بين الإمامين ابن حزم وابن الجوزى ” طوق الحمامة” و ” ذم الهوى” بقلم الأديب المصرى د. طارق رضوان جمعة

بين الإمامين ابن حزم وابن الجوزى

” طوق الحمامة” و ” ذم الهوى”

بقلم الأديب المصرى

د. طارق رضوان جمعة

تقول الأسطورة اليونانية إن البشر خُلقوا في بداية الزمان بشكل مختلف، حيث كان لكلٍّ منهم أربع أذرع وأربع أرجل ورأس واحد بوجهين. ولما خاف الآلهة من سطوتهم جعلوا زيوس يقسم كل واحد إلى قسمين منفصلين، وحكم على كل نصف بالعيش في شقاء حتى يجد نصفه الآخر، ويُداوي جرح الانقسام. هكذا تُفسِّر الأسطورة سعينا الدائم للبحث عن الحب، وسبب وقوعنا في حب شخص بعينه. فكيف يُفسِّرها العلم؟
الحُب شعورٌ مختلط من السعادة والطمأنينة والأمان، خاصًّة إذا وُجِد عند الشخص الصحيح؛ فالحب الصادق قليل تواجده في وقتنا المادى، وعلى من يجده أن يتمسك به جيّداً. وفي هذه المقالة لن أقول I love you ولكن الأصدق أن أقول فى وصفك واحساسى بك Love is you.
من قال أن عكس الحب الكراهية؟! فالكراهية ليست عقاب رادع للخائن. إنما أرى أن اللامبالاة والتجاهل أفضل عقاب للحبيب الغادر، وهى راحة لنفس الحبيب المهجور والمخدوع. إحساس الكراهية هو في حد ذاته نصر للمخادع الغادر على حساب نفسك، لأنه ببساطة يعنى أنه ما زال يسكن داخل عقلك،فلما؟! فإن الكراهية هو شغف يحظى بالأهمية نفسها التي يحظى بها الحب.
ربّما عجزت روحي أن تراك، لكن لن يعجز قلبي أن يحبّك ويهواك. إن رحلت عنك يوماً وحمحمت راحلتي إيذاناً بالغياب؛ فلملم رفاتي في أقبية الذّاكرة، واصنع لي تابوتاً في خافقيك، وادفنّي في لهيب روحك؛ لأرافقك أينما رحلت، والجأ إليّ إذا ما هبّت عليك رياح غربتك،
وتوسّد كلماتي إذا بعثرك اليتم، وأوغلت روحك في وحشتها، ولملمني دفئاً في مقلتيك؛ إذا ابتردت عليك أرصفة الأوجاع، ومسافات الحنين.
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”؟ ويقول شعرًا: حملت جـبال الحـب فيـك وإنني لأعجز عن حمل القميص وأضعف وما الحب من حسن ولا من سماحة ولكـنه شـيء به النـفس تكـلف
ومن قال بأنّ الحب غير موجود سوى بقصصي وخيالي. أحبك ليس لما أنت عليه، ولكن لما أكون عليه عندما أكون معك. بقدر ما نُحِب؛ نُحَب. سأكتب ولن أكتب سوى عنك، وسأتحدث عن جمال عالمي بك، وعن أحلام سأعيشها معك
الحب يا حبيبتي قصيدةٌ جميلةٌ مكتوبةٌ على القمر، كالرّحيق للزّهرة. الحُب مرسوم على جميعِ أوراقِ الشجر، الحب منقوش على ريشِ العصافير وحبات المطر، فكيف ننكره؟ الحب ليس كلمات تؤخذ من الأغاني، وليس حجارة تستخدم لبناء قصر أوهامي، الحب إحساس بقلب يخاف عليك، يمنحك الابتسامة عندما تقسي الدنيا عليك، نظرة تسكنك في جنة الخيالات المجهولة، الحب إحساس أنّك أهم شخص في حياة حبيبك.
هذا التآلف بين المحبوبين يصنع هذه الدرجة الرائعة من التماثل في الصفات الروحية؛ حتى يحدث المزج التام بينهما؛ فلا تعلم ما هي الصفات الخاصة بهذا أو بذاك وبماذا يتشابه أحدهما بالآخر. بل الأغرب من ذلك أن التشابه بينهما يكون أيضًا في حركة الأعضاء وعاداتها فتجدهما يتشابهان في طريقة السير والأكل والكلام والضحك بل في كل التصرفات والأفعال. ولكن العجب العجاب هو تشابههما في الشكل أيضًا، وتفسير ذلك أن صفات النفس الداخلية للإنسان تنعكس على ملامحه إلى الدرجة التي يبلغ معها الأمر أن تترك آثارها المادية عليها؛ ولذلك فإنه عند حدوث العشق والتآلف والتماثل الداخلي بين روحي العاشقين، فإن هذا التماثل النفسي ينعكس على ملامحهما ويترك آثاره عليهما.
في أحيان كثيرة قد نحب بشكل جنوني، وفجأة تنقلب الأمور رأساً على عقب، ويتحول هذا الحب الكبير إلى نفور وكراهية، ونبدأ في الغالب بلوم أنفسنا ونقسو على قلبنا لكونه أحب شخصاً لا يستحقنا.
ويُعد برج الحوت هو سيد الأبراج عاطفياَ،لأنه هو الملك الحقيقي للعاطفة والرومانسية، فمشاعره تتحكم فى كل شيء فى حياته وعقله ليس سيد قراراته، لذلك من الممكن أن يوقع بنفسه فى مشاكل كبيرة بسبب عاطفته. بينما برج العذراء عقلاني إلى أقصى درجة ممكنة، فحتى أمور الحب يكون لها حسابات بداخله، فيحب الشخص بناءا على أحكام عقله وليس العكس. والعاطفة بالنسبة للسرطان مصطلح ليس له معنى ولا قيمة، فالمشاعر الوحيدة التي يمتلكها مشاعر الحب تجاه نفسه، فهو يحب نفسه فقط والباقيين مجرد أدوات لإسعاده.
وبين الحب والكراهية… شعرة: فعندما نحب بصدق نشيح بنظرنا عن عيوب الآخر ونبذل ما بوسعنا من أجل إنجاح العلاقة، فنقدّم التنازلات والتضحيات بهدف أن نعيش لحظات استثنائية لا تشوبها شائبة، باستثناء جرعة صغيرة من الغيرة التي تعطي رونقاً خاصاً للعلاقة، إلا أن هناك بعض العوامل التي تعكر صفو الحب، كالخيانة وحب التملك وعدم الاعتذار، وتزداد الأمور سوءاً عندما يتشبث كل طرف بموقفه ورأيه، وتتوسع دائرة المشاكل والخلافات فيسود الجفاف وتنقطع العلاقة، سواء بالودّ والاحترام أو بقلوب ملؤها الحقد والكره.
في بعض الأحيان قد تعتقدون أنه لمجرد أن يحبكم الشريك، فإنه سيكون على استعداد لفعل أي شيء من أجلكم، صحيح أنه لا مانع من تغيير بعض الأشياء الصغيرة والعادات البسيطة، إلا أنه عندما تحاولون تغيير أسلوب حياة شريككم بالكامل تبدأ المشاكل في الظهور، وكأنكم تعترفون أنكم في الأساس لا تحبون الشخص الذي هو عليه بل تريدون تغييره تماماً حتى تحبوه، وعليه سيفقد الطرف الآخر هويته ويصبح دمية بين أيديكم.
في الحقيقة، ليس هناك من تعريف دقيق للحب في علم النفس، ولا يتفق جميع علماء النفس على نظرية أن الحب هو عاطفة، إذ يعتبر البعض أنه نوع من “الجنون المؤقت”، جنون لذيذ يسمح للبعض بتجاهل إخفاقات الأشخاص الذين يحبونهم لفترة طويلة ولبعض المحظوظين قد يبقى الارتباط العاطفي عميقاً ويستمرّ
فقد وجد العلماء الذين يدرسون المفهوم الفيزيائي للكراهية أن بعض الدوائر العصبية في الدماغ، المسئولة عن الشعور بالكراهية، هي نفسها التي تنشط أثناء الشعور بالحب. ليس من فرق بين الحب والكراهية، كلاهما عبارة عن نار مشتعلة وارتباط حميم بين قلبين، غير أن سنوات من الحب والعشق والشغف قد تُنسى في لحظة من الكراهية
هناك مفهوم شائع – لا يخلو من غرض عند مروجيه – يربط بين الدين والجهامة، وبين الطاعة لله والحرمان من متطلبات النوازع الإنسانية. وكانت قضية العلاقة بين الرجل والمرأة من المحاور التي تمت على مسرحها معالجة وبناء هذه الصورة القاتمة عن الدين الإسلامي السمح وتعاليمه. وبغير تفريط أو إفراط، وفي مواجهة هذه الصورة القاتمة أُقدم هذا المقال لأكشف من خلاله موقف الإسلام من قضية الحب بين الرجل والمرأة، بل النظريات الفلسفية لأئمة المسلمين في تفسير دوافع الحب.
هذه القضية هي قضية حقيقة موقف الإسلام من الحب العذري العفيف. فهل هذه القضية من المحرمات؟ وهل الإسلام – كدين يراعي الفطرة – قد قام بمصادرة المشاعر المنزهة عن الأغراض الحسية المادية الدنيئة غير المقيدة بضوابط الشرع الحنيف؟ وهل حقًا أنه أهملها ولم يولها اهتمامه، أم أنه اعتبرها ورعاها وهذبها، حتى تصير دافعًا للإنسان قُدُمًا، لا مؤخرة إياه إذا ما استعصت في استفحالها على الضبط، وتمادت في تجليها لحد الفجور؟
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: “يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين غير النكاح” (قال الألباني: الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، صحيح السلسلة الصحيحة، 624، صحيح ابن ماجه 1497(
ويروي ابن حزم في طوق الحمامة أنه قد جاء من فتيا ابن عباس في العشق ما لا يُحتاج معه إلى غيره حين يقول: هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود. الأحكام العامة المأخوذة من النصوص: إن الحب شيء لا يُملك، وإنما هو أمر بيد الله، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يحاسبنا الله على أمر يملكه هو ولا نملكه نحن؟! وورد لفظ الحب كثيرًا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في مناسبات مختلفة: أي إنه لم يكن شيئًا يعاب الحديث عنه. إن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب السيدة عائشة حبًا مختلفًا عن باقي أزواجه من أمهات المؤمنين وأخبر عن ذلك أنه شيء يملكه الله ولا يملكه هو صلى الله عليه وسلم. إذن فالحب في ذاته ليس حرامًا ولا عيبًا ولا مرضًا ولا ضعفًا من وجهة نظر الإسلام؛ لأنه لا يجوز أي شيء من ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم. إن الرسول صلى الله عليه وسلم وجه أصحابه عند انتوائهم خطبة إحدى النساء أن ينظروا إليها، وأن المقصود بذلك النظر المتتابع؛ حتى ولو كانت لا تعلم ذلك، فكان من الصحابة من يطاردها (أي من ينوي خطبتها) طردًا شديدًا، وكان هناك من يختبئ لها وراء شجرة. ومما لا شك فيه أن ذلك النظر المتتابع قد يؤدي إلى الحب من الطرف الناظر، وقد لا تتم الخطبة لظروف ما غالبًا ما تكون رفض أهل الطرف الآخر. وربما تتم الخطبة فتدعم الحب لدى الطرف الناظر. وهناك فروض أخرى لا داعي للاستطراد فيها تؤدي إلى ألا يتم الزواج وينقض الموضوع كله. فهل في هذه الحالة يكون شعور الطرف الأول بالحب، وهو أمر لا يملكه، حرامًا مهما كان مصير الطرف الآخر؟ لا يمكن أن يجيب عاقل عن ذلك إلا بالنفي؛ لأن الله لا يحاسبنا على ما لا نملك. حديث مغيث وبريرة يحسم أمورًا كثيرة.
يقول الإمام ابن حزم: أن النفس تتعلق بمن يشبهها من صفات روحية وحب للجمال الداخلي ، فان لم تجد تجاوزت ذلك للتعلق والاشتهاء الجنسي. وكلما اقترب التماثل تحقق السكن، فإذا تحقق التآلف والسكن تقاربت صفات المحبوبين.
وقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة كانت تدخل على قريش فتضحكهم، فقدمت المدينة فنزلت على امرأة تضحك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على من نزلت فلانة، فقالت: على فلانة المضحكة، فقال: “الأرواح جنود مجندة.. ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”، وأصل الحديث في الصحيح. وأنت إذا تأملت الوجود لا تكاد تجد اثنين يتحابان إلا بينهما مشاكلة أو اتفاق في فعل أو حال أو مقصد. فإذا اختلفت المقاصد والأوصاف والأفعال والطرائق لم يكن هناك إلا النُفرة والبعد بين القلوب
ويذكر دوستويفسكي وهو واحد من أهم الروائيين في تاريخ الإنسانية، وكازانوفا وهو واحد من أكثر الناس خبرة بالنساء أنه لا توجد امرأة في الوجود تستطيع أن تقاوم رجلاً يديم النظر إليها. فالناتج عن كون أن النفس الواحدة قد تكون محبوبة من أكثر من نفس بينما هي تحب من بينها إلا نفسًا واحدة أن هناك من يحب ولا يُحب في نفس الوقت. والمحبوب بدوره يحب إما نفسًا تماثله في القوة، وإما نفسًا أقوى منها.
ونحن لا نتفق مع الذين ذهبوا إلى اتهام الإمام ابن حزم بانتهاك أحكام الدين بسبب ما أورده عن أفعال العشاق في كتابه طوق الحمامة؛ لأنه كما نعلم من قواعد الدين أن ناقل الكفر ليس بكافر. والإمام ابن حزم كتب هذا الكتاب بروح المفكر والأديب، كما كتبه بروح الفقه. والصفتان الأوليان تقتضيان عليه استقصاء الأمور في كل ما يتعلق بالعشق، أو ما يشتبه به من أمور أخرى، سواء كان هذا عفافًا أم فجورًا أم ضلالاً، وهذا ما فعله الإمام ابن حزم دون أن يعني ذلك موافقته على الأمور الخارجة عن أحكام الدين فيما ذكره، وإن كنا نذهب إلى أن روح التسامح بوجه عام كانت غالبة على الإمام ابن حزم في نظرته إلى الأحكام المتعلقة بالعشق، ونستشف ذلك بوجه خاص في موقفه المتشدد من الوشاة. ولكن على التوازي مع ذلك التسامح فقد شدد الإمام ابن حزم على إظهار فضل العفاف والتشنيع من جريمة الزنى، فوازن بذلك بين التسامح مع العشق كحالة خاصة ترتبط أساسًا بالعاطفة القلبية، وبين التشدد على ابتغاء الشهوات والسقوط في الفجور. وها هو الإمام ابن الجوزي يبين موقفه من الحب فيقول في كتابه “ذم الهوى” : “اختلف الناس في العشق هل هو ممدوح أو مذموم؟ فقال قوم هو ممدوح؛ لأنه لا يكون إلا من لطافة الطبع، ورِقَّة عند جامد الطبع حبيسة، ومن لم يجد منه شيئا فذلك من غلظ طبعه. فهو يجلو العقول ويصفي الأذهان ما لم يفرط فإذا أفرط عاد سُمًّا قاتلاً. وقال آخرون بل هو مذموم لأنه يستأثر العاشق ويجعله في مقام المستعبد. قلت وفصل الحكم في هذا الفصل أن نقول: أما المحبة والود والميل إلى الأشياء المستحسنة والملائمة فلا ينعم ولا يدعم ذلك إلا الحبيس من الأشخاص. فأما العشق الذي يزيد على حد الميل والمحبة؛ فيملك العقل، ويصرف صاحبه على غير مقتضى الحكمة فذلك مذموم ويتحاشى من مثله الحكماء.
وختاماَ ، ومن أين تأتي الفراشات التي تُرفرف حولنا عند سماع صوت الحبيب؟ فواحدة من العبارات التي يستخدمها الكثير من الأشخاص حول العالم للتعبير عن الشعور الفوري بالأُلفة أو النفور هي وجود أو غياب “الكيمياء” بينهم وبين الطرف الآخر، ويبدو أن هذا التعبير لا يخلو من الوجاهة العلمية، حيث أثبتت الدراسات الحديثة وجود روابط قوية بين مشاعر الحب الرومانسي وكيمياء الدماغ.
للمفارقة، أظهرت الفحوص أن المناطق نفسها في الدماغ التي يُحفِّزها الإدمان تتعرَّض للدرجة نفسها من التحفيز عندما نعتمد عاطفيا على شركائنا، وهكذا يؤدي غياب المحبوب إلى النتيجة نفسها التي تحدث مع أعراض الانسحاب لدى الأشخاص المدمنين.
وهكذا يجعلنا الحب أشبه بالمدمنين حقيقة لا مجازا، ومن ناحية أخرى نجد أننا نتصرف بغباء أحيانا عند الوقوع في الحب، فتظهر سلوكيات غير معتادة مثل الغيرة، والسلوكيات غير العقلانية، والتقلبات المزاجية. وهذه الأمور أيضا يمكن أن يُفسِّرها العلم، فكما ذكرنا تتعطَّل تلك المناطق في دماغنا التي تُنظِّم التفكير النقدي والوعي الذاتي والسلوك العقلاني، بما في ذلك أجزاء من قشرة الفص الجبهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *