الخليل.. مدينة تجسد “الفصل العنصري” وتختصر مأساة فلسطين

أ ش أ

ما أن تطأ قدماك البلدة القديمة بمدينة الخليل التاريخية الواقعة بجنوب الضفة الغربية المحتلة وتسير في شوارعها العتيقة، ستدرك المعنى الحقيقي للفصل العنصري “الأبارتهيد” الذي لن تراه في أي مكان آخر في العالم بعد سقوط جدار برلين الذي قسم العاصمة الألمانية شطرين شرقية وغربية، وسقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
الخليل، مدينة تختصر مأساة فلسطين ومعاناة الفلسطينيين، فحيثما ذهبت في شوارعها وجدت جدرانا فاصلة وأسلاكا شائكة ليس أمام عينيك فقط بل وفوق رأسك أحيانا، فبسيرك في أحد شوارع البلدة القديمة ستلاحظ أسلاكا فوق رأسك وقد تندهش إذا علمت أن ملاك المحال التجارية هم من وضعوا هذه الأسلاك هذه المرة، وليس الاحتلال، ولكن لحماية أنفسهم وما تبقى لهم من زبائن من اعتداءات المستوطنين.
ومن يزور البلدة القديمة في الخليل، لا يمكن أن يكون مبالغا إذا وصفها بـ “مدينة أشباح”، فالمحال المغلقة تفوق بكثير في عددها تلك التي تعمل.
وبسؤال أحد أصحاب المحال التجارية في المدينة عن سبب غلق هذا العدد الكبير من المتاجر، قال إن بعضها مغلقة بأوامر عسكرية وبعضها أغلقها أصحابها نظرا لقلة المترددين عليها بسبب المشاحنات الدائمة بين المستوطنين وسكان البلدة.
وتشير بيانات رسمية فلسطينية إلى أن عدد المحال التجارية المغلقة في البلدة القديمة يبلغ حوالي 1500 محل من ضمنها 512 تم غلقها بأوامر عسكرية.
– بوابات أمنية إلكترونية كحواجز المعابر على مداخل الشوارع
يقول زيدان الشرباتي، وهو أحد سكان شارع الشهداء الواقع في وسط مدينة الخليل، إن لا أحد يستطيع أن يدخل إلى شارع الشهداء الذي يسكن فيه إلا ساكنوه فقط، وبموجب أرقام أعطاها لهم الاحتلال غير مرتبطة بهوية، وهذا ما يشعر سكان الشارع بعنصرية الاحتلال البغيضة كونه جردهم من إنسانيتهم ويتعامل معهم كـ “أرقام” فقط.
وأضاف الشرباتي “أحيانا.. عندما تكون هناك مشاحنات.. في عام من الأعوام.. لم يستطع أقاربي زيارتي في منزلي الذي هو ملك لي.. لك أن تتخيل الحياة التي نعيشها”.

– منازل ذات إطلالات مزدوجة
حتى لا يذهب الخيال بعيدا إلى منتجع من منتجعات الصفوة التي امتلأت بها ربوع الأرض، فالمنازل ذات الإطلالة المزدوجة في الخليل القديمة لها وجهان أحدهما يطل على شارع عادي تملك فيه حرية الحركة نسبيا، والآخر يطل على مستوطنة أو حي يمنع الفلسطينيون من السير فيه وهذا يستحيل أن تفتحه إلا إذا كنت تغامر بحياتك.
ويقول ناصر أبو منشار وهو يرمم منزل أجداده، الكائن بشارع الشلالة القديم والمبني منذ ما لا يقل عن 150 عاما، إنه اضطر إلى فتح بوابة جديدة للمنزل غير بوابته القديمة التي باتت تطل الآن على مستوطنة.
الأمر ذاته ينطبق على حمام النعيم، وهو حمام تركي قديم في فلسطين يعود تاريخ بنائه إلى عام 1873 ميلادي ويخضع للترميم حاليا، إذ يقول سمير القصراوي المشرف عليه وأحد أحفاد ملاكه الأصليين إنه يقوم بترميمه حاليا حتى يعيد جذب الزوار والسياح إلى المكان.
ويقول القصراوي إن الحمام المقام على مساحة 1100 متر مربع والمكون من قبب زجاجية وأجراس يطل على جهتين جهة يسمح له بالدخول منها (وهي الجهة الخلفية) والجهة الأخرى (الرئيسية) تطل على شارع الشهداء والذي لا يستطيع أن يطأه بقدميه بعد أن كانت بوابة الحمام الرئيسية تطل عليه.
وذكر القصراوي أن هذا الحمام التاريخي كان يزف منه العرائس ووجهاء الخليل وصولا إلى المسجد الإبراهيمي حيث كان يتم عقد القران (كتب الكتاب) إلى أن أحرقه متطرفون يهود خلال الانتقاضة الثانية قبل نحو 20 عاما.

– عفوا.. لا أشعر بالأمان
وتقول امرأة فلسطينية من سكان المدينة القديمة في الخليل إنها لا تشعر بالأمان عندما تضطر إلى العودة ليلا إلى منزلها في ظل مرورها بشوارع المدينة القديمة الخاوية على عروشها بعد أن هجرها الزبائن والزوار بفعل الاضطرابات الناجمة عن اعتداءات المستوطنين.
وبسؤالها على مقربة من بوابة منزلها عما إذا كان المستوطنون يتجولون في شوارع البلدة القديمة ويشكلون تهديدا حقيقيا لها أشارت بيديها إلى علم إسرائيل وقالت “ها هو العلم.. بجوار بيتي” في إشارة منها إلى حرية الحركة التي يتمتع بها المستوطنون في البلدة القديمة.
– التقسيم نال من كل شيء حتى المسجد الإبراهيمي..
لم تخضع الشوارع والأزقة فحسب للفصل، حتى الحرم الإبراهيمي ناله من التقسيم ما ناله، زمانيا ومكانيا، فمنذ مذبحة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المتطرف باروخ جولدشتاين في عام 1994، وقتله 29 مصليا، وينقسم الحرم إلى جزءين جزء مخصص لصلاة المسلمين والآخر لليهود وتشكل مساحته نحو 60% ولا يسمح للفلسطينيين بدخوله.
وتفرض إسرائيل إغلاقا شاملا على المسجد ومحيطه في الأعياد اليهودية وقد انعكس ذلك سلبا على السياحة الدينية للمسجد بفعل الإجراءات المشددة التي تفرضها إسرائيل على زوار المسجد من المسلمين.

– الخليل توأم القدس
ويقول الصحفي الفلسطيني جهاد القواسمي، وهو أحد سكان الخليل وأبرز المتخصصين في شأنها، إن القدس والخليل مدينتان تعيشان نفس الظروف السياسية وهو سيطرة الاحتلال الكاملة على البلدتين القديمتين فيهما، ونشر بؤر استيطانية وسط السكان الفلسطينيين، وانتشار الحواجز العسكرية ونقاط الجيش، والتضييق على المواطنين الفلسطينيين، مقابل توفير سبل الراحة والحركة للمستوطنين.
وأضاف أن 70 % من سكان القدس من عشائر الخليل، وهذا إضافة إلى العامل الديني فالقدس تحتضن الحرم القدسي بينما تحتضن الخليل الحرم الإبراهيمي ولذلك هما توأم “سيامي” لا يمكن فصله ومن هذا المنطلق يأخذ الاحتلال الخليل كحقل تجارب لما سيحصل في القدس والمسجد الأقصى مستقبلا.
وقال إن الاحتلال خلق جيبا استيطانيا يهوديا خالصا في هذه المدينة حيث ربط بؤره الاستيطانية في قلب المدينة ابتداء من البؤرة الاستيطانية في “تل رميدة” الأثري والمسماة “رامات يشاي” ثم بؤرة “بيت هداسا” مرورا بمدرسة أسامة بن منفذ التي حولها المستوطنون إلى “بيت رومانوا” إلى الحسبة القديمة حيث سمى مستوطنة “أبراهام أفينو” ومن ثم الاستراحة في محيط الحرم الإبراهيمي ثم إلى منطقة شرق الخليل حيث مستوطنة “كريات أربع” وبهذا صنع جيبا في المدينة محرم على الفلسطينيين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *