رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن فقه المواطنة
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فقه المواطنة
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
مما لا شك فيه أن المواطنة مفهوم حديث ظهر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بعد قيام الثورة الفرنسية، ولم يعرفها الغرب ولا العلمانيون من قبل ولم تطبق في بلادهم. والمواطنة على وزن «مفاعلة»، أي تفاعل الإنسان مع الوطن الذي يعيش فيه، بمعنى أن العلاقة بينهما علاقة تفاعلية، فيترتب على الطرفين العديد من الحقوق والواجبات، فعلى المواطن كمال الحب والانتماء والولاء لوطنه، فيحترم هويته ويؤمن بها وينتمي إليها، ويدافع عن ثوابته، كاللغة والتاريخ والأرض والحدود، والقيم والمبادئ والعادات والتقاليد، والشكل والمضمون والآداب العامة، وهذا يمثل «وعاء الهوية». وكما أن للوطن حقوقا على المواطن، فإن للمواطن حقوقا على وطنه ومجتمعه وشعبه وأمته، وهي تتمثل في المساواة بين المواطنين جميعا بغض النظر عن انتمائهم الأيديولوجي والعقائدي والعرقي والمذهبي والطائفي والجغرافي، أي ان الشعب، بجميع طوائفه، كيان واحد مترابط كالجسد الواحد إذا اشتكى منه مواطن تداعى له سائر الشعب بالتكافل والمساندة والتضامن والتعاون والإنقاذ. وإن تعجب فعجب أن كثيرا من الناس يحسبون أن مفهوم «المواطنة» مستوردٌ من الغرب، وكلمة جديدة علينا، نحن المسلمين، ويتشدق بها العلمانيون كأنهم أتوا بلبن العصفور. وحقيقة الأمر الذي لا مراء فيه أن «المواطنة» إسلامية مئة في المئة، وأن الدين الإسلامي له يد السبق التطبيقي والعلمي والتاريخي في إرساء قواعدها. فأخطأ من قال إن «المواطنة علمانية»، وإنه يلزم لتطبيقها التخلي عن المرجعية الإسلامية، فاسألوا الشعوب التي دخلت الإسلام والبلاد التي فتحها المسلمون ينبئوكم بالخبر اليقين. فالإسلام لم يعرف التمييز على أساس الدين، وقصة نصارى نجران عندما وفدوا على النبي ” صلى الله عليه وسلم” معلومة لجميع المسيحيين والمسلمين. وقوله ” صلى الله عليه وسلم” لمعاذ بن جبل “رضي الله عنه” عندما بعثه إلى اليمن: «لا تزعج يهوديا في يهوديته». وهو القائل في حق غير المسلمين: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا». حتى قال الأنبا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية: «إن الأقباط في ظل الشريعة الإسلامية يكونون أسعد حالا وأكثر أمنا. ولقد كانوا كذلك في الماضي حينما كان حكم الشريعة هو السائد؛ نحن نتوق إلى أن نعيش في مصر تحت مظلة: لهم ما لنا وعليهم ما علينا» (جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 6/3/1985م). وقصة الرجل القبطي وابن حاكم مصر وفاتحها ونصرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” له على ابن عمرو بن العاص، وأمره أن يضربه كما ضربه، بل وقال له: إن شئت فاضرب أباه لأن ابنه احتمى في سلطانه واستغل نفوذه. وقصة درع علي بن أبي طالب “رضي الله عنه” واليهودي المشهورة. وقصة عمر ابن عبدالعزيز مع أهل دير إسحاق وحكمه على مسلمة بن عبدالملك – وهو ابن عمه وخال أولاده والقائد المغوار وأحب الناس إلى قلبه – بأن يرد أرض الناعورة (ضيعة قرب حلب) إلى النصارى أهل دير إسحاق. وقصة أحمد بن طولون مع النصراني المصري عندما اشتكى له من أن أحد قادته اغتصب منه مبلغا من المال، فأحضر القائد وابنه وزجره أمام الناس وفي حضرة النصراني، وحكم عليه برد المال في مجلسه هذا، وقال للنصراني إن عاد عُد، أي لو أنه ظلمك أو اعتدى عليك لفظيا أو بدنيا أو ماديا أو معنويا ارجع إلي لأرد لك حقك. فهذا لأعظم دليل على أن المواطنة إسلامية، لا شرقية ولا غربية. فالإسلام جعل الناس في حق الحياة سواء، وكلهم أمام القانون سواء، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح. لم يكن المسلمون يوما مثل الرومان الذين احتكروا الشرف والسيادة لجنسهم فقط، واعتبروا اليهود والنصارى درجة ثالثة، بل كانوا يصبون عليهم كل ألوان العذاب، ويتخذونهم محلا للتسلية والسخرية والاستهزاء، واقرأوا تاريخ الأمم إن كنتم في شك مما نقول. ولم يكونوا كاليهود التلموديين، واقرأوا بروتوكولات صهيون، فستعلمون أنهم كانوا، ولا يزالون، عنصريين مئة في المئة، وجعلوا الله إلها لبني إسرائيل فقط، وأنهم شعب الله المختار، وأن باقي الشعوب خلقوا بغالا ليركبوها {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} (المائدة:18). وصبوا نار اضطهادهم على النصرانية والمسيح ابن مريم وأمه الصديقة والحواريين، أما النصرانية فقد بادلت الآخرين إنكارا بإنكار، واضطهادا باضطهاد؛ فبمجرد أن تخلصوا من الاضطهاد الروماني في مصر، وتدينت الدولة الرومانية بالنصرانية في عهد الإمبراطور قسطنطين صبوا نار اضطهادهم على الفرعونية المصرية، ثم اختلفوا حول طبيعة المسيح، فالطائفة الأرثوذكسية – في وقتها – ترى أن المسيح له طبيعة واحدة أنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى أمه مريم، وهذا ما أكد عليه رب العالمين في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى? مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ? فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ? وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ? انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ? إِنَّمَا اللَّهُ إِلَ?هٌ وَاحِدٌ ? سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ? لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? وَكَفَى? بِاللَّهِ وَكِيلًا} (النساء:171). أما النصرانية الرومانية الكاثوليكية فترى المسيح ذا طبيعتين، إحداهما إنسان، والأخرى إله! فقامت الطائفة الكاثوليكية بصب نار الاضطهاد والانتقام على الطائفة الأرثوذكسية (اليعقوبية)، وفي سنة 284م تولى الإمبراطور دقلديانوس حكم الدولة الرومانية، فطلب من الشعب المصري ترك الديانة المسيحية وعبادة الإمبراطور على الطريقة الفرعونية، وعندما امتنع الشعب المصري عن ذلك قتل منهم أكثر من مليون مسيحي! لذلك، سُمي عصره بعصر الشهداء، حتى قال المؤرخ المصري القبطي ساويرس ابن المقفع: «لو كانت عجائب الدنيا سبعا فإن العجيبة الثامنة هي بقاء المسيحية الأرثوذكسية في مصر؛ لأن دماء الأقباط الأرثوذكس وصلت إلى حد ركب خيول الجنود الرومان» (سير الآباء البطاركة 1/108). وفي سنة 630م أصدر الإمبراطور هرقل قرارا بأن تكون الديانة الوحيدة في الدولة الرومانية هي المسيحية الكاثوليكية، فزاد عناد الشعب المصري في التمسك بالمسيحية الأرثوذكسية؛ فقتل منهم مئة ألف مصري أرثوذكسي بوضعهم فـي الزيـت المغلي، والقتل بالإغراق، والحرق أحياء، والربط في فروع الشجر، وخلع الأظافر، وكشط جلدهم بالمقاشط؛ إنها بحق مجزرة بشرية من المسيحيين الكاثوليك الرومان بحق المسيحيين الأرثوذكس المصريين (حرية العقيدة في الإسلام للدكتور: نبيل لوقا). لقد ظل الميزان الضابط للمواطنة معطلا، والعلاقات بين الأفراد والسلطة متوترة حينا من الدهر في حياة البشرية حتى جاءت الرسالة المحمدية (الدين الإسلامي) فسطعت شمس الحرية، وازورت السلطات الاستبدادية، ورسخت مبادئ المواطنة، وأرسيت قواعدها بنظام يعي جميع أبعادها، ويعلي من قدر المواطنين جميعا، ويخرجها من حيز النظرية إلى مجال التطبيق، فغرسها في بنيان النظام العام للدولة، وأرضع أفراد المجتمع مبادئها، وفطموا على حلاوتها، فأنتجت في النهاية حكاما ومحكومين مؤمنين بها، ويتكاتفون على تطبيقها. إن أول من وضع أسس المواطنة وضوابطها ومعاييرها بلا فخر هو محمد رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” فعندما أسس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة سنة (622م) وضع حجر الزاوية للمواطنة، فكان أول حجر تكريم الإنسان عامة بلا تمييز كما أن الإسلام نهى عن سب أو شتم معبود الآخر، حتى ولو كان وثنا، قال الله تعالى:
{ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ?} (الأنعام: 108). ثم طلب الإسلام من أتباعه أن يبرّوا الآخرين ولو كانوا مشركين أو كافرين أو أهل كتاب أو معاهدين أو ذميين، ويحسنوا إليهم ما دام لم يقاتلوكم في الدين، فقال تعالى: { لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: . والآيات كثيرة، وكذلك الأحاديث النبوية الدالة على «المواطنة»، أي التعايش السلمي مع الآخرين، ولو كانوا مخالفين في الدين. وكان ” صلى الله عليه وسلم” يعود المريض من شعبه ولو كان مخالف الديانة، ويسأل عنه، كما روى أنس “رضي الله عنه” أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي ” صلى الله عليه وسلم” فمرض؛ فأتاه النبي يعوده فقال له أسلم فأسلم (البخاري). لقد جاور النبي ” صلى الله عليه وسلم” اليهود وغيرهم من الوثنيين، وزارهم في مساكنهم، واشترى منهم، وباع لهم، ورهن درعه عندهم في ثلاثين صاعا من شعير، وكان يقبل هديتهم، ويهدي إليهم، وحرّم خيانتهم، وأحل للمسلمين طعام أهل الكتاب والزواج من نسائهم، وسوى في حرمان الميراث بين المسلم والذمي، ولم يحرم تعليم الذمي على يد مسلم والعكس صحيح، ولم يمنع شعبه (المواطنين الذين يعشون على أرض الإسلام) من الذميين والمعاهدين من التكافل الاجتماعي، وأقر بحقهم في الملكية الخاصة واشتراكهم في الملكية العامة، وكان يجادلهم بالتي هي أحسن، ويحكم بالقسط في معاملتهم، ويقضي بينهم وبين المسلمين بالعدل أو مع غيرهم ومع أنفسهم، وكان النبي ” صلى الله عليه وسلم” يعامل الأسرى أفضل معاملة، مع أنهم كفار ومن أعداء الإسلام، لكنهم محبوسون في أرض الإسلام فاعتبرهم من المواطنين، ولهم حقوق وعليهم واجبات، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى? حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } (الإنسان:8).