عن الماء.
– رمضان: من شدة الرّمضاء الحرّ، وهو شهر الصيام للمسلمين.
– شوال: نسبة إلى الإبل التي تشول أذيالها في بداية فصل الشتاء.
– ذو القعدة: لقعود العرب فيه عن القتال باعتباره أحد الأشهر الحرم.- ذو الحجة: هو آخر الشهور الهجرية، نسبة إلى قيام المسلمين فيه بأداء فريضة الحج.
وعساكم من عواده إن شاء الله سالمين غانمين.