أدب الكلام وحفظ اللسان بقلم الأديب المصرى د. طارق رضوان جمعة
أدب الكلام وحفظ اللسان
بقلم الأديب المصرى
د. طارق رضوان جمعة
لو كان العقل على قدر كلام الرجل، لكان الثرثار أكبر الناس عقلاً، ولو كان العلم على قدر حفظ المسائل لكان التلميذ أوسع من أستاذه علماً، ولو كان الجاه على قدر الفضائل لما كان للأشرار نفوذ، ولو كان المال على قدر العقل لكان أغنى الناس الحكماء، وأفقر الناس السفهاء. الإنسان الذي لا يثق بنفسه ، بإمكان كلام الناس أن يدمره ويحطمه ،أو أن يشجعه ويدعمه.
فما التسامح؟ وما هو أدب الكلام؟ وهل كلام الناس فعلاً لا يُقدم ولا يؤخر؟ آم أن الكلام يمكن أن يكون أحد طرق العلاج والتربية؟ هل يمكننا القول أن أدب الكلام سلاح ذو حدين؟
فى البداية لست أدرى لماذا وكيف يدعونا البعض إلى تجاهل كلام الناس، رغم أن كلام الناس قد يؤدى إلى صلاح الأمم أو هلاكها لما له من أثر بليغ ف نفوس العباد.
التسامح هو أن ترى نور الله في كل من حولك مهما يكن سلوكهم معك، وهو أقوى علاج على الإطلاق. فقوة الحب والتسامح في حياتنا يمكن أن تصنع المعجزات. والصفح عن الآخرين هو أول خطوة للصفح عن أنفسنا، وأنه يمكننا أن نتسامح مع الآخر حينما فقط نتخلى عن اعتقادنا بأننا ضحايا.
يقول غاندى : “إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة ؟”. ويؤكد تولستوى ذلك حين قال أن ” عظمة الرجال تقاس بمدى استعدادهم للعفو والتسامح عن الذين أساءوا إليهم”.فإذا أردت بعد ذلك أن تتبنى فكرة الانتقام فعليك أن تحق\فر قبرين أحدهما لنفسك.
وأورد الإمام البخاري حديث أمنا عائشة رضي الله عنها يفيد فى الملاينة والملاطفة مع الناس : (أن رجلاً استأذن على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئسَ أخو العشيرة، وبئسَ ابن العشيرة، فلما جلس تطلَّقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسطَ إليه، فلما انطلق الرجلُ، قالت عائشة: يا رسول الله، حين رأيتَ الرجلَ قلتَ له كذا وكذا، ثم تطلَّقْتَ في وجهِه وانبسطْتَ إليه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، متى عَهِدتني فحَّاشاً، إن شرَّ الناس عند اللهِ منزلةً يومَ القيامة من تركَه الناسُ اتقاءَ شرِّه)(رواه البخاري)
و”المداراة: هي الملاينة والملاطفة” كما قال المناوي. فهي ملاينة الناس، وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك، ولذلك فهي مرغب فيها شرعا عند الحاجة إليها، قال ابن بطال: “المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة” .ومن أبواب المداراة (الملاينة والملاطفة) الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل وخاصةً إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك”.
والمداراة دفع للشر والأذى وسوء الخلق بالتي هي أحسن ـ قولا أو فعلا، دون التنازل عن شيء من الدين، أو المداهنة بالرضا عن منكرـ كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت:34)
ولئن كان عبد الله بن عمر قال: “التودد إلى الناس نصف العقل”. فقد قال الحسن البصري: “وأنا أقول: هي العقل كله”.
ويروى عن الشافعي أنه قال:
إني أحيي عــدوي عنـد رؤيته .. .. لأدفع الشر عنـي بالتحيـات
وأظهر البشر للإنســان أبغضه .. .. كأنه قد حشى قلبي محبات
الناس داء وداء الناس قربهم . .. وفي الجفاء بهم قطع المـودات
فجامل الناس واجمل ما استطعت وكن أصم أبكم أعمى ذا تقيات
ويروى عن الشافعي أنه قال:
إني أحيي عــدوي عنـد رؤيته .. .. لأدفع الشر عنـي بالتحيـات
وأظهر البشر للإنســان أبغضه .. .. كأنه قد حشى قلبي محبات
الناس داء وداء الناس قربهم . .. وفي الجفاء بهم قطع المـودات
فجامل الناس واجمل ما استطعت وكن أصم أبكم أعمى ذا تقيات
وأولى الناس بالمداراة هى الزوجة وذلك لغلبة العاطفة عليهن وسرعة انفعالهن. فالمداراة من أهم الأخلاق وأنفعها لبقاء المودة والحب والتفاهم بين الزوجين، وهي سبب من أسباب تجاوز العقبات أمامهما.
فالمرآة لا يتمُّ الاستمتاع بها إلا بالصبر عليها”.لذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: )استوصوا بالنساء خيراً، فإنهنَّ خُلِقنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا)
ولا تتوقف المداراة بين الزوجين على التغاضي عن الأخطاء، وعدم التشديد في المحاسبة بينهما، وإنما تتعداها إلى إباحة الكذب أحياناً رغم أن الكذب قبيح ومُحَرَّم ومنهي عنه، ولكن مع الزوجين استثناء، ليتحقق به مصالح أعظم، وتزول به مفاسد أكبر، فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحلُّ الْكذبُ إلاّ في ثلاث: يحدِّثُ الرَّجلُ امرأته لِيُرْضِيَها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلحَ بين النَّاس)(رواه الترمذي وصححه الألباني)
يقول الإمام الشافعي:
لما عفوت ولم أحقد على أحد … أرحت نفسي من غم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته … لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه … كأنه قد ملا قلبي محبات
والناس داء، وداء الناس قربهم … وفي الجفاء لهم قطع الأخوات
فلست أسلم ممن لست أعرفه … فكيف أسلم من أهل المودات
ألقى العدو بوجه لاقطوب به … يكاد يقطر من ماء البشاشات
وأحزم الناس من يلقى أعاديه … في جسم حقد وثوب من مودات
والعجب كل العجب لأناس يسمعون نصف الحديث، ويفهمون ربعه، ويتكلمون عليك أضعافه. احذر أن تصوم وتقوم وتختم القرآن وتذكر الله وتتصدق، وتقضي حوائج الناس وتتعب نفسك ثم يأتي غيرك ليأخذ حسناتك وهو مرتاح بالغيبة.
كلام الناس مثل الصخور إما أن تحملها على ظهرك فينكسر أو تبني بها برجا تحت أقدامك فتعلو. فكُن لصديقك كالهواء الطلق والعزلة والغذاء والدواء فإنّ من الناس مَن يعجز عن التحرر من قيوده ولكنه قادرٌ على تحرير أصدقائه. ليكن وجهك باسماً وكلامك ليناً، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة . فمن تكبّر على الناس ذل. ومن الملاحظ أن الناس الذين يعرفون القليل يتحدثون كثيراً، أما الذين يعرفون الكثير فلا يتحدثون إلّا قليلاً.