اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي صراع الشرق الأوسط فى الفضاء الإفتراضى..

 

كتب /أيمن بحر

ساحة معارك طاحنة!. الحرب الإفتراضية لا تقل ضراوة عن الحرب على أرض الواقع. هذا ما يعكسه الصراع الفلسطينى الإسرائيلى الحالى فى الفضاء الإفتراضى. الصور ومقاطع الفيديو تنقل الأحداث لكن قد يساء استخدامها أيضاً و تأجج الصراع بين الطرفين.

حرب بلا خسائر مادية ولا إصابات لكنها قد تكون أكثر ضراوة وقد يتجاوز تأثيرها تأثير الحرب على أرض الواقع. هذا ما يعكسه الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى الحالى فى الفضاء الإفتراضى. الصور ومقاطع الفيديو وغيرها من المواد الأخرى هى الأسلحة المستخدمة خلال هذه الحرب لكن بعضها قد يساء إستخدامه من أجل تأجيج الصراع القائم بين الطرفين.
منذ بدء موجة العنف الجديدة بين الفلسطينيين وإسرائيل اشتعلت على مواقع التواصل الإجتماعى حرب الكترونية طاحنة. إجتاحت مواقع التواصل الإجتماعى صور ومقاطع فيديو توثق الإشتباكات وصلت الى جميع أنحاء العالم إذ تصدَّر وسم أنقِذواحى الشيخ جراح باللغتين العربية والإنجليزية، قائمة أكثر الوسوم إنتشاراً فى العالم. كما تجاوز الوسم نفسه باللغة الإنجليزية على موقع تويتر حاجز المليونى تغريدة.

حى الشيخ جراح كان نقطة إندلاع شرارة هذا الصراع إذ شهد الحى الواقع فى القدس الشرقية، مواجهات حول قضية ملكية الأرض التى بنيت عليها منازل تعيش فيها عائلات فلسطينية ويطالب بها مستوطنون إسرائيليون.

العديد من المشاهد يجرى تداولها حالياً على مواقع التواصل الإجتماعى لإشتباكات تقع بين الشرطة الإسرائيلية والمحتجين الفلسطينيين. فى مقطع فيديو متداول يظهر رجال الشرطة الإسرائيلية يدفعون متظاهرة فلسطينية على الأرض فى حى الشيخ جراح وصوت آية خلف وهى مدونة فلسطينية فى خلفية الصورة يظهرهها تقول: أنظروا ماذا يفعلون إنهم يضربون النساء. نشرت آية الواقعة فى بث مباشر على حسابها على إنستغرام الذى يتابعه 187 ألف متابعه

تخصّص الإعلامية الفلسطينية منى الكرد حسابها على إنستغرام لنقل الأحداث فى الأراضى الفلسطينية كما ساهمت مؤخراً فى نقل قضية حى الشيخ جراح للعالم. زاد عدد متابعيها من 13 الفاً فقط الى أكثر من 300 الف متابع..

من جهة أخرى شارك صحفى ومصور فلسطينى يدعى علاء شمالى عبر صفحته على موقع التواصل الإجتماعى فيسبوك آثار هذا الصراع على حياته الشخصية وإستقراره، فقد تم تدمر بيته مرتين فى حرب 2014 وفى حرب 2021. والآن أصبح بدون مأوى، كما كتب. كما إنتشرت العديد من الصور والرسومات التى تؤيد القضية الفلسطينية وتذكر بحق الفلسطينين فى العودة.

على الجانب الآخر يتمتع الجيش الإسرائيلى بوجود قوى على الإنترنت فلديه 1.3 مليون متابع على تويتر وأكثر من 70 الف متابع على تيك توك حيث ينشر مقاطع فيديو لقواته أثناء القتال ومشاهد من داخل إسرائيل. تحت هاشتاغ IsraelUnderAttack إنتشرت صور ومقاطع فيديو تظهر إطلاق الصواريخ فوق إسرائيل والدمار الذى خلفته. هذا المقطع الذى نشره الجيش الإسرائيلى على حسابه الرسمى على تويتر والتعليق المرفق: هذا هو الضرر الذى لحق بمنزل إسرائيلى بسبب صاروخ واحد من 2900 صاروخ أطلقت من غزة على إسرائيل. الإسرائيليون يتعرضون للهجوم. سنواصل الدفاع عنهم.

فى تغريدة أخرى متداولة على نطاق واسع من عدد من النشطاء الإسرائيليين والمؤيدين لإسرائيل: يوم السبت هو يوم راحة مقدس، لكن بالنسبة لملايين الإسرائيليين لا راحة فى ظل إطلاق الصواريخ. إضطرت هذه العائلة الى الهرب لإطلاق الصواريخ فى منتصف وجبة السبت. هذا حتى يعرف الناس حقًاً ما يحدث فى إسرائيل.
شارك الناشط الإسرائيلى حنانيا نفتالى، مقطع فيديو عبر حسابه على تويتر، يزعم أنه يظهر سقوط صاروخ حماس على كنيس يهودى فى مدينة عسقلان. وأرفقه بالتعليق التالى :هذه جريمة ضد الإنسانية. كما انتشر مقطع فيديو وصورة يزعم ناشره أنه يظهر جندياً إسرائيلياً، وهو يحمى إمرأة فلسطينية من الحجارة التى القاها المتظاهرون الفلسطينيون. ونشر موقع إسرائيل باللغة العربية الصورة على حسابه على موقع تويتر.
غير أنه يبقى لهذه الحرب الإفتراضية أبعاد معقدة، إذ تعد مواقع التواصل الإجتماعى وسيلة سريعة ومؤثرة وتتجاوز وسائل الاعلام التقليدية فى بث الصور والمعلومات المتعلقة بالأحداث. لكنها فى الوقت ذاته سلاح ذو حدين إذ تتحول أحياناً من نقل الحقيقة الى فضاء

لتأجيج المشاعر ونشر الأخبار الكاذبة. من أبرز الأمثلة على ذلك، وفقًاً لصحيفة نيويورك تايمز ونقلاً عن موقع بى بى سى، مقطع فيديو على تيك توك تم تداوله على نطاق واسع يزعم أنه لفلسطينيين يشيعون جنازة مزيفة. إذ بعد إنطلاق صفارة الإنذار يهرب الأشخاص و الجثة. لكن بعد التحقق منه، نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز وموقع بى بى سى، تبين أن المقطع يعود الى أكثر من عام وهو يظهر فى الحقيقة مجموعة من الشباب فى الأردن كانوا يريدون من خلال تشييعهم هذه الجنازة المزيفة التحايل على القيود الصارمة المفروضة للحد من تفشى فيروس كورونا في البلاد.

مثال آخر إستخدم لتأجيج الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيلين وهو عبارة عن مقطع فيديو مضلل إستخدم لإيهام مستخدمى التواصل الإجتماعى بأن الأقصى يحترق. لكن موقع بى بى سى حقق فى محتوى الفيديو، وثبت أن الفيديو حقيقى لكنه أخذ من زاوية معنية بهدف التضليل. إذ أن شجرة بالقرب من المسجد الأقصى أحترقت، لا المسجد نفسه.

فى وقت سابق عملت إدارة فيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الإجتماعى الأخرى على حذف المحتويات التى تنتهك المعايير الجارى بها العمل وكذا إيقاف حسابات مستخدمين خالفوا شروط النشر فى ظل إنتشار المعلومات المضللة والتهديدات العنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. من جهة أخرى إنتقد ناشطون فلسطينيون وعرب على مواقع التواصل الاجتماعى ما وصفوه بـ التقييد الذي قامت به هذه المواقع لحساباتهم بسبب نشر ومشاركة مقاطع فيديو و صور توثق لأحداث العنف.
إدارة فيسبوك أعلنت أنها ستتابع تواصلها مع مسئولين إسرائيليين وفلسطينيين على حد السواء لبحث خطاب الكراهية والتحريض على العنف على المنصة وفق ما نشره موقع بوليتيكو نقلاً عن الموقع الإلكترونى لصحيفة العرب اللندنية.

هذه الحرب الإفتراضية للصراع فى الشرق الأوسط تطرح إشكاليات قانونية وأخلاقية عبر تأجيج المشاعر والتحريض على الكراهية ومعاداة السامية. خاصة بعد الإحتجاجات المناهضة لإسرائيل والتى سُجلت على إثرها أعمال معادية للسامية وحالات تخريب فى عدة مدن المانية منذ يوم الخميس الماضى. الخبيرة الإعلامية من مؤسسة كونراد أديناور فى برلين دافنيه فولتر علقت على المعلومات المحرضة على العنف والكراهية على مواقع التواصل الإجتماعى فى ظل الصراع الحالى، وقالت فى حوارها مع DW عربية: التضليل الرقمى وكذلك الكراهية والتحريض فى وسائل التواصل الإجتماعى يضعان دولة القانون لدينا على المحك ويجب محاربتهما باستمرار. أشارت الخبيرة الإعلامية الألمانية الى قانون إلزام الشركات بتنقية المحتوى، المعروف فى اللغة الألمانية بإسم
Netzdurchsetzungsgesetz وهو قانون المانى دخل حيز التنفيذ فى يناير/ كانون الثانى عام 2018. ويهدف هذا القانون الى مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت والأخبار الكاذبة. وبموجبه، يُطلب من شبكات التواصل الإجتماعى، مثل فيسبوك وتويتر نشر تقرير مرتين فى السنة باللغة الألمانية عن الشكاوى الواردة وكيفية تعاملها معها.

تعد معاداة السامية جريمة يعاقب عليها القانون فى المانيا ودول أخرى. كما يدعو المسئولون الألمان بشكل متكرر الى تشديد هذه الإجراءات عقب الإحتجاجات التى تنتهك القانون الألمانى. بداية عام 2021 قدمت الحكومة حزمة قوانين ضد الكراهية والتحريض والتى توفر للمتضررين حماية أفضل من خلال عقوبات مشددة و الدعوة الى الإبلاغ عن جرائم الكراهية.
خارج الفضاء الإفتراضى ترى الخبيرة الإعلامية أنه من المهم تقديم آليات وقائية وإستشارية تتصدى للكراهية والأخبار الكاذبة عن طريق تعزيز مهارات وسائل الإعلام فى نقل المعلومات على جميع المستويات سواء فى المدرسة أو تعليم الكبار. كما يمكن لوسائل الإعلام نفسها أيضاً القيام بدور مهم فى هذا الصدد، من خلال التقارير الصحفية المستقلة التى تعتمد على نشر الحقائق بهذه الطريقة يمكن للإعلام على وجه الخصوص أن يساهم فى نشر الوعى السياسى وتأسيس الهوية الثقافية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *