الدكرورى يكتب عن وداع رمضان ” الجزء الثامن “

بقلم: محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع وداع رمضان، وقيل أنه خرج الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم، وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له إنه يوم فرح و سرور فيقول صدقتم و لكني عبد أمرني مولاى أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله مني أم لا ؟ وقيل رأى وهب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد فقال إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين، وعن الحسن قال إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وقيل أنه سُجن الإمام البويطى صاحب الشافعي ووُضع الغُلّ في عنقه، والقيد في رجليه، وكان يقول لأموتن في حديدى هذا.

حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديده، وكان البويطي وهو في الحبس يغتسل كل جمعة، ويتطيب، ويغسل ثيابه، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء، فيردّه السجان، فيقول البويطى اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني، وكتب البويطي إلى الذهلى يقول له أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث، لعل الله يُخلصني بدعائهم، فإني في الحديد، وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة، فضجّ الناس بالبكاء والدعاء له، ولقد كان الصوم لك فى رمضان جُنة ووقاية ، وحصنا حصينا من شياطين الإنس والجن، فهل تَأمن على نفسك بقية العام بلا حصن ولا عُدة، فالصوم باقى بقاء العام ، فطب نفسا بمواسم الصيام، وقاوم الشيطان طوال العام, فلو أخلصت النية في ذلك حفظك الله منه, فحكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه ما تصنع بالشيطان إذا سول لق الخطايا ؟ قال أجاهده، قال فإن عاد ؟ قال أجاهده، قال فإن عاد ؟ قال أجاهده، قال هذا يطول أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع ؟

قال أكابده وأرده جهدى، قال هذا يطول عليك، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك، فإن صدقت هذه الرواية لم يكن تاركا الدنيا كسبا، بل قلبا، وفي الإسرائيليات قيل أن رجلا تزوج امرأة من بلدة، وكان بينهما مسيرة شهر، فأرسل إلى غلام له من تلك البلدة ليحملها إليه فسار بها يوما، فلما جنه الليل أتاه الشيطان فقال له إن بينك وبين زوجها مسيرة شهر فلو تمتعت بها ليالي هذا الشهر إلى أن تصل إلى زوجها، فإنها لا تكره ذلك وتثني عليك عند سيدك فتكون أحظى لك عنده، فقام الغلام يصلي فقال يا رب، إن عدوك هذا جاءني فسوّل لي معصيتك، وإنه لا طاقة لي به في مدة شهر وأنا أستعيذك عليه يا رب فأعذني عليه، واكفني مؤونته، فلم تزل نفسه تراوده ليلته أجمع وهو يجاهدها حتى أسحر فشّد على دابة المرأة وحملها وسار بها، قال فرحمه الله تعالى، فطوى له مسيرة شهر فما برق الفجر حتى أشرف على مدينة مولاه، قال وشكر الله تعالى له هربه إليه من معصيته فنبأه، فكان نبيّا من أنبياء بني إسرائيل، فإن كنت قمت رمضان إيمانا واحتسابا.

وها قد انقضى شهر القيام، فلا تقصر عنه سائر العام، فخذ بالجد فيه، فعن سهل بن سعد أإن النبي صلى الله عليه وسلم قال” أتاني جبريل، فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميت أحبب من شئت، فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل عزه استغناؤه عن الناس ” رواه الطبرانى، وتجدر الإشارة إلى أن الخير لا ينحصر في شهر رمضان، بل هو متواصل ومتكرر، فعلى سبيل المثال تتكرر الصلاة في اليوم الواحد خمس مرات، وتتكرر صلاة الجمعة أيضا كل أسبوع، والتهجد كل ليلة، ويتكرر الدعاء والاستغفار بعد كل صلاة مفروضة، وبذلك فإن مواسم الخيرات والعبادات والطاعات لا تنتهى بعد شهر رمضان، ومن أعظم مواسم الخيرات الحج إلى بيت الله الحرام، فقال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ” من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحافظون على ما قدّموه في رمضان، ويتعاهدون أنفسهم بالاستمرار على العبادات والطاعات.

وتستمر الطاعات والعبادات طوال السنة، ولا تنحصر بشهر رمضان، أو بموسمٍ معين، فيجدر بالمسلم تحقيق المراقبة الذاتية، واستشعار مراقبة الله له، بأن يستشعر أن الله معه، مُطلع على عمله، وأنه حاضر وشاهد لما يفعله فيحرص على طاعته، وطلب مرضاته، سواء بقوله وفعله، وبسره وعلنه، فيقبل على عبادة الله كأنه يراه، ومن الأمور المتطلب الاستمرار عليها بعد رمضان هو استقامة السلوك، فمن تضاعفت جهوده في رمضان، حرى به ألا يتراجع بعد رمضان، فيبتعد عن الذنوب والزلات، ولا يغفل عن الطاعة وفعل الخير، وإن أخطأ أو أذنب عاد واستغفر وأناب، كما يجدر بالمسلم الحرص على أن يُختم أجله بالخير، ومن الأعمال التي يجدر بالمسلم المدوامة عليها تلاوة القرآن الكريم، ومُدارسته بحيث يجعل المسلم وقتا خاصا لذلك من يومه، فلا يهجره، ويستمر أيضا في مواساة الفقراء والضعفاء، وتفقد أحوالهم، وتقديم المساعدات لهم، وكذلك صيام ستة أيام من شهر شوال حيث يُعد الصيام عبادة من العبادات التي لها أثر عظيم.

في تطهير القلوب والنفوس، وتزكيتها مما يُعكر صفوها، وهي تصل بالعبد إلى درجة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى ولذلك فرض الله سبحانه صيام شهر رمضان على كل مسلمٍ، وحث النبى صلى الله عليه وسلم على صيام ستة أيام من شهر شوال لما يترتب على ذلك من فضل وأهمية زيادة على فضل صيام شهر رمضان، ومن الجدير بالذكر أن شهر شوال شهر قمرى عربى يلى شهر رمضان، أى أنه شهر عيد الفطر، كما أنه أول شهر من أشهر الحج، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن صيام ستة أيام من شهر شوال عبادة مندوبة، وإن إتباع صيام شهر رمضان بصيام ستة أيام يعادل فَضل صيام الدهر، بالنظر إلى أن الحسنة بعشرة أمثالها، وتتم مضاعفتها أضعافا كثيرة، كما أن في ذلك اقتداء بسنة النبى صلى الله عليه وسلم، وتكمن الحكمة من تشريع صيام ستة أيام من شوال في اعتبار منزلتها كمنزلة السنن الرواتب في الصلاة، تجبر الخلل والنقص الذى قد يقع في العبادة، ويتوجب على كل مسلم أفطر في شهر رمضان أن يقضي الأيام.

التى أفطرها إن أفطرها بعذر، وإن تعذر عليه القضاء، فعليه إطعام مسكين عن كل يومٍ أفطره، ولا يتوجب القضاء على الفور بعد نهاية شهر رمضان، وهنا يكون السؤال ماذا بعد رمضان؟ وماذا سيكون حالك بعد رمضان؟ وما هي العلامات التي تبشرك بأن الله قد قبل طاعتك في رمضان؟ فيقول ابن القيم رحمه الله “فإن الله جعل الإخلاص والمتابعة سببا لقبول الأعمال فإذا فقد لم تقبل الأعمال” ولقد يسر الله لك ما يعينك على الإستمرار بالطاعة، وهو صيام الست من شوال، مع الإهتمام بقضاء الأيام التي فطرت بها أولا، ومما يهون عليك في البدء بالقضاء الحديث القدسي “ما تقرب إليّ عبدى بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه” رواه البخارى، فالله يحب اهتمامك بإتمام فرضك قبل أن تقومي بالتطوع، وقد ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله “أن العلماء نصّوا على أن أجر القيام بالواجب أكبر من أجر القيام بالمستحب، وأن البدء بالواجب أسرع في براءة الذمة” وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” رواه مسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *