الدكرورى يكتب عن ماذا بعد رمضان؟ ” الجزء الرابع “

الدكرورى يكتب عن ماذا بعد رمضان؟ ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع ماذا بعد رمضان؟ وأن العبادات موزعة على العام كله، فمنها عبادات مستمرة طول العام وطول العمر كالصلاة، ومنها عبادات لها ميقات زمنى كالحج وكذلك الزكاة لها نصاب معين وميقات محدد، ثم تأتى فريضة الصوم كل عام فى شهر رمضان تعقبها مناسك الحج فإذا كانت فريضة الصيام تكسب الإنسان روحانيات معينة فيتصدق ويصل رحمه ويطعم الفقير والمسكين ويخرج زكاة الفطر، فهذه الأعمال ليست مقتصرة على شهر رمضان، وإذا كنا قد نودع رمضان فإن كل العام امتداد لهذا الشهر كالمداومة على قيام الليل وصلة الأرحام وبر الوالدين والإكثار من الصدقات والتطوعات، فإذا أهمل الإنسان بعد رمضان وتراخى وتكاسل فكأنه لم يستفد من عبادته شيئا، فالمطلوب من المسلم بعد رمضان الثبات على ما اكتسبه من الصيام وتطبيقه على العام كله، ولعل من علامات ودلالات القبول للصائم أن يرى أثر نعمة الله عليه فى الاستمرار فى صلة رحمه وبر والديه وكبح جماح غضبه.

وهنا يكون الإنسان قد انتصر على شيطانه وحقق الغاية التى تهدف إليها عبادة الصوم فيحرص على التمسك بمكتسباته ليقاوم بها غواية الشيطان وغواية النفس الأمارة بالسوء، وإن الاستمرار على الطاعات بعد رمضان من علامات قبول الله تعالى للأعمال، وعلى توفيق الله تعالى للعبد، بخلاف من يعبد الله فى رمضان فقط، فإذا ما انتهى رمضان ترك العبادة والطاعة، فهذا على خطر عظيم، ويدل هذا على أنه دخل رمضان بغير نية صادقة، وإنما تعبد لله فيه مجاراة للناس، فيحذر هؤلاء أن تحبط أعمالهم، وليعلموا أن رب رمضان هو رب بقية الشهور، وأنه المستحق للعبادة فى رمضان وغيره، وأن السلف رضى الله عنهم كانوا يستقبلون الشهر قبل قدومه بستة أشهر، وبعد رمضان يدعون الله ستة أشهر أخرى يطلبون من الله تعالى أن يتقبل منهم أعمالهم، وقيامهم، وصيامهم، وزكاتهم التى كانوا يفعلونها فى هذا الشهر المبارك، فهذا عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين وخليفة المسلمين فى زمانه وسيد من سادات التابعين.

خطب الناس فى يوم عيد الفطر، وقال أيها الناس إنكم قد صمتم لله ثلاثين يوما، وقمتم لله ثلاثين ليلة، وها أنتم قد خرجتم الآن لتطلبوا من الله عز وجل أن يتقبل منكم ذلك” وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه “كونوا لقبول العمل أشد حرصا منكم على العمل، أما علمتم أن الله تعالى يقول” إنما يتقبل الله من المتقين” فالسلف رضى الله عنهم بعد عبادتهم كانوا يتوقفون مع أنفسهم ويراجعون أعمالهم، هل هى مخلصة لله عز وجل؟ هل هى مستقيمة على منهاج النبوة؟ فكانوا يربطون ذلك بقبول العمل أو رده، ولذلك كانوا إذا عملوا عملا يخافون بعده، لم يكونوا يفرحون أنهم قد صلوا وصاموا، وإنما كانوا وجلين خائفين أن يرد الله عز وجل عليهم عبادتهم ولذلك عندما قرأت عائشة رضى الله عنها ذات يوم ” والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون” فظنت أن هذا فى باب المعاصى والآثام، فقالت يا رسول الله أهذا الزانى يزني، والسارق يسرق؟ قال لا يا بنت الصديق، إنما هؤلاء أقوام أتوا بصلاة وصيام وزكاة.

ويخافون ألا يتقبل منهم، وعن أنس رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ” قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت ؟ قال” ليس ذلك كراهية الموت، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله بما هو صائر إليه، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه ” قال ” وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر، أو ما يلقى من الشر، فكره لقاء الله فكره الله لقاءه ” وفى قوله تعالى” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم” فقد قال عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما، نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أن المشركين قالوا ربنا الله، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاءنا عند الله، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر ربنا الله وحده لا شريك له.

ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، فاستقام” وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال، قد قال الناس ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها فهو ممن استقام، فيامن رفعت كفيك في رمضان طالبا الهداية، زاعما الرجوع، مدعيا الإقبال، هل صدقت في زعمك، ووفيت مع الله بعد رمضان؟ أم أنك رغت روغان الثعلب فتعاملت مع الله بذمتين، ذمة رمضانية، وذمة غير رمضانية، ولقيت الله بوجهين، وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “شر الناس ذو الوجهين” فكان حالك قريبا من حال المنافقين، فإن الاستقامة هي الحل وهى السبيل، وهذه الاستقامة لا تتأتى بالأماني، وإنما لها شرائط وأسباب ومنها الاستعانة بالله، بأن تعلم أن الذى أقامك لعبادته في رمضان هو الله، وهو وحده القادر على أن يعينك على المداومة والاستمرارية فليست الاستقامة قوة منك ولا قدرة فيك، ولا فتوة في جنابك، وإنما هي محض منة الله وفضله أن يوفق عباده للطاعة ثم يتقبلها منهم.

وهذا الاعتراف منك هو بداية الاستقامة، أما الناظر إلى عمله المحسن الظن بنفسه الذي يظن أن عبادته إنما هي بقدرته وقوته، فهذا يكله الله إلى نفسه، ومن وكله الله لنفسه هلك، ولذلك كان من دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ولا تكلنى إلى نفسي طرفة عين أبدا” رواه أبو داود، وعن الأسود بن هلال أنه قال لأصحابه ما تقولون في هاتين الآيتين “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” وقوله تعالى ” والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم” فقالوا، استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة، فقال أبو بكر الصديق لقد حملتموها على غير المحمل قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره ” ولم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” فقال استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يرغوا روغان الثعالب، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم أخلصوا العمل لله، وقال الإمام علي رضى الله عنه ثم أدوا الفرائض.

وقالت الصحابه والتابعين، أى استقاموا على الطاعة لله، واستقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته، واستقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا، وعملوا على وفاق ما قالوا وأعرضوا عما سوى الله، وزهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية، واستقاموا إسرارا كما استقاموا إقرارا، واستقاموا فعلا كما استقاموا قولا، وقال أنس بن مالك رضى الله عنه لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم “هم أمتي ورب الكعبة” ومعناها هو اعتدلوا على طاعة الله عقدا وقولا وفعلا، وداموا على ذلك، وتتنزل عليهم الملائكة عند الموت إذا قاموا من قبورهم للبعث وهي بشرى تكون لهم من الملائكة في الآخرة، والبشرى في ثلاثة مواطن عند الموت، وفي القبر وعند البعث، وألا تخافوا أى بألا تخافوا فلا تخافوا الموت ولا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول، ولا تخافوا إمامكم، ولا تحزنوا على ذنوبكم، ولا تحزنوا على أولادكم، فإن الله خليفتكم عليهم، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم، ولا تحزنوا على ذنوبكم، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *