رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن إسم الله تعالى ( التواب )
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
يقول سبحانه وتعالى في محكم آياته :
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
التوبة 104 ،
وقال سبحانه
(حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )
التوبة 118،
فالتواب اسم من أسماء الله الحسنى ،
والتواب: هو الذي شرع التوبة لعباده ، ويقبل التوبة من عباده التائبين ،
فالتواب في حق الله تعالى:
هو الذي يتوب على عبده، أي يعود عليه بألطافه، ويوفقه إلى التوبة، وييسرها له، ثم يقبلها منه.
فإذا أذنب العبد ذنبا أو وقع في معصية ، ثم ندم على فعله ، وتاب ورجع من ذنبه ، وأقلع عن معصيته ،
فإن الله سبحانه وتعالى يقبل منه توبته ورجوعه إليه
لأنه سبحانه وتعالى هو القائل
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
البقرة 222،
وهو سبحانه (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ)
غافر 3 ،
وهو الذي فتح باب التوبة أمام المذنبين التائبين
فقال تعالى :
(فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
المائدة 39 ،
والتوبة أيضا :
صفة من صفات المؤمنين ،
وهي الرجوع من المخالفة إلى الموافقة ،
ومن المعصية إلى الطاعة ،
وهي الندم على ما وقع من التفريط في حقوق الله وحقوق العباد ،
فالتوبة من العبد إلى ربه :
إنابته إلى طاعته، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان عليها مقيماً مما يكرهه ربه،
فكذلك توبة الله على عبده هو أن يرزقه ذلك، ويؤوب من غضبه عليه إلى الرضا عنه، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه “،
والمتدبر في اسم الله التواب يجده قد جاء بصيغة المبالغة ،
وهذا دليل على أنه سبحانه كثير التوبة ،
فهو يقبل توبة عبده وإن تكررت منه الذنوب ، وتوالت منه المعاصي ،
فالتواب:
هو الذي يقبل التوبة من عباده حالاً بعد حال،
فما من عبد عصاه وبلغ عصيانه مداه ثم رغب في التوبة إليه إلا فتح له أبواب رحمته، وفرح بعودته وتوبته ، ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها،
ففي صحيح مسلم :
(عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». ،
ويؤيد ذلك أيضا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه
(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :
– « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ.
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ.
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ».
قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ « اعْمَلْ مَا شِئْتَ ».
والله سبحانه وتعالى تواب لكثرة من يتوب عليهم من عباده التائبين ،
يقول سبحانه
(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
النور 31،
والتوبة قد تكون من ذنب أو معصية ،
وقد تكون في تقصير في حق من حقوق الله ،
وقد تكون من الغفلة ،
فالعبد المؤمن لا يغفل عن الله ،
وإذا غفل وجب عليه أن يتوب من غفلته ، ويعود إلى معية خالقه ،
إذن ، فكل مكلف مفتقر إلى التوبة ، لأنه لا يخلو من غفلة أو هفوة ،
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم
(ابْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:
– « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّى أَتُوبُ فِى الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ».
وفي صحيح مسلم :
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :
– « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ».
وإذا كان هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فما بالنا نحن وقد ألجمتنا الذنوب ، وأغرقتنا المعاصي ..!!
فمن باب أولى أن نكثر من التوبة والرجوع إلى الله ،
فهو القائل :
(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
الحجرات 11،
والله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة التائبين ،
وندم المفرطين ،
ودموع المقصرين ،
ففي الصحيحين واللفظ لمسلم
– (« لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِى كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ ».
وكما أن الإسلام يجب ما قبله من الذنوب والعاصي ،
فإن التوبة الصادقة أيضا تجب ما قبلها
قال وقوله الحق
(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)
الفرقان 70 ، 71،
فإذا كانت التوبة معناها الرجوع والعودة،
فإن الله تعالى كثير العودة بأصناف الإحسان على عباده،
فهو يوفقهم بعد الخذلان،
ويعطيهم بعد الحرمان،
ويخفف عنهم أنواع الآلاء،
ومن توبته يقابل الدعاء بالعطاء،
والاعتذار بالغفران،
والإنابة بالإجابة،
والتوبة بمحو الحوبة.
والتواب لا يعاملك بالعدل فحسب
بل إن الله يتابع عبده إلى أن يكنفه برحمته،
فهو التواب..
حَمَّلَك الأمانة إذ حملتها وكلّفك بالأمانة، ومنحك عقلاً وسخر لك كوناً وأعطاك اختياراً وأعطاك شهواتٍ وفِطرةً وشرعاً،
ومع ذلك ..
يُتابع أحوالك بالنصح والإرشاد ، والتوجيه ، حتى لا تقع في المهالك
اترك تعليقاً