نسائم الإيمان ومع غزوة ذات الرقاع ( الجزء الأول ) Archives - العمق نيوز

الوسم: نسائم الإيمان ومع غزوة ذات الرقاع ( الجزء الأول )

  • نسائم الإيمان ومع غزوة ذات الرقاع ( الجزء الثانى )

    نسائم الإيمان ومع غزوة ذات الرقاع ( الجزء الثانى )

    بقلم / محمــــد الدكـــرورى

    كانت غزوة ذات الرقاع بنخلا، وهو موضع بنجد من أرض غطفان من منازل بني ثعلبة بين وادي نخل، وهو يسمى الحناكية، والشقرة، ويبعد عن المدينة بتسعين كلم تقريبا، وقيل أن ذات الرقاع، هى شجرة أو جبل والاصح انها سميت بذلك لأن الصحابة لفوا رقاع الأقمشة على أرجلهم، وكانت قوات المسلمين أربعمائة راكب وراجل، وكانت قوات العدو، هم بنو ثعلبة وبنو محارب من غطفان، وكان هدف الغزوة، هو القضاء على تجمع بني ثعلبة وبني محارب المجتمعين للإغارة على المدينة.

    وقد تضاربت الأنباء حول عدد جيش المسلمين فقيل: أربعمائة من الصحابة، وقيل أيضا: سبعمائة من الصحابة رضوان الله عليهم، وقد خرج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بجيشه من المدينة المنورة منطلقا إلى موضع يقال له: نخل على مسافة يومين من المدينة حيث لاقى المسلمون في سيرهم نحو عدوهم المشاق والصعاب المتمثلة في وعورة الطريق نتيجة النقص في عدد الخيل والإبل التي تحمل المجاهدين حتى تمزقت نعالهم من قسوة الحجارة وحدتها .

    وبعضهم تمزق منه الجلد والأظافر مما اضطرهم للفّ الخِرق والرقاع على أقدامهم، على الرغم من ذلك استمر الجيش في المسير حتى وصولوا إلى بطن نخل وهناك التقى بجمع من قبيلة غطفان، وتراءى الفريقان إلى بعضهما البعض دون وقوع قتال، وعندما انتشر خبر جيش الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن معه بين الأعراب الساعين إلى قتال المسلمين دب في قلوبهم الخوف والرعب من المسلمين فما كان منهم إلا الفرار إلى رؤوس الجبال مخلفين النساء والمتاع والذرية خلفهم، جراء فرار المقاتلين.

    وعندما فر الأعراب إلى رؤوس الجبال وقد حان وقت الصلاة خاف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، من انقضاضِ المشركين على المسلمين أثناء تأدية الصلاة، وهنا جاء الأمر الإلهي بنص قرآني كريم بمشروعية وكيفية صلاة الخوف، فصلى رسول الله بجماعة ركعتين، ثم انتهوا، وصلى بالجماعة الثانية ركعتين، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم، أربع ركعات وللجيش ركعتين ركعتين.

    فقرر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، العودة إلى المدينة المنورة، وبذلك انتهت هذه الغزوة دون قتال وأتم الله لرسوله ما أراد من إخضاع القبائل العربية المتمردة بعد أن أنزل في قلوبهم الرعب والخوف من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتي دخلت في الإسلام لاحقا وشاركت المسلمين في غزوة حُنين وفتح مكة.

    فلما علمت قبائل غطفان بقدوم المسلمين هربت، فلم يقع قتال، وعاد المسلمون منتصرين، وفي طريق العودة اشتد الحر عليهم، وجاء وقت القيلولة فنزلوا في واد كثير الأشجار، وتفرق المسلمون يستظلون فيه، وقد نام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وظهرت شجاعة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وقوة يقينه بربه سبحانه وتعالى، وعفوه عمن ظلمه، وقد ظهر ذلك كله فيما رواه جابربن عبد الله رضي الله عنه، حين قال:

    ( كنا مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتفرق الناس في العضاة، أى فى شجر به شوك، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحت شجرة فعلق بها سيفه .

    وقال جابر : فنمنا نومة، فجاء رجل من المشركين: فاخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال : الله . قال جابر : فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعونا فجئنا، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟

    قلت : الله، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية أبي عوانة : ( فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال الأعرابي: أعاهدك على ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. قال: فخلى سبيله، فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس) رواه البخاري .

    وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها، بل استكانت حتى استسلمت، وأسلمت، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الإسلام ونشر الخير.

    وقيل أنه في طريق عودة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، من الغزوة ومع حلول الليل، أمر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، بحراسة على المعسكر، واختار لهذه المهمة رجلا من المهاجرين ورجلا من الأنصار، وهما عباد بن بشر و عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقسَّم الليل بينهما نصفين، فاختار عباد بن بشر أول الليل وقام يصلي، واستغل أحد المشركين هذه الفرصة فأطلق سهما أصاب عبادا رضي الله عنه.

    فنزع عَباد السهم من جسده ومضى في صلاته، ثم رماه المشرك بسهم ثان وثالث، وهو مع ذلك مستمر في صلاته، ولم ينصرف حتى أتمّها، فأيقظ عمارا ليسعفه بالنجدة، فلما رأى المشرك ذلك ولى هاربا، فقال عمار وهو يرى الدماء تسيل من جسده: سبحان الله، ألا نبهتني أول ما رمى؟ فقال عبّاد رضي الله عنه : كنت في سورة أقرؤها، فلم أحب أن أقطعها .

    وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه ( خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى غزوة ذات الرقاع من نخل، على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلت الرفاق تمضي، وجعلت أتخلف، حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا جابر ؟ قال: قلت يا رسول الله أبطأني جملي هذا، قال: أنخه، فأنخته، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: أعطني هذه العصا من يدك، أو اقطع لي عصا من شجرة ، قال: ففعلت.

    قال: فأخذها رسول الله فنخسه بها نخسات، ثم قال: اركب، فركبت، فخرج، والذي بعثه بالحق يواهق ناقته مواهقة أى يسابقها لسرعته، و قال: وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟ قال: قلت يا رسول الله بل أهبه لك، قال: لا، ولكن بعنيه. قال: قلت: فسُمنِيه يا رسول الله، قال: قد أخذته بدرهم، قال: قلت: لا، إذن تغبنني يا رسول الله، قال: فبدرهمين، قال: قلت: لا، قال: فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ثمنه، حتى بلغ الأوقية.

    قال: فقلت: أفقد رضيت يا رسول الله؟ قال: نعم، قلت: فهو لك، قال: قد أخذته. قال: ثم قال: يا جابر : هل تزوجت بعد؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله، قال: أثيِّبا أم بكرا؟ قال: قلت: لا، بل ثيِّبا، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ قال: قلت يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعا، فنكحت امرأة جامعة، تجمع رؤوسهن، وتقوم عليهن، قال: أصبت، إن شاء الله ” رواه أحمد .

    ولقد حققت غزوة ذات الرقاع هدفها، وتمكنت من تشتيت الحشد الذي قامت به غطفان لغزو المدينة، وأرهب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تلك القبائل، وعلموا هم وغيرهم، أن المسلمين ليسوا قادرين فقط على سحق من تحدثه نفسه بالاقتراب من المدينة، بل نقل المعركة إلى أرض العدو نفسه، وضربه في عقر داره، حتى شاء الله أن تُسلم هذه القبائل لاحقا، وتشارك في فتح مكة وغزوة حنين .

    وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد ، مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه ، فوقف عليه ودعا له ، ثم تلا هذه الآية : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا ” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم ، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه ” وقيل النحب، هو الموت ، أي مات على ما عاهد عليه.

  • نسائم الإيمان ومع غزوة ذات الرقاع ( الجزء الأول )

    نسائم الإيمان ومع غزوة ذات الرقاع ( الجزء الأول )

    بقلم / محمــــد الدكـــرورى

    إن الجهاد في سبيل الله عز وجل، هو مفتاح الخير، وباب الفلاح، وإن الجهاد في سبيل الله تعالى هو باب الشهادة، والشهادة ثوابها الجنة، والشهيد حي عند ربه، والمجاهد في سبيل الله أفضل من القاعد المتقاعِس، له درجات عند الله، وفضل عظيم، وقد وقعت غزوة ذات الرقاع في شهر ربيع الأول سنة سبعه هجريه، أي فور رجوع المسلمين من فتح خيبر، فهي حركة دائبة من الجهاد في سبيل الله عز وجل.

    وبعض كُتاب السير يضعون غزوة ذات الرقاع في أحداث السنة الرابعة، وهذا لا يستقيم، لأن أبا موسى الأشعري رضى الله عنه كما ثبت في البخاري،أنه قد شارك في غزوة ذات الرقاع، وأبو موسى رضى الله عنه، بالاتفاق لم يأت إلى المدينة المنورة إلا في العام السابع من الهجرة مع قدوم جعفر بن أبي طالب رضى الله عنهما، إلى المدينة المنورة، أي جاء بعد فتح خيبر.

    وتعد غزوة ذات الرقاع واحدة من غزوات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الشّاقة التي عانى فيها المسلمون الكثير من المشقة والجهد من أجل نشر الدعوة الإسلامية في ربوع شبه الجزيرة العربية، وقد سُمّيت هذه الغزوة بهذا الاسم نظرا لما أصاب أقدام المسلمين من النقب والتشقق لكثرة المشي مما حدا بهم إلى لف الخِرق على أقدامهم بدلا من النِعال.

    والخِرق هي الرقاع، وقيل: سُميت بهذا الاسم لأن أراضيها وجبالها ذات ألوان مختلفة كأنها الرقاع، وقيل أيضا ذات الرقاع اسم لمكان وقوع الغزوة، فبعد أن تم القضاء على فتنة اليهود، وكسر شوكة قريش ومن معها ، بقي هناك خطر آخر ، وهو الأعراب القساة ، المتواجدون في صحاري نجد ، والذين لم يتوقفوا عن أعمال النهب والسلب.

    فأراد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تأديبهم وإخماد نار فتنتهم من جهة ، وتوطيد الأمن وحماية المنطقة من جهة أخرى، وقد بلغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان يُعدون العدة لغزو المدينة، فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين، وقيل في سبعمائة، واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري.

    وتعد غزوة ذات الرقاع واحدة من غزوات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، التي وضعت حدا لتمرد القبائل العربية المنضوية تحت لواء قريش وأعوانها من المنافقين المتآمرين على الإسلام وأهله، فبعد أن انتهى الرسول الكريم من شر اليهود وآذاهم في معركة خيبر وقبلها القضاء على قوة قريش العسكرية ومن معها في أكثر من موقعة بقي أمامه خطرا واحدا متمثلا في القبائل العربية التي تستوطن صحراء نجد من شبه الجزيرة العربية.

    حيث كانوا يمارسون السلب والنهب إلى جانب إغارة النفوس على المسلمين خاصة قبيلة غطفان التي كانت ضمن القبائل الإسهام في حِصار المدينة في غزوة الأحزاب، كما كانوا يخططون لمساعدة اليهود ضد المسلمين في غزوة خيبر لولا أن الرسول الكريم أرسل لهم بسرية أثناء المعركة.

    وقد خرج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بجيشه من المدينة ، واتضحت منذ البداية الصعوبات التي تنتظرهم ، فهناك نقص شديد في عدد الرواحل ، حتى إن الستة والسبعة من الرجال كانوا يتوالون على ركوب البعير، ومما زاد الأمر سوءا وعورة الأرض وكثرة أحجارها الحادة ، التي أثرت على أقدامهم حتى تمزقت خفافهم ، وسقطت أظفارهم ، فقاموا بلف الخلق والجلود على الأرجل، ومن هنا جاءت تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم.

    وعن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه، قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، أى ورمت وقرحت، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت ذات الرقاع، لما كنا نعصب الخرق على أرجلنا ” رواه البخارى ومسلم، ويقال أنه قد ندم أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه، أن حدث بهذا الحديث، وإنما كره ذلك وندم عليه بسبب خوفه أن يكون أظهر شيئا من عمله الذي احتسب أجره عند الله تعالى.

    وقال ابن هشام : وإنما قيل لها : غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع : شجرة بذلك الموضع يقال لها : ذات الرقاع، وكان الهدف الرئيس من خروج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بجيشه بعد الانتهاء من يهود خيبر وطردهم من ديارهم هو تأديب قبيلة غطفان المتمادية في عداء الإسلام والمسلمين.

    وأيضا حتى لا تأخذ غطفان وغيرها من القبائل العربية أن المسلمين يهابونهم خاصة بعد تحالفهم مع بني سُليم في غزوة بني سُليم، وأيضا لنشر الأمن والأمان وإيقاف أعمال النهب والسلب التي كانت تقوم بها تلك القبيلة من جهة أخرى ولهذه الأسباب مجتمعة قرر الرسول الكريم صلى الله عليه السلام، غزو ديار غطفان ومبادرتهم بالقتال خاصة بعد أن علم بنيتهم المُبيتة لغزو المدينة المنورة.

    وسار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم متوغلا في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نَخل، ولقي جمعا من غَطَفان، إلا أنه صلى بالصحابة صلاة الخوف لاول مرة في الأسلام، فعن جابر قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نَخل، فلقي جمعا من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضا، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف. رواه البخاري.

    وقد إلتفت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى القبائل العربية الموجودة في صحراء نجد بعد القضاء على اليهود وأعوانهم، فكانت هذه القبائل العربية تعتمد على السلب والنهب وترويع الآمنين فكان لا بُد من تأديبهم وهم: قبائل بنو أنمار وثعلبة ومحارب من غطفان، فعقد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، العزم على الخروج للقائهم بعد أن علم بخروجهم، واستعمل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان، وقيل أيضا أبو ذر الغفاري رضي الله عنهما.