رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن علاقة الإنسان بالملائكة
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
الملائكة – عليهم سلام الله – مخلوقات نورانية، وهم غيب أطلعنا الله على أخبارهم بالقدر الذي أراده – سبحانه وتعالى – ولا عِلْم لنا بعالَم الملائكة إلا في حدود ما أخبرنا عنهم الله -سبحانه – في قرآنه الكريم، أو من خلال أحاديث رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأيُّ كلام عن الملائكة خارج هذا النطاق نعتبره رجمًا بالغيب.
بدأت علاقة الملائكة بآدم – عليه السلام – قبل خلقه، حينما قال الله – تعالى – للملائكة {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وجاء الرد المبدئي من الملائكة: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30].
ثم حينما أراد الله أن يخلق آدم – عليه السلام – من تراب الأرض، أرسل ملكًا ليقبض قبضة من التراب، ثم خلق سيدنا آدم، وظلَّ بين الماء والطين حينًا من الدهر، ثم أوحى الله – سبحانه – إلى الملائكة: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].
ولأن الملائكة لا يَعصُون أمر الله؛ سجدوا بمجرد صدور الأمر الإلهي؛ تعظيمًا لأمر الله – سبحانه – ولنا أن نقول: وتوطيدًا لصلات طيبة مع بني آدم مستقبلاً – بإذن الله.
وقد رُوي أنه عندما نفخ الله – سبحانه – الروحَ في سيدنا آدم – عليه السلام – عطس آدم وقال: “الحمد لله”، فقالت له الملائكة: “يرحمك الله”.
وهكذا سطرت أول صفحة في علاقة مباشرة بين الإنسان والملائكة بأحرفٍ من نور، وهي صفحة مشرقة مضيئة، وليس من الأدب ولا بأدنى درجات الوفاء والحفاظ على الود، أن نَغفُل عنها، خصوصًا أن الإعراض عن هذه العلاقة الطيبة إلى ما دون ذلك معناه أن نجري وراء الطرف الآخر في الاتجاه المضاد، ونسير مطموسي البصائر خلف دليلٍ خائن، أظهر حقده وعداوته من البداية عَلنًا ودون حياء، حينما رفض الامتثال لأمر الله – تعالى – والسجود لسيدنا آدم – عليه السلام.
ولم يكتفِ بذلك؛ بل بادر بإعلان الحرب الشعواء على سيدنا آدم، ولم يبرح حتى أخرجه من الجنة، ثم ناصب العداء لبني آدمَ، وأقسم بعزِّة الله ليضلنَّهم أجمعين.
وبعد أن نزل الإنسان إلى الأرض لعمارتها، جعل الله – سبحانه – من الملائكة رُسُلاً إلى بني آدم؛ لحمايتهم من ذلك الذي يجري منهم مجرى الدم في العروق، فكانت الكتب السماوية التي جاءت إلى الأنبياء والمرسلين، من أول صحف إبراهيم إلى ختام الرسالات بالقرآن الخالد، تأتي كلها من عند الله إلى الأنبياء عن طريق الملائكة.
وعاش الإنسان يتأرجح بين الهدى والضلال؛ تارةً يأخذ زمام الأمور بيده، وتارةً تستهويه الشياطين في الأرض حيرانَ، وكلما أغلق الإنسان بابًا من أبواب الضلال، أتاه الشيطان من باب آخر، وفي كلِّ مرة يدخل عليه من باب جديد، وبأسلوب خفي، ولا يفطن إليه إلا العارفون.
ثم لجأ الإنسان إلى استلهام كلِّ معارفه من السماء، فجاءتْه الشياطين من نفس الاتجاه تقريبًا، وبدؤوا ممارسة لعبة التضليل على بني آدم بأن يشوِّهوا لهم الحقائق في دينهم ومعتقداتهم، ووصل الأمر إلى أن استرَقَ الشياطينُ السمعَ في السماء الدنيا، ويوحون إلى أوليائهم زخرفَ القول، فكانت النجدة من عند الله – سبحانه وتعالى – للبشر أن جعل حُرَّاسًا على السموات من الملائكة – المسلحة ضمنًا بالشهب – لمنع الشياطين من استراق السمع لتضليل الناس، واعترفت الشياطين بذلك كما جاء في سورة الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8].
ومن قبل ذلك ومن بعده جعل الله – سبحانه – من الملائكة شهودًا على أفعال بني آدم بأن جعل منهم الكرام الكاتبين، كل هذا بإذن الله – تعالى – كما قالت الملائكة فيما ورد في القرآن الكريم: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].
أمَّا بالنسبة للعلاقة المباشرة بينك أنت – أيها القارئ – وبين الملائكة، فإن بدايتها يوم مولدك، ثم هم معك في طفولتك، وتستمرُّ هذه العلاقة في حياتك كلها، وأشد ما تكون هذه العلاقة عند الشدائد، وبالذات يوم وفاتك ويوم بعثك، ثم بعد ذلك عند الحساب، وبعدها إما في الجنة بإذن الله، أو – والعياذ بالله – في النار التي عليها ملائكة غلاظ شِداد.
فلا بدَّ من هذه العلاقة، سواء رضيت أم أبيت، والفرق أنه في حالة رضاك تكون العلاقة خيرًا لك في دنياك وأُخْراك، وفي حالة عدم رضاك تكون العلاقة حُجَّة عليك.
وبعد الولادة مباشرة تبدأ رسالة الوالدين برعاية الوليد في طعامه وشرابه، لا يأكلان حتى يأكل، ولا ينامان حتى ينام؛ لأنه ليس له سن يقطع، ولا يد تبطش، وهذه هي رعاية المادة أو الجسم، فمن يرعى الروح في عالم جديد؟ أو من يستطيع أن يتعامل مع سرٍّ من أسرار الله؟
إنه ملك من قبل الله الرحيم، فقد رُوي أن سيدنا آدم – عليه السلام – ناجى ربَّه – تبارك وتعالى – قائلاً: “يا رب، سلَّطت علينا إبليس ولا نستطيع دفعه إلا بعونك، فقال له – سبحانه وتعالى – وهو اللطيف الخبير: ((يا آدم، كلما ولِد لك ولَد وكَّلتُ به ملكًا يحفظه))؛ أي: يحفظه من عبث الشياطين.
وينمو الوليد على ذلك، إلى أن يصل إلى سن التكليف، فتبدأ علاقة من نوع جديد بينه وبين الملائكة، فيجعل الله عن يمينه ملكًا يدوِّن له حسناته، وعن شماله ملكًا يسجِّل عليه سيئاته، كما يقول – سبحانه وتعالى – في سورة (ق): {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17، 18].
وهذه العلاقة تستمر معك بطول الحياة وعرضها، فإذا ذهبتَ إلى المسجد للصلاة، يقول ملك بجوارك: “اللهم اغفر له، اللهم احفظه”، لا يتركك حتى تنصرف، وإذا أنفقتَ مما آتاك الله شيئًا لوجه الله، يقول ملك من قِبل الله – تعالى -: ((اللهم آتِ منفقًا خلفًا))، وهكذا كلما هممت بطاعة ابتغاءَ وجه الله – تعالى.
وفي نهاية مطافك في الحياة الدنيا، فإن الإنسان إذا احتضر ورقد رقدة الموت، يأتيه ملك الأرزاق، فيقول له: بحثتُ لك عن رزقٍ، فوجدتُك قد وفيت ما كُتب لك من الرزق، فيمسك نهائيًّا عن الطعام، ثم يأتيه ملك المياه، ويقول له: بحثت لك عن قطرة ماء، فوجدتك قد وفيت كلَّ ما كتب لك من الماء، فيمنع عنه الماء، ثم يأتيه ملك الأنفاس، ويقول له: بحثت لك عن نفس تتنفسه، فوجدتك قد وفيت كلَّ ما كتب لك من أنفاس، فيتوقف عن التنفس؛ أي: يتوفَّى، فيقوم ملك الموت بنزع الروح، كما قال – تعالى -: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11].
وفي القبر رُوي أن ملكًا من قِبَل الله – تعالى – يأتي إلى الإنسان ويريه مقعده في الجنة أو النار، وذلك في نهاية سؤال القبر.
ويوم البعث ستخرج من قبرك فتجد ملكًا من قِبَل الله يأخذك ويوقفك في المكان الذي يريده الله لك، أو يسوقك إلى موقفك المناسب {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21].
ثم عند الحساب يوم ينفع الصادقين صدقهم، تأتي الملائكة شفعاء – بإذن الله – ولكنَّهم كما قال – تعالى -: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87]، {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26].
وبعد الحساب، إما جنة وإما نار، فبالنسبة لأهل الجنة: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23]، أما أهل النار، فسيجدون التوبيخ اللائق بهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الزمر: 71]، ثم بعد ذلك يتلفتون في النار لعلهم يجدون مخرجًا منها، فينادون على خازن جهنم: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77].
وإذا زعم أحد الجهال أنه بإمكانه الخروج من النار، يقول له الخالق: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6].
كل هذه المساحات الغيبية في كون الله الفسيح، تتحرَّك فيها بقدر علاقتك الطيبة بالله – سبحانه – وبخلق الله.
وقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في نهاية حديث: ((أتاني ربي في أحسن صورة))[1]: ((اللهم إني أسألك حبَّك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرِّب إلى حبك))، وفي حديث آخر: ((إن الله إذا أحب عبدًا، قال لجبريل: إني أحبُّ عبدي فلانًا فأحبَّه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في الملائكة: إن الله أحبَّ عبدَه فلانًا فأحبوه، فتحبه الملائكة، ثم يكون له القبول في أهل الأرض)).
ورُوي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال: “أحبابك ثلاث، وأعداؤك ثلاث؛ أما أحبابك، فهم: حبيبك، وحبيب حبيبك، وعدوُّ عدوك، أما أعداؤك فهم: عدوك، وعدو حبيبك، وحبيب عدوك”.
وعلى هذا التصنيف وأيضًا على ضوء قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما))، فقد اتضحت الرؤية تمامًا، وانكشفت الغمَّة، وبان الرشد منه – صلَّى الله عليه وسلَّم – {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3 – 5].
وما دامت الملائكة يحبُّون ابن آدم بسبب حبِّ الله له، فمن الواجب أن يحب الإنسانُ الملائكةَ حبًّا في الله – تبارك وتعالى – ليس فقط لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ ولكن لأنهم أحباب الله وأحباب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وأيضًا أحباب المؤمنين من بني آدم، ويقومون بكل واجبات هذا الحب، والمقومات التي تحافظ على هذا الحبِّ من عبث الأيام، ومن مكايد الشيطان، وبالدعوات التي تشرح صدر هذا الإنسان، وبالنهاية التي تثلج قلب مَن صَمَدَ على الصراط {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7].
وهم قد يقتصرون بصالح دعواتهم وصلواتهم للمؤمنين فقط، ولكن في استغفارهم يستغفرون لكل من في الأرض، فإذا قَبِل الله استغفارَهم في عبدٍ من بني الإنسان وهداه إلى الصراط المستقيم، فيزيدون الدعاء بالمغفرة، وأن يقيهم الله عذاب النار، وأن يدخلهم الجنة هم وآباءهم وأزواجَهم وذريَّاتِهم، ولا ينسون أن يدْعوا الله له بأن يبعده عن السيئات، فيقول – تعالى – مبيِّنًا ذلك: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5].
وهؤلاء الذين آمنوا بالله – سبحانه – وساروا على نهج الله – تعالى – واهتدَوْا إلى الصراط المستقيم، وسلكوا سبيل الرشد؛ أملاً في الاستقامة، فالملائكة لا تبخل عليهم بإذن الله وتوفيقه، فيطمئنونهم ويبشِّرونهم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].
وحينما يصلِّي علينا – سبحانه وتعالى – ليخرجَنا من الظلمات إلى النور، فإن الملائكة لا يتركون هذه الفرصة تمرُّ؛ بل يساهمون في تلك الدعوات والصلوات: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43].
وحينما تهمُّ الفئة الكافرة لمحاربة المؤمنين، لا على دنيا يتقاسمونها؛ ولكن لأن الكفار يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والمؤمنون يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
نجد أن الله – سبحانه – يرسل رسله لنصرة الذين آمنوا، وفي موقعة من إحدى المواقع بين المسلمين والكفار، شاركتْ فيها ألوف الملائكة بجانب أصحاب الحقِّ من بني الإنسان؛ لنصرتهم وإعانتهم على عدوهم {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 124، 125].
وبعد كل هذه المودَّة والمحبة من قِبَل الملائكة تجاه بني آدم عمومًا، والمؤمنين خصوصًا، ولأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ولأنهم جنود الله في هذا الكون، ولأنهم حفظة الإنسان في وسط موبقات الحياة؛ فهم يسخطون كلَّ السخط على من اتَّخذ الشيطانَ وليًّا من دون الله، ومتى حلَّت لعنة الله في فئة، كانت اللعنات من الملائكة متلاحقة عليهم، وفي ذلك يقول – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161].
وعند أحلك اللحظات وأقسى مراحل العمر، وهي مرحلة الانتقال من حياة دنيوية إلى حياة أبدية، نجد أن الملائكة لهم دور بارز في ذلك الموقف العظيم، فينادون الذين سبقتْ لهم الحسنى من الله مبشرين برضوان الله ومذكِّرين بحسن الثواب {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103].
ثم يباركونهم ويهنئونهم بعدما يزفونهم إلى الجنة؛ بما صبروا، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا مما رزقهم الله سرًّا وعلانيةً، حيث لا يكونون وحدهم؛ ولكن {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23، 24].
وفي هذا المشهد العظيم الحمد كله لله – سبحانه وتعالى – ونعم أجر العاملين {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75].
أما موقف من اختار طريقه بعيدًا عن الله – سبحانه وتعالى – فإن له كل الخزي في الحياة الدنيا، فمعيشته ضنك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعندما تأتيه المنيَّةُ يقول: {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10، 11].
ولكن هيهات هيهات لما يقول: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد: 27].
وبعد كل هذا الخزي في الدنيا وعند الممات، سيلاقون مصيرهم في نارٍ وقودُها الناسُ والحجارة {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وعلى ذلك فما أحوجنا إلى أن نتفهَّم قول الله – تعالى – آمرًا رسولَه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
ومَن لَم يسْلك هذا السبيل – حُبَّ الله وحب الرسول – سيأتي يوم القيامة نادمًا، يقول: يا ليتني أطعت الله وأطعت الرسول، ويتحسَّر على ما كان منه في دنياه يوم لا ينفع الندم {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: 27].
ويلْعن رفاق السوء الذين كانوا معه في الضلالة، وقد تجرَّد من أصحابه وإخوانه {يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 28، 29].
أما كيف أن الملائكة أعداء لأعدائنا نحن المسلمين، فيكفينا موقفهم من الشياطين حين بُعث سيدنا محمدٌ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقد قاموا – بأمر من عند الله سبحانه – بسدِّ كلِّ المنافذ على الشياطين؛ حتى لا يستَرِقوا السمع، كما قاموا بحماية الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – في المعارك، وهذا بعض ما جاء في قوله – تعالى – في سورة الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8].
وهكذا نجد الأحباب وأحباب الأحبة، والموضع الصحيح لهذا الحبِّ الذي وهبه لنا – سبحانه وتعالى – {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7].
كل هذا عن الحب وكيف ينبغي أن يكون، ألا هل بلغت؟
ــــــــــــــــ
[1] رواه الترمذي، والمراد: في المنام، كما ذكر ابن عبدالبر في “التمهيد”.
اترك تعليقاً