رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يؤكد أن جريمة الزنا من الكبائر
رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يؤكد أن جريمة الزنا من الكبائر
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية إيضاحًا بيِّنًا أن الزنا لا طريق أسوأ من طريقه؛ لكونه تخريبًا في نظام الأسر القويم، بل هو فاحشةٌ وعيب وشنار للشخص وقرابته، كما فيه اختلاط الأنساب، وفساد الأخلاق، وفقدان الغَيرة والعفة والطهر في المجتمع المسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنبٍ بعد الشرك أعظمَ عند الله من نطفةٍ وضَعها رجلٌ في رَحِمٍ لا يحلُّ له))؛ رواه ابن أبي الدنيا.
لذا؛ زجر الله سبحانه عبادَه عن مقاربتِه، والأسباب الموصلة إليه، ودواعيه، فما ظنك بمن يجترئ على الله ليفعلَه؟!
والفتنة إن دخل فيها المسلم سيصعب عليه الخلاص منها؛ لكون الإنسان يُدمِنها كالمخدِّرات.
• ومن الأسباب المُفضِية إلى ذلك الخطرِ العظيم: النظر إلى عَوْرات النساء، وكذلك بالنسبة للنساء النظر إلى عَوْرات الرجال، ولذلك أوصى الله تعالى كلا الجنسينِ بالاجتناب من ذلك؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31] الآيات.
• وإن من الزنا زنا العينينِ بالنظر إلى العَوْرات؛ فعن ابن عباس قال: ما رأيتُ شيئًا أشبه باللمم ممَّا قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظَّه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، وزنا العينين النظرُ، وزنا اللسانِ النطقُ، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرج يُصدِّق ذلك أو يُكذِّبه))؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن بُرَيدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُتبِعِ النظرةَ النظرةَ؛ فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة))؛ رواه أبو داود.
• ومن ذلك النظر إلى الأَمْرد، وكراهية النظر إلى الأحداث؛ فعن بعضِ أصحاب أحمد بن إبراهيم قال: “أتينا معروفًا الكرخي، ومعنا فضل بن أخت أسود بن سالم، وكان غلامًا جميلًا، قال: عدنا إلى معروفٍ مرة أخرى، ولم يكن معنا الغلام، قال: فجاء حتى وقف على باب المسجد، وقال: أليس كانوا يكرهون أن يمشوا مع الغلام الجميل؟!”؛ “اتباع السنن واجتناب البدع (ص: 54)”.
وعن أبي علي الروذباري أنه سمع جنيدًا يقول: جاء رجلٌ إلى أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل ومعه غلام حسنُ الوجه، فقال له: مَن هذا؟ فقال: ابني، فقال أحمد: لا تجِئْ به معك مرة أخرى، فلما قام، قيل له: أيَّد الله الشيخ، إنه رجل مستور، وابنه أفضل منه، فقال أحمد: الذي قصدنا إليه مِن هذا الباب ليس يمنع مِن سترهما، على هذا رأينا أشياخَنا، وبه أخبرونا عن أسلافهم؛ اهـ؛ انظر: “المصدر السابق”.
وعنه قال: قال لي أبو العباس أحمد المؤدب: يا أبا علي، مِن أين أخذ صوفية عصرِنا هذا الأنس بالأحداث؟ فقلت له: يا سيدي، أنت بهم أعرف، وقد تصحبهم السلامة في كثير من الأمور، فقال: هيهات يا أبا علي! قد رأينا مَن كان أقوى إيمانًا منهم إذا رأى الحدث قد أقبلَ، يفرُّ منه كفرارِه مِن الزحف، فإنما ذلك على حسب الأوقات التي تغلب الأحوال على أهلها، فيأخذها على تصرف؛ اهـ؛ انظر: “المصدر السابق”.
• ومن ذلك أن يُفسِد الله قلب الزاني أو اللوطيِّ، ويُضعِف إيمانه حتى يُحبِّب إليه الفسوق والعصيان، أو يحبب إليه الكفر، وهو الأدهى والأمرُّ، والعياذ بالله.
وفي صحيح البخاري أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، فكان كالظُّلَّة، فإذا انقطع رجع إليه الإيمان))؛ رواه أبو داود، والترمذيُّ، والبيهقيُّ، واللفظ لأبي داود.
وكما هو معلوم أن الزنا مِن أكبر الكبائر، بل هو من أعظم الذنوب؛ كما في الصحيح: “قلتُ: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله ندًّا وهو خلقَك))، قال: ثم أي؟ قال: ((أن تزاني حليلة جارك))، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشيةَ أن يطعم معك)).
وفي الحديث: ((ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفةٍ وضعها رجل في رحم لا يحل له))؛ رواه ابن أبي الدنيا.
• أما أضراره ومفاسده في المجتمع المسلم، فكثيرة جدًّا؛ منها:
أولًا: اختلاط الأنساب، ويندرج تحت ذلك ما يلي:
أ- أن يأخذ الإرث مَن لا يستحقُّه.
ب- وأن يجعل الأجنبيَّ مَحْرَمًا لمَن ليس له محرمًا.
ج- وأن ينتسب إلى نسبِه مَن ليس من دمه.
ثانيًا: أن يتقاتل ناسٌ بسبب ذلك الفحش، وقد ينقلب هذا التقاتل إلى حروب وفتنة دامية تدوم بين قبيلتين أو شعبين والعياذ بالله!
ثالثًا: إشاعة الفاحشة والفتنة في المجتمع المسلم، ويندرج تحت ذلك ما يلي:
أ- أن يصعب على الرجل أن يأمَن لأهله ولبناته.
ب- وأن تموتَ الغَيرة في الناس وتكثر بدلها الدِّياثة.
ج- وأن يموت الحياء والتحشُّم والشرف، وتنزل على الناس بدلَ ذلك الوقاحةُ والتسكع في الطرقات والذلة والمهانة.
ثالثًا: أن يضعُفَ الإيمان، وتكثُرَ الفسقة، ويحبب إليهم الفسوق والعصيان.
وقد ينتح من ذلك الكفر البواح، وما بعد الكفر ذنبٌ؛ كما في قصة المؤذِّن الذي افتُتن بامرأةٍ نصرانية، حتى تنصَّر بسبب نظرة واحدة وقعت منه إليها.
رابعًا: سيقع بسبب ذلك عقوبات عظيمة في الدنيا والآخرة:
أما عقوبات الدنيا بالإضافة إلى ما سبق، فمنها: ((وما فشت الفاحشة في قومٍ إلا سلَّط الله عليهم أوباءً لم تكن في أسلافهم))؛ رواه ابن ماجه.
والواقع في هذا العصر غيرُ خافٍ على أحد، ممَّا سلِّط على الزناة؛ كمرض الإيدز الذي ليس له علاج، وكمرض السيدا، ومرض الهربس، وغير ذلك كثير.
أما عقوبات الآخرة، فكما في صحيح البخاري – في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الطويل – قال صلى الله عليه وسلم: ((فانطلَقْنا إلى ثقب مثل التنُّور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارًا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمَدت رجعوا فيها، وفيها رجالٌ ونساء عراة))، ثم قال له الملكان: والذي رأيت في الثقب الزناة.
لذا؛ يجب الحذر من مثل هذه العَلاقات المشبوهة التي لا يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا في ذلك من فتنة توقع على آثام أعظم منها وسخط من الله العظيم، والعياذ بالله، ومهالك في الدنيا والآخرة؛ كما سبق أن بينته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أمة محمد، والله ما مِن أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحِكتُم قليلًا ولبكيتم كثيرًا))؛ متفق عليه.
• ومن تلك الفواحش أخت الزنا وهي اللوطية، وهي فاحشة عظيمة، وفساد في الأخلاق عظيم، وذَهاب الرجولة والشهامة، وما أهلك الله قومًا كما أهلك قوم لوط؛ حيث رفعهم الملك إلى الأعلى، ثم أسقطهم، ثم رجموا عليهم أحجارًا وهم في الهبوط.
ولذلك يرى العلماء أن يعاقب اللوطيُّ الفاعل والمفعول به بأن يلقى مِن جبل شاهق، ثم يرجم عليهم أحجار وهم في الهبوط؛ لأن ذلك منتهى الدناءة والخسَّة.
• أما مجرد التشبُّه بالنساء، فلا يقتل به كما أن التهمة بالزنا لا يُحَدُّ بها إلا أن يراهما أربعة رجال بالغين يرون دخول الذكر في الفرج وحركته.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قتل رجلٍ مخنَّث يتشبَّه بالنساء، فقال: ((إني نُهيت عن قتل المصلِّين))؛ [ذكره أبو داود]؛ من كتاب: فتاوى إمام المتقين؛ لابن القيم رحمه الله.
فما ظنك إذا شاعت تلك الفاحشة العظمى الشنيعة في المجتمعات المسلمة، ويسجَّل ذلك بالفيديو، ويستخدم ذلك بشتى الوسائل المتنوِّعة، ويشتغل فيها القواد، إلى غير ذلك من الأعمال الخبيثة التي لا تخفى، ومع ذلك لا يزال مثل هؤلاء الناس ينتسبون إلى الإسلام، وهو عيب كبير وشنار للإسلام والمسلمين.
والله سبحانه حليم، يُمهِل ولا يُهمِل، ولا شك أن العقاب العامَّ الذي سينتج من ذلك سيكون عظيمًا، إن لم نتدارك أنفسنا بالتوبة إلى الله فورًا، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر، والأخذ على يد الظلم، وأطره على الحق أطرًا، وقد قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25]، فلا يغترَّنَّ المذنبون المجرمون الظالمون بستر الله وحلمه، بل فليستفيدوا مِن هذه الفرصة ليعودوا إلى ربهم، وليسترحموه، فإن بطش الرب لشديد، ((وإن الله ليُملِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِته))، بل وصلت تلك الفاحشة والشذوذ الجنسي إلى داخل الأسر، حتى وجد كثير من الأزواج يطلبون من زوجاتهم تلك الفاحشة، بل إني قرأتُ في بعض الاستشارات المعروضة في الإنترنت أن نساءً يشتكين ذلك الأمر من أزواجهن، خصوصًا أن الذين يطلبون منهن تلك الفاحشة رجالٌ ملتزمون، لكن كما يبدو ليس لهم أخلاق، كما يشتكين لكونهن يتأذَّين منه، ولكونه خلاف ما أعدَّ الله لخلقه.
وما مِن شك أن تلك الفاحشة سينتج منها عقوبة عاجلة أو آجلة، وأنها ستزيل البركة من الأُسَر، وستَذَر ديارهم بلاقِعَ لا عمارةَ فيها ولا خير ولا بركة، فضلًا عن العقوبات العظيمة التي ستنتظرهم في اليوم الآخر، والعياذ بالله.
وقد سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ، فقال: يا رسول الله، الرجل منا يكون في الصلاة، فيكون منه الرويحة، ويكون في الماء قلة، فقال: ((إذا فسا أحدكم فليتوضأ، ولا تأتوا النساء في أعجازِهن، فإن الله لا يستحيي من الحق))؛ [ذكره الترمذي]؛ نقلًا من كتاب فتاوى إمام المتقين لابن القيم رحمه الله.
وإنما سميت الفاحشة فاحشة؛ لمنتهى قبحها وفحشها وعيبها المتراكم، القاضي على عِرض المرء وشرفه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام: 151].
قال أبو جعفر:
“يقول تعالى ذكرُه: ولا تقربوا الظاهرَ مِن الأشياء المحرَّمة عليكم، التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطن منها الذي تأتونه سرًّا في خفاء لا تجاهرون به، فإن كل ذلك حرام.
وقد قيل: إنما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن؛ لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنا بعضًا دون بعض، وليس ما قالوا من ذلك بمدفوعٍ، غير أن دليل الظاهر مِن التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذر بأنه عُنِي به بعض دون جميع، وغيرُ جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن، إلا بحجة يجب التسليم لها.
ذكرُ مَن قال ما ذكرنا مِن قول مَن قال: الآية خاصُّ المعنى:
14140 – حدَّثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدّثنا أسباط، عن السدِّي: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام: 151]، أما “ما ظهر منها”، فزواني الحوانيت، وأما “ما بطن”، فما خفِي.
14141 – حُدِّثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعتُ أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام: 151]، كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنا، ويرون ذلك حلالًا ما كان سرًّا، فحرَّم الله السر منه والعلانية (ما ظهر منها)؛ يعني العلانية، (وما بطن)؛ يعني السر.
14142 – حدثني المثنى قال: حدثنا عبدالله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام: 151]، قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسًا في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرَّم الله الزنا في السر والعلانية.
وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه، ذكر مَن قال ذلك:
14143 – حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام: 151]، سرَّها وعلانيتها.
14144 – حدثني محمد بن عبدالأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، نحوه.
وقال آخرون: “ما ظهر” نكاح الأمهات وحلائل الآباء، “وما بطن” الزنا.
ذكر مَن قال ذلك:
14145 – حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن خصيف، عن مجاهد: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام: 151]، قال: “ما ظهر” جمعٌ بين الأختينِ، وتزويجُ الرجل امرأة أبيه من بعده، “وما بطن” الزنا؛ اهـ، والله أعلم.
• ثم اعلم إذا كان المدعوُّ جاهلًا غافلًا، فلا بد من حواره وتفهيمه قبحَ فعلِه بالحكمة؛ كما فعل مثل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنا فيه أسوة حسنة.
ففي مسند الإمام أحمد عن أبي أُمامة قال: “إن فتًى شابًّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ((ادنُهْ))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: ((أتحبُّه لأمِّك؟))، قال: لا والله، جعلني فداءك، قال: ((ولا الناس يُحبُّونه لأمهاتهم))، قال: ((أفتُحِبُّه لابنتِك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم))، قال: ((أفتُحِبُّه لأختك؟))، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم))، قال: ((أفتحبه لعَمَّتِك؟))، قال: لا والله، جعلني فداءك، قال: ((ولا الناس يُحبُّونه لعماتهم، قال: ((أفتحبه لخالتِك؟))، قال: لا والله، جعلني فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم))، قال: فوضَع يدَه عليه وقال: ((اللهم اغفر ذنبَه، وطهِّر قلبه، وحصِّنْ فرجه))، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء”، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح.
• فعلى العموم وقد علِمنا قبح الزنا وخطورة أمرِه، فعلى المسلمين أن يُسارعوا بالتوبة قبل فوات الأوان، كما يجب عليهم التوجُّه إلى الله بكثرة التضرع والاستغفار، والبكاء إلى الله، والإنابة إليه قبل ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56].
وسيتوب الله على مَن تاب، والله أرحم بعباده من الأم بولدها، وقد شرَّف الله سبحانه وقرَّب المذنِبين المسرِفين لكيلا يقنطوا بقوله: ﴿ يَا عِبَادِيَ ﴾، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، ومما زادني شرفًا وعزًّا، وكدتُ أضعُ أخمصي على الثريَّا: دخولي تحت قوله تعالى: ﴿ يَا عِبَادِيَ ﴾.
• في الحديث أن رجلًا من بني إسرائيل مكث ستين سنةً يتعبَّد الله في مكان خالٍ، ثم نزل في مدينة، فالتقى بامرأةٍ، فبات عندها أسبوعًا يزني بها، ثم أفاق الرجل مِن سباته، فهُرِع إلى الله تائبًا، فولَّى هاربًا حتى لقي اثني عشر رجلًا مساكين، فجاءهم رجلٌ فأعطاهم رغيفًا رغيفًا، وكان الرجل التائب الزائد، فأخذ رغيفًا ليس بحقه، ولَمَّا علِم أن رجلًا من القوم بلا رغيف ردَّ الأمانة إليه، ثم توفاه الله، فوضع ستين سنةً من العبادة في كِفَّة، ووضع زناه في سبعة أيام في كِفَّة، فرجح الزنا بستين سنةً من العبادة، ثم رحِمه الله بأداء الأمانة التي رجعها إلى أصحابها فدخل الجنة.
ما يؤخذ من الحديث:
1- أن الإنسان مهما عظمت عباداته وحسناته، فلا يأمن من الفتن إلا أن يَقِيَه الله برحمته.
2- أن الإنسان مهما عظمت عباداته، فإن الزنا وسائر الكبائر التي تنزل غضب الرب لا تعادلها.
3- أن الأمانة والحفاظ على حقوق الناس تجلب رحمة الله والنجاة من النيران.
4- أن التوبة بعد الذنب قد يقبلها الله إذا شاء، وقد يحاسب الله العبد ويأخذ بالذنب إن لم يُنْجِ الله برحمته أو بتوحيده الخالص.