رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن التمرد أسبابه وعلاجه

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن التمرد أسبابه وعلاجه
بقلم \  المفكر العربي الدكتور خالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثي
مما لاشك فيه أن التمرد مرض خطير وداء وبيل، بالغ في إصابته، سريع العدوى، واسع الانتشار، خطير في تأثيره، ضار أبلغ الضرر في نتائجه، يحتاج إلى صبرٍ طويل لكي يعالج، ويتطلب قوة مجتمعة وجهوداً مضنية وإمكانات كبيرة وقدرات عالية وأساليب علمية رصينة بأشراف وتوجيه علماء من ذوي الخبرة والخلفية العلمية والرصيد الكبير في الفقه والدعوة والتوجيه والإرشاد ولديهم الاطلاع الكامل على المذاهب والأديان والنحل والفرق والعقائد عند مختلف أمم الأرض، ولهم باع طويل بالجدل والمناظرة وأسلوب هادئ بالحوار والدعوة، وقدرة كبيرة على الإقناع، ويتمتعون بانضباط نفسي مطلق، معتمدين على الكتاب والسنة والأساليب العلمية والثقافية الحديثة التي لا تتعارض مع روح الشريعة الإسلامية السمحاء.
لذلك فإن موضوع التمرد كان وما يزال يشغل بال الكثير من العلماء من رجال الدين الإسلامي والمفكرين والمختصين بالشأن الاجتماعي والأخلاقي والنفسي لما له من تأثير بالغ على التغيير الذي يحدث في السلوك الفردي والاجتماعي والأخلاقي وما يحدثه من تأثير في تراث الأمم والشعوب وبالذات شعوب الأمة الإسلامية، لان التمرد فيها ليس تمرداً على مستوى أفراد تأثروا بفكرة غربية أو أعجبوا بسلوك مستورد من مجتمعات لا تمت إلى الضوابط الاجتماعية الأصيلة ولا إلى التقاليد التي ورثناها عن أسلافنا أو على مستوى مجموعة من الأفراد تبنت فكرة أو نظرية فلسفية معينة في ميدان من ميادين الثقافة عقائدية كانت أو اجتماعية أو غيرها من النظريات التي يطرحها مفكرون غير إسلاميين بين الفينة والأخرى. إنما هي أفكار ونظريات وأجندة يُزج بها وعلى الدوام إلى أبناء أمتنا المسلمة. من خلال ضعاف النفوس والجواسيس المرجفين الذين يحاولون أن ينالوا من عظمة صرح الدين الحنيف. وأنى لهم ذلك. كل ذلك من أجل التغيير الفكري والثقافي وهدم التقاليد والقيم النبيلة التي ورثناها عن أجدادنا منذ أمد بعيد قبل الإسلام، وحين ظهر الإسلام على يد النبي العربي الأمي محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – سعى في ترسيخ هذه التقاليد والعادات الاجتماعية النبيلة مثل إكرام الضيف واحترام الجار وإعانة المظلوم ومساعدة المحتاج ونجدة الملهوف إلى غير ذلك من الموروث الأصيل الذي يطول تعداده وذكره. وكذلك أهتم بموضوع بنية الأسرة المسلمة لأنها الوحدة الأساسية في بناء وتكوين المجتمع. وبالمقابل نبذ وحارب كل ما هو سيء ومشين من العادات والسلوكيات البالية التي لا تمت بصلة إلى الإنسانية وروح الإيثار والتسامح والنبل والشهامة والبطولة والإباء. فان النبي صلى الله عليه وسلم نقى وهذب السلوك الاجتماعي من أدران الجاهلية وكل ما هو مستهجن وقبيح قد نما وكبر وتأصل عبر الزمن وأبعد عنه كل ما هو غريب ودخيل من العادات والتقاليد الوافدة إليه من المجتمعات الأخرى والذي ذاب وانصهر عبر التاريخ لينتج لنا نموذجاً هجيناً لكنه راسخ مستحكم ومؤثر في حياة المجتمع وتقاليده. فتم بنعمة من الله ثم بفضل وسداد من هذا النبي انتزاع مثل هذا الموروث الدخيل وغيره من مجتمعات أمتنا وتنقيته وتصفيته. فبذلك شهدت الأمة وعلى يد نبيها الأمين ولادة موروث اجتماعي نقي أصفى من الماء الزلال مبني على أعلى مستويات المبادئ الأخلاقية والسلوكية النبيلة ليُزرع في أجساد ملؤها الغيرة والشهامة والنبل والإيمان والتوحيد والتي أصبحت بين ليلة وضحاها المجتمع المثالي الذي تحسده البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا ومجتمع بناه الرسول الأعظم فوضع لبناته الأساسية بيده الشريفة ورسخ عقيدته وشريعته بفكرٍ نيرٍ مستمد من أنوار العظمة الإلهية. كيف لا وهو القائل: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). فوالله لقد أتمها على أحسن ما يراد وكافح ونافح من أجلها بأعز ما عنده من مال وأهل وبلاد ورسخها فينا على أتم ما يراد لها فمن قصر فيها أو انتقص منها فهو ضال معاند وشاذ عن الجماعة، ومصاب بأمراض منها الكبر والحسد وضعف الإرادة وهزال الشخصية ومرض الجهل المركب بعظمة هذا الدين وما يحمله للعالم من أفكار نيرة وأهداف حضارية كل همها وغاياتها زرع روح الألفة والمحبة والتواصل الإنساني في هذا العالم. لكي تتحقق بذلك السعادة والرخاء للبشرية جمعاء وعلى كافة المستويات والأصعدة الثقافية والعلمية والحضارية. وعلى مستوى راقٍ من الأخلاق والسلوكيات النقية التي تمثل الطهر والعفاف والشرف والروح النبيلة لكي تسمو بالبشر إلى أرقى المستويات وأعلى درجات الرقي ويكون مؤدى الرسالة تاماً غير منقوص.
فسعى أعداء الإسلام إلى استخدام سلاح جديد بعد أن فشلت كل أسلحتهم ودعواتهم المضللة وهجماتهم الهمجية الصفراء. فعمدوا إلى أصحاب النفوس الضعيفة وحملة الأفكار المريضة من المنافقين (مسلمي الهوية فقط) من الرعاع والعلمانيين الأوغاد ومن لف لفهم إلى استخدامهم كجنود مرتزقة وبسلاحهم الجديد إلا وهو سلاح التمرد على الأخلاق والتقاليد والسلوكيات والموروث الاجتماعي النبيل في المجتمع المسلم واستخدامه كمعول هدم في بنية المجتمع الإسلامي المتينة. فالواجب الملقى على عاتق العلماء والمصلحين محاربة مثل هكذا هجمات وبكل الوسائل المتاحة من خلال التثقيف بالكتب والصحف واستخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والانترنيت وفي المساجد والأماكن العامة والتجمعات الاجتماعية المختلفة لفضح هذه المخططات، وكشف هذه المؤامرات، وبيان زيف ما تحمله من أفكار مضللة للناس. وتوعية أبناء المجتمع لمواجهتها ونبذها واستهجانها وعدم الالتفات إليها أو سماعها أو الإنصات إليها ورميها خلف ظهورهم إلى غير رجعة.
معنى التمرد في اللغة:
• والمَرَادَةُ: مَصْدَرُ المَارِدِ. والمَرِيْدُ: من شَيَاطِينِ الإنْسِ. وقد تَمَردَ: اسْتَعْصَى. ومَرَدَ على الشَّر يَمْرُدُ مُرُوْداً: عَتَا وطَغَا.
• والمُرودُ على الشيء: المُرونُ عليه. والمارِدٌ: العاتي. وقد مَرُدَ الرجل بالضم مَرادَةً، فهو مارِدٌ ومَريدٌ. والمِرِّيدُ: الشديد المَرادَة. والمَرِيدُ من شياطين الإنس والجن وقد تمرَّدَ علينا أي عتا واستعصى.
• والمَرِّيد: الخبيث.
• وكذلك المارد والمريد والمُتَمَرِّد: الشرير.
وأما قول الله جل وعز: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ [التوبة: 101].
قال الفراء: يريد مَرَنوا عليه وجَرَنوا كقولك: تمرَّدوا.
وقال ابن الأعرابي: المَرْدُ التَّطاول بالكبر والمعاصي ومنه قوله: ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ : أي تطاولوا.
وهذا قول الصاحب بن عباد والجوهري والأزهري.
قال ابن منظور في لسان العرب:
(مرد) المارِدُ العاتي مَرُدَ على الأَمرِ بالضم يَمْرُدُ مُروُداً ومَرادةً فهو ماردٌ ومَريدٌ وتَمَرَّدَ أَقْبَلَ وعَتا وتأْويلُ المُروُد أَن يبلغ الغاية التي تخرج من جملة ما عليه ذلك الصِّنْف والمِرِّيدُ الشديدُ المَرادةِ مثل الخِمِّير والسِّكِّير وفي حديث العِرْباض وكان صاحبُ خيبر رجُلاً مارِداً مُنْكراً الماردُ من الرجال العاتي الشديد وهذا قول أبن الأثير في النهاية، وأَصله من مَرَدة الجن والشياطين. ومنه حديث رمضان وتُصَفَّدُ فيه مَرَدة الشياطين. ومَرَدَ على الكلام أَي مَرَنَ عليه لا يَعْبَأُ به. قال الله تعالى ومن أَهل المدينة مَرَدُوا على النِّفاقِ قال الفراء يريد مَرَنُوا عليه وجُرِّبُوا كقولك تَمَرَّدُوا. وقال ابن الأَعرابي المَرْدُ: التطاول بالكِبْر والمعاصي ومنه قوله مَرَدُوا على النفاق أَي تَطاوَلوا والمَرادةُ مصدر المارِدِ. وتَمَرَّد أَي عَتَا وطَغَى. والمَرِيدُ الخبيثُ المتمرّد الشِّرِّير. وشيطان مارِد ومَرِيد واحد. قال ابن سيده: والمريد يكون من الجن والإِنس وجميع الحيوان. وجمع المارد مَرَدة.
وقد فسره ابن فارس بأنه التجرد من الخير بناء على ما دل عليه أصل اللغة. قال في مقاييس اللغة:
(مرد) الميم والراء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على تَجريدِ الشَّيء من قِشْرِه أو ما يعلوه من شَعَرِه. والأمرد: الشّابُّ لم تَبدُ لِحيتُه. ومَرِدَ يَمْرَدُ. ومرَّدَ الغُصن تمريداً: ألقى عنه لِحاءه فتركّهُ أمْرَد، ومنه شجرةٌ مَرْداء. والمَرْداء: رملةٌ منبطِحةٌ لا نَبْتَ فيها، والجمع مَرادَى. والمارد: العاتي، وكذا المَرِيد، كأنَّه تجرّد من الخير. أي أنه فسره بما قبله.
وتمرد الغلام مرد وعلى الشيء مرن عليه واعتاده وعلى القوم عصى عنيدا مصرا . ويقال تمرد على الشر: طغى.
(المارد) الطاغية والعملاق. وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾ [الصافات: 7].
التمرد وصفات المتمردين كما وصفها علماء التفسير والفقه:
قال الإمام الطبري: وقوله ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ مرنوا عليه ودَرِبوا به، ومنه: شيطان مارد، ومريد، وهو الخبيث العاتي. ومنه قيل تمرد فلان على ربه، أي عتا، ومرن على معصيته واعتادها. وقال أبن زيد في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ [التوبة: 101]: أي لجوا فيه وأبوا غيرَه.
وقال أبن جزي الكلبي: أي أجترؤا عليه.
وقال الحافظ أبن كثير في تفسيره: ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾: أي مرنوا واستمروا عليه، ومنه يقال شيطان مريد ومارد. ويقال تمرد فلان على الله، أي عتا وتجبر.
وقال القرطبي: ومعنى ﴿ مَرَدُوا ﴾: أقاموا ولم يتوبوا.
وقال الإمام البغوي في تفسيره: يقال تمرد فلان على ربه: أي عتا، ومرد على معصيته: أي مرن وثبت عليها واعتادها. ومنه: المريد والمارد.
وقال الزمخشري في الكشاف: ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾: تمهروا فيه، من مرن فلان عمله، ومرد عليه إذا درب به وضرى، حتى لان عليه ومهر فيه،
وقال ابن عطيه: والظاهر من معنى اللفظ أن التمرد في الشيء أو المرود عليه إنما هو اللجاج والاستهتار به، والعتو على الزاجر وركوب الرأي في ذلك، وهو مستعمل في الشر لا في الخير، ومن ذلك قولهم شيطان مارد ومريد. ومن هذا سميت مراد لأنها تمردت وقال بعض الناس: يقال تمرد الرجل في أمر كذا إذا تجرد له، وهو من قولهم شجرة مرداء إذا لم يكن عليها ورق، ومنه ﴿ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ ﴾ [النمل: 44]، ومنه الأمرد الذي لا لحيةَ له.
فمعنى ﴿ مَرَدُوا ﴾: في هذه الآية لجوا فيه واستهتروا به وعتوا على زاجرهم. انتهى.
أما الإمام الغزالي فقد قال في أحياء علوم الدين: الكبر هو تمرد عن قبول الحق والشكر عليه. فإنه وصف المتكبرين بأنهم متمردين لعدم قبولهم كلمة الحق ونكرانهم شكر المنعم عليه.
وقال عبد القادر عوده في التشريع الجنائي:
وقد أدت طريقة القوانين إلى فساد الأخلاق وشيوع الفوضى، والتحلل من كل القيود، وأوجدت في الجماهير روح التمرد والاستعداد للخروج على قواعد القانون والاستهانة بها. انتهى.
فإنه بذلك أسند روح التمرد وفساد الأخلاق التي تنشأ عند الجماهير إلى القوانين الوضعية، لأنها لا تحقق متطلبات المجتمع ولا تخدم روح العدالة ولا توفر المساواة. علماً أن الكثير من القوانين الوضعية التي تتعارض مع روح الشريعة الإسلامية هي في حد ذاتها تمرد على هذه الشريعة وقيمها النبيلة السامية التي حفظت للبشرية جمعاء حقوقها وكرامتها من الضياع. أما ما يُصاغ ويشرع وفق ما تتطلبه المتغيرات المستجدة في الحياة المعاصرة أو ما يفرضه التقدم التكنولوجي والاكتشافات العلمية الحديثة فذلك لا يُعترض عليه ما دام فيه نفع للإنسانية وخدمة لمجتمعاتها، شرط أن لا يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية وثوابتها.
وقد وصف اليازجي المتمرد وصفاً جميلا واضحاً حيث قال في نجعة الرائد:
وَفُلانٌ لا يَمُضّه عَذْل عَاذِل، وَلا يَعْمَل فِيهِ الْمَلام، وَلا يُحِيك فِيهِ الْعَذْل، وَلا يَرِيعُ لِنُصْحٍ، وَلا يُرْعِي إلى قَوْلِ قَائِلٍ، وَقَدْ مَرَدَ عَلَى الْكَلامِ، وَمَرَنَ عَلَيْهِ وَمَجَنَ عَلَيْهِ، إِذَا اِسْتَمَرَّ فَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِ.انتهى. (أي لم يؤثر في سلوكه ولم يمس أحاسيسه ولم يداعب مشاعره فيغير تصرفاته ويقوم سلوكه ويحسن أخلاقة فيكون عقله قد استنار وسلوكه قد استقام.
وقد وصف ضده حيث قال: وَيُقَالُ اِلْتَامَ الرَّجُل، وَاعْتَذَلَ، وارْعَوَى، إِذَا قَبِلَ اللَّوْم وَأَقْلَعَ عَنْ رَأْيِهِ.
وبناء على ما تقدم يتبين لنا أن التمرد هو الخروج على المفاهيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وخروج على التقاليد والأعراف والموروث الاجتماعي المعروف والمتداول والمقبول ومحاولة طمسها وتغييرها بالكامل، واستبدالها بمفاهيم وتقاليد وأعراف وموروث دخيل، ومبتدعٍ جديد وهجينٍ مستورد.
وان المتمرد يحمل سيء الصفات وأهمها التكبر والتعنت وعدم قبول صحيح الآراء كما ويحمل صفات شيطانية صرفة بتكبره على كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتأوليهما على وجه غير سليم، كما وانه يكون جدلي بطبعه ولا يقبل الحوار والمناقشة ويحاول بكل الطرق والوسائل ان يسفه آراء الآخرين ويقلل من شأنهم وينتقصهم، ويكون له على الأخطاء إصرار عجيب وعناد رهيب واستهتار لا متناهي. كما وانه لا يقبل النصيحة والتوجيه أو الأخذ بيده إلى جادة الصواب، ولا ينفع معه الأشدة العقاب وقوة الردع وصلابة الجانب، كما يجب تفنيد أقواله وفضح معتقداته وتسفيه أفكاره والتحذير منها وكشف ما يلبسه على الناس في مناظرات مفتوحة ليستنير الناس بها ويتصدون له ولأفكاره التي يتبناها وعقيدته التي يحملها.
أسباب التمرد:
ومن أسباب التمرد الابتعاد عن الدين الإسلامي الحنيف وعدم التمسك بمنهج الكتاب والسنة المطهرة، وقلة العلم وسوء الفهم بما ترشدان إليه من تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق، وما يرسخ في النفوس من إيمان بالله سبحانه وتعالى إذا ما سلك الإنسان طريقهما السلوك الصحيح.
كما أن التأثر بعادات وتقاليد الغرب المستوردة عبر الفضائيات الكثيرة وشبكة الانترنيت له آثارُه السلوكيةُ المدمرةُ، ومنها الصد عن سبيل الله، وإضعاف أثر الدين في النفوس، وذلك من خلال البرامج والأفلام التي تحمل في طياتها عقائد مضلة و أفكار هدامة ونقول زائفة، وما تطرحه من سلوكيات منحرفة وشبهات كثيرة تطعن في الدين، وتبث إلى الجهال من الناس من عشاق ما يسمى بالثقافة الغربية وما أكثرهم، والذين لا يعرفون من معاني الإسلام إلا الاسم، ولا من كلمة الإخلاص إلا الرسم. وهي مبرمجة بأسلوب ماكر وتعرض بطرق ووسائل خبيثة مما يكون لها الأثر البالغ في النفوس الضعيفة والعقول الخالية والسلوك اللين. والتي تشبه بالغصن الطري الذي يتمايل مع الريح من أي اتجاه هبت وفي أي وجهة غدت.
ومن آثارها:
التمرد على القيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، والآداب المرعية. التي شرعها الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: شيوع العادات السيئة والسلوكيات المنحرفة كالاستهانة بمحارم الله، وتجاوز الحدود الشرعية والاستخفاف بشعائر الدين.
ومنها: الإعجابُ بالأمم الأخرى الغير مسلمة وتقليدها في عاداتها وسلوكها مثل الملبس، والهيئة، والأفكار والثقافة والمعتقدات، وما إلى ذلك.
معالجة التمرد:
ومن أهم الوسائل التي ندرأ بها مثل هذا التيار التزام منهج الوسطية والاعتدال في طريقة الدعوة إلى الله بأسلوب علمي يحبب الالتزام بالدين وقيمه إلى النفوس بتيسيره على الناس وعدم التشديد فيه، والابتعاد عن الإفراط والتفريط في الدين، وعدم التنفير منه باستخدام أساليب دعوية غير مبنية بنية علمية دقيقة لا توافق منهج الكتاب والسنة النبوية المطهرة. ولا نقصد بالوسطية هنا الجبن والخنوع والتزام الصمت كما يصورها لنا المرجفين خدام أعداء الدين من الجواسيس والمتملقين الأذلاء المتهافتين على بقايا موائدهم أزاء الهجمات الهمجية الشرسة التي يقودها أعداء الإسلام.
لأن اتباع هذا المنهج وفق الأسلوب الصحيح له تأثير عجيب على الأفراد والجماعات وعلاج فعال وناجع في كبح جماح وباء التمرد، ويعتبر من أهم الضمانات لمواجهة هذا الخطر الداهم ومنعه من التمكن والاستفحال في جسد الأمة الإسلامية، وكما هو معلوم فإن الوسطية في الدين والاعتدال في الدعوة إلى الله هي من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية. قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة : 143].
كما وان الوسطية هي صمام الأمان للوقوف بوجه التيارات المضللة والتي بواسطتها ندرأ التمرد والعنف والانحراف عن جادة الصواب. وتفنيد الأفكار الفاسدة الوافدة الداعية إلى التمرد ضد الإسلام والواقع الاجتماعي الذي يعيش في ظله وضد تراثه الخالد. وتسفيه أفكار من يحملها أو يدعو إليها.
وقال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل : 125].
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ادْعُ ﴾ يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته ﴿ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ﴾ يقول: إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾ يقول بوحي الله الذي يوحيه إليك وكتابه الذي ينزله عليك ﴿ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ يقول: وبالعبر الجميلة التي جعلها الله حجة عليهم في كتابه، وذكّرهم بها في تنزيله، كالتي عدّد عليهم في هذه السورة من حججه، وذكّرهم فيها ما ذكرهم من آلائه ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ يقول: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى، ولا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك. انتهى.
قال الحافظ أبن كثير:
يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾: وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة ﴿ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها، ليحذروا بأس الله تعالى.
وقوله: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [العنكبوت: 46] فأمره تعالى بلين الجانب.
قال الإمام البغوي في تفسيره:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف : 108].
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد، ﴿ هَذِه ﴾ الدعوة التي أدعُو إليها والطريقة التي أنا عليها، ﴿ سَبِيلِي ﴾ سُنَّتي ومنهاجي. نظيره قوله:﴿ ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ ﴾ (النحل: 125) أي: إلى دينه. ﴿ أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة ﴾ على يقين. والبصيرة: هي المعرفة التي تُمِّيزُ بها بين الحق والباطل، ﴿ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ أي: ومَنْ آمن بي وصدَّقني أيضا يدعو إلى الله.
وهذه الطريقة التي دلنا عليها الباري جل وعلا في محكم التنزيل هي أسلم الطرق التي نتمكن بواسطتها من صد هجمات دعاة التمرد على قيم الإسلام النبيلة أو النيل منها من قبل أعداء الإسلام جميعاً. لأننا بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل العلمي الذي يحمل الدليل الدامغ المبني على ما ورد من صريح الكتاب والسنة نقطع كل الألسنة التي تتطاول على ديننا الحنيف أو النيل من الرسول الكريم الذي تركنا على المحجة البيضاء، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
العقيدة الإسلامية هي صمام الأمان:
إن العقيدة الإسلامية هي القاعدة الأساسية لبناء النظام الاجتماعي في الإسلام. فالواجب الملقى على عاتق كل إنسان يحمل عقيدة الكتاب والسنة أن يتحمل مسؤوليته من أجل خدمة نفسه وأسرته ومجتمعه في هذه الحياة. لان العقيدة الإسلامية هي المحرك الأساسي لعقل الإنسان، والموجه الحقيقي الذي يقوم أفكاره، وينظم سلوكه وعلاقاته بالآخرين. كما ولا يمكنه الاستغناء عنها في أي أمرٍ من أمور حياته.
فيجب على أفراد مجتمعنا المسلم أن يجعلوا من هذه العقيدة هي المنظم الأساسي لحياتهم وصمام الأمان الذي يضبط لهم كل سلوكهم وتصرفاتهم وعاداتهم وعلاقاتهم. لكي يكونوا أفراد جماعة منظمة وأعضاء مجتمع فاعلين، ملتزمين بقوانينها مجتهدين في ضوئها وعاملين بمقتضاها. فبذلك يكونون مؤهلين لحمل صفة الانتماء إلى مجتمعهم وأمتهم الإسلامية، والتحلي بصفاته الطيبة.
إن تعامل الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع هذا المجتمع وفق أسلوب عقائدي إسلامي جديد من أهم العوامل التي قادت إلى نجاح هذا المجتمع وتكوين بنيته الرصينة. فانه عمل جاهداً على بناء مجتمع يتسع لكل الناس ويستوعب جميع طوائف البشر بغض النظر عن الدين والعرق واللون والطائفة أو القبيلة.
فإنه بحكمته الحقة الرصينة وشخصيته الفذة وعقله النير وعقيدتهِ السليمة السمحاء استطاع أن يرسخ الصفات الحميدة ويعززها في هذا المجتمع وينبذ ويطرح منه كل ما هو سيء ودخيل من أفكار وعقائد الجاهلية البالية المبنية على جملة من الخرافات والأساطير.
أنواع التمرد:
أولًا: التمرد ضد السلطة (الخروج على ولي الأمر):
أو ما يسمى في عصرنا الحاضر بالتمرد السياسي. وهو أخطر أنواع التمرد وأشدها ضرراً على المجتمع لما يجر عليه من ويلات ودمار يعجز اللسان عن وصفه. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة ولي الأمر والانصياع لأوامره.
قال تعالى: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ﴾، قال أبي: هم السلاطين. فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرعية، وأوصى الرعية بالطاعة.
وفي فتح القدير: وأولي الأمر: هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، وأطيعوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني).
وعن أم سلمة – رضي الله عنها – أنَّ رَسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عليكُمْ أُمَرَاءُ، فَتعرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقد بَرِئ، وَمَن أَنْكَرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَنْ رَضي وتَابَعَ)، قالوا: أفَلا نُقَاتِلُهمْ ؟ قال: (لا، مَا صَلُّوا).
أي: مَنْ كَرِهَ بِقَلْبه، وأنكر بقلبه، كذا عند مسلم.
وفي حديث أبي داود: (سَيَكُونُ عليكم أئمَّةٌ تَعرِفُونَ منهم وتُنكِرون… الحديث) وأخرجه الترمذي أيضًا.
(مسلم وأبو داود والترمذي والإمام أحمد والبيهقي).
قال ابن علان في شرح رياض الصالحين:
(قالوا: يا رسول الله إلا نقاتلهم) أي: حينئذٍ (قال لا) أي: لا تقاتلوهم (ما أقاموا فيكم الصلاة) وإنما منع من مقاتلتهم مدة إقامتهم الصلاة التي هي عنوان الإسلام، والفارق بين الكفر والإسلام حذراً من تهيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما يكون أشد نكارة من احتمال نكرهم والمضارة على ما ينكرمنهم. انتهى.
قالوا أفلا نقاتلهم أي حينئذ قال لا أي لا تقاتلوهم ما صلوا إلا ما صلوا تأكيدا وإنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عنوان الإسلام والفارق بين الكفر والإيمان حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك. انتهى.
أنه لا يحق لأحد من الأمة أن يخرج على ولي أمرها لمجرد ظهور معصية أو فسق منه، وليس بأعظم من كبيرة في العقيدة دعا إليها الداعي في أوائل الدولة العباسية، حينما قالوا: بخلق القرآن، وامتحنوا العلماء، وسفكت الدماء، وامتحن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، وثبت على ما أصابه فيها، وبقي على ما يعتقده السلف بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومع ذلك فأهل الخير والصلاح ما قاموا على أولئك أصحاب تلك الدعوة، ولا نقضوا عهدهم، ولكن صبروا وصابروا حتى كشف الله تلك الغمة.
إذاً: الطاعة لولاة الأمر واجبة، ما لم يأمروا بما يعارض الإسلام ويعطل أركانه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلهم السمع والطاعة وعدم الخروج عليهم، ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. انتهى.
يترتب على عصيان ولي الأمر والتمرد عليه أضرار عظيمة، أهمها:
1- التمرد على ولي الأمر يعد معصية لله جل وعلا ومخالفة لأمره سبحانه وتعالى بالطاعة لولي الأمر في غير معصية.
2- التمرد على ولي الأمر فيه تمزيق لوحدة الأمة وتهديد لأمنها واقتصادها. وضياع وحدة الكلمة.
3- التمرد يفتح الباب واسعاً أمام الجواسيس والعملاء من التغلغل والقيام بأعمال التخريب والتدمير والإرجاف والتضليل وسرقة المعلومات ونقلها للأعداء. بسبب تعطيل المؤسسات الأمنية والاستخبارية.
4- التمرد على ولي الأمر يعكر الأمن والاستقرار ويسبب الخوف والقلق لأفراد المجتمع.
5- التمرد على ولي الأمر يفتح الباب واسعا لشتى الجرائم. من انتهاك للحرمات والاعتداء على أرواح الناس وعلى أعراضهم وسرقة أموالهم.
6- التمرد يؤدي إلى غياب سلطة القضاء. وان وجدت فستكون ضعيفة وهزيلة. وفاقدة لمصداقيتها. وغير مستقلة. وغير قادرة على تنفيذ القرارات.
7- التمرد يؤدي إلى ضياع الرقابة العامة وانتشار الفوضى من تضليل وترويج المنكرات على مختلف صنوفها وانتشار التزوير في شتى مفاصل الدولة مما يؤدي إلى تدميرها بالكامل.
8- التمرد يؤدي إلى ضياع الأموال العامة وتخريب مؤسسات الدولة بسبب أعمال السلب والنهب من قبل اللصوص وضعاف النفوس.
9- التمرد يودي إلى تفرق الأمة إلى أحزاب وطوائف متناحرة، ويؤدي بالنتيجة إلى العنف والاقتتال من أجل نيل السلطة والجاه. ونتيجتها دمار وتمزيق المجتمع وتشتيت أبناءه.
ثانياً: التمرد الديني:
هو الخروج على ثوابت الدين العقدية والحدود والأحكام الشرعية، وإهمال محكم التنزيل وإتباع مناهج العقل والتأويل بغير هدى ولا تمسك بالدليل. حجتهم في ذلك هو تحصيل الحقيقة وتفسير النصوص الخفية والدقيقة. وسلكوا في بحثهم مسالك غريبة واتبعوا في الوصول إلى أهدافهم مناهج مريبة مستمدة في أغلب أحوالها من عقائد وأفكار أصحاب المناهج الفلسفية الذين أتعبتهم طرقهم ومسالكهم وأفكارهم عن تحصيل الحقيقة. وأنى لهم ذلك.
ومن أشهر هذه الفرق هم الخوارج، والجهمية، والمعطلة، والمعتزلة. وهذه الفرق تركت محكم التنزيل وآثرت السير خلف منهاج التأويل المنحرف عن ضوابط الأثر والدليل. واختاروا منهاج العقل ورجحوه على صريح النقل وتكلفوا في التحليل والتفصيل إلى ما لا يحتاج إليه البشر وليس فيه كبير نفع أو فائدة. وكل غاياتهم من وراء سلوك هذه المسالك وتبني هذه الأفكار هو تحقيق أهداف أعداء هذا الدين من الشعوبيين واليهود الذين يكنون كرهاً فضيعاً لهذا الدين ولحملة مشاعل عقيدته عقيدة التوحيد المبنية على صريح الكتاب والسنة النبوية التي نقلها وحفظها لنا الجهابذة من العلماء، الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل جمعها وحفظها وتدوينها وفق منهج رائع وفريد تفخر به الأمة على بقية أمم الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ثالثاً: التمرد الاجتماعي:
إن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي ورثناها عن أسلافنا وهي تراث لنا نعتز به وهوية نتميز بها، مثل باقي الأمم العريقة التي تعتز بتراثها وتعتبره ثروة قومية لها ولن تسمح بأن يمس جنابه لأنه عندهم من القدسية بمكان وفي أعلى درجات الرفعة والاعتزاز. كما وانه مظهر من مظاهر الفخر والمباهاة لكل أمة تحترم تراثها وأصالتها، ولا يمكن أن تفرط فيه مهما كانت الأسباب، ومهما أثرت التغيرات والتطورات العلمية والتكنولوجية المعاصرة سلباً كان هذا التغيير أم إيجاباً.
وأنواعه كثيرة ومن الصعوبة إحصائها ومنها التمرد على الوسط الاجتماعي.
من أجل التمّيُز وصرف أنظار الناس نحو ما جاء به ذلك الشخص من عادة أو سلوك جديد حمله معه من الغرب عند سفره أو ذهابه للدراسة هناك. وقد تعلمه بطريقة عفوية أو عن طريق التعليم المبرمج المدروس والمقصود. مثل طريقة الكلام. أو التغيير من طريقة الملبس المعتادة. أو طريقة الأكل بأساليب وأدوات لم يعتادها الناس الذين يعيش معهم ويحتك بهم بحجة ما يسمى ثقافة أو تطور كما يزعم من يأتي بها. أو أن يجعل لطريقة حياته سلوكيات تتنافى وعادات مجتمعه ويقصد من خلالها التميز والترفع على غيره. أو يحاول ان يغير من أساليب العلاقات الاجتماعية مثل احترام الأشخاص المتميزين والقيام لهم والسلام عليهم وتقديمهم في الدخول والخروج والكلام. أو أكرام الضيف أو مساعدة المحتاج أو احترام علاقة الجوار و التزاور بين الجيران وعيادة المرضى أو إتباع الجنائز. إلى غير ذلك مما يطول تعداده. محاولا التقليل من أهمية هذه العادات والسلوكيات وانتقاصها والاستخفاف بها. بحجة المساواة والتطور العلمي الحديث إلى غير ذلك من الحجج الواهية التي لا يقوم معها دليل عقلي أو نقلي. ولا يعضدها عرف أو سلوك اجتماعي معروف.
فعلى العلماء والمثقفين والمصلحين أن يقوموا بدورهم ويتحملوا مسؤوليتهم اتجاه هؤلاء الأشخاص المتمردين على واقعهم الاجتماعي والذين يدعون لأفكارهم التي انتحلوها وطريقتهم التي ابتدعوها لأنهم يتمردون على تراث أمتهم الأصيل الذي هو نتاج أقوام سعوا إلى تنقيته وتهذيبه وفق ما يناسب ثوابت مجتمعنا وعقائد ديننا التي بنيت على أفضل الأسس وأُرسيت لها قواعد عظيمة فمن تلاعب بها فقد خرب الأساس وهدم البنيان .
كما ويجب على ذلك المتمرد أن يعرف إن أخلاقنا وضميرنا وديننا وعاداتنا التي بنيت عبر حقب زمنية موغلة في القدم إنما تعبر عن ضميرنا وضمير من رسمها لنا آخذاً بنظر الاعتبار الجانب الديني وما له من تأثير في نفوس الناس وطبيعة البلدان والأقاليم التي نعيش فيها، مع الأخذ بنظر الاعتبار تنوعها السكاني والجغرافي وما له من تأثير على المجتمع وتأثير المجتمع عليه عبر الحقب التاريخية، وعلاقاتنا مع الأمم الأخرى وما خلقه ذلك التفاعل معها عبر التاريخ. مما صنع لنا هوية اجتماعية وبنية نفسية نتميز بها وسلوكيات ومسارات وعادات نعتز بها، وهذا الاعتزاز ليس عصبية عمياء ولا ثورة هوجاء إنما أفرزتة تجربة أمة أثبتت نجاحها من خلال تفاعلها مع متغيرات الزمن ومن خلال النظرة الثاقبة لمن عاش الأحداث ودرس الوقائع ومحص المعلومات وَنَظّرَ لحياة المجتمع وسلوكياته واختار له الأجدى والأصلح.
وعندما بعث الله سبحانه وتعالى الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – رحمة للعالمين هذب ورسخ هذه القيم النبيلة في النفوس وفق ما نصت أصول الدين به من كتاب وسنة. وبناء على ذلك فعندما زرعت في نفوس وأجساد مجتمعنا أزهرت وأثمرت واستمرت على نتاجها وحافظت على نظارتها وما هرمت وما ماتت بل ازدادت وتوالدت عبر القرون . فمن أراد أن يهذب ويطور بما له مردود حضاري نافع فعال متوازن وفق ضوابط المجتمع الأصيلة لا يخدش ولا يسيء لهذا التراث العظيم ويعود بالنفع على أمتنا والأمم الأخرى فلا بأس بذلك. وأما من أراد أن يغير ويبدل على غير هدى وما يأتي به لا يعود إلا بالضرر علينا وعلى غيرنا فعليه ان يحمل معوله ويذهب بعيداً عن أمتنا وتراثنا الخالد وموروثنا الاجتماعي الأصيل. لأن فهمه للحرية الفكرية قاصر، وان فعله مخالف لإطار وطريقة التغيير المبنية على أسس وقواعد منظمة وبإشراف علماء ومتخصصين في هذا المجال، وتطويره ضار للأمة أفراداً وجماعات لأنه يتعارض مع روح الأفكار والعقائد التي نتبناها وتنظبط من خلالها تصرفاتنا وسلوكنا.
قال الدكتور فهد بن عبد العزيز بن عبد الله السنيدي في (حوار الحضارات):
الأصل في الحرية الاجتماعية قوله تعالى: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ [المائدة: 2].
فكل فعل اجتماعي لا يتعارض مع الشريعة فهو حق من حقوق الإنسان، ويدخل في ذلك السلوك الاجتماعي في طبيعة حفلات الأعراس، واللباس والأكل والشرب، وطرق بناء المنازل والأسواق وغيرها.
لكن الأمر الأهم في الحرية الاجتماعية أنها في الإسلام تقوم على حفظ كيان المجتمع، وتقديم مصلحة الفرد، وتؤصل لمبدأ الأخلاق والقيم، والمحافظة على وحدة بناء الأسرة الصغيرة، والمجتمع الكبير الذي يعيش فيه الإنسان، خلافاً للحرية المزعومة في الفلسفات الوضعية والتي أعطت الفرد مساحة كبيرة يتحرك فيها دون قيود ولا ضوابط، ودون احترام للآخرين أو المجتمع، فهو بداعي الحرية الاجتماعية يمارس كل أمر يراه مناسباً في بيته أمام الناس، ولا يمتنع عن الوقوع في مساوئ الأخلاق بدعوى الحرية الاجتماعية، وهذا هو المزلق الخطير الذي جعل أغلب بلدان الغرب تعيش تفككاً هائلاً ومستوى متدنياً من الأخلاق الاجتماعية بسبب فشو ما يسمونه (الحرية الاجتماعية) ثم إن المسؤولية الاجتماعية التي تحدد ضوابط الحرية الاجتماعية ليست للأفراد فحسب بل هي لوسائل الإعلام التي يجب عليها أن تضبط مفهوم الحرية الاجتماعية، فضلاً عن الأنظمة والقوانين التي تصدرها الدول لحفظ الأخلاق والممارسات العامة. أهـ.
وهذا الذي مر ذكره نستطيع أن نعبر عنه بأنه باب مفتوح لممارسة التمرد بكل أنواعه وصنوفه تحت عنوان (الحرية الاجتماعية).
رابعًا: التمرد الأسري:
من المعروف أن الأسرة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، وأن العلاقة الزوجية مبنية على أساس الحقوق والواجبات من أجل حماية بنيان الأسرة من التهدم وحماية أفرادها من التشتت والضياع، فالأب والأم يتحملان المسؤولية كاملةً في الحفاظ على مقوماتها الأساسية ديمومتها وتفاعلها الايجابي مع التطورات والمتغيرات التي تحدث في المجتمع الذي تعيش فيه.
فواجب الرجل القوامة والحماية وتوفير لقمة العيش، وبالمقابل على الزوجة تدبير شؤون المنزل وتربية الأولاد.
ومن ثم جاء الإسلام فأكد على هذا المبدأ وهذبه ووضع له القواعد الشرعية التي تسيره وفق نظام دقيق، من أجل الحفاظ على نظام الأسرة وسلامتها من التفكك والانحلال.
وفي مطلع القرن العشرين علت أصوات تنفر منها الأسماع وتشمئز منها النفوس تنادي بحرية المرأة وبدعوى نفض غبار التخلف والجهل عنها والتحرر من التقاليد والعادات البالية، إلى غير ذلك من الشعارات البراقة والمقالات الرنانة، التي تنادي من أجل تحررها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات.
وقد وجهوا للإسلام الكثير التهم وافتروا عليه وعلى العلماء الأجلاء شتى الافتراءات ونعتوه بنعوت غريبة عنه وعن أهله ووصفوه بما هو ليس أهله.
كل ذلك من أجل تمرير مخططاتهم الخبيثة وأفكارهم المريضة من أجل تشجيع المرأة بالتمرد على الواقع الاجتماعي الذي تعيش في ظله، وتشجيعها على تغيير عاداته وتقاليده وأعرافه المبنية على أسس شريعة وأخلاقية متينة، باعتبارها قيود رقابية يجب ترفع عنها وتنال حريتها بالتخلص منها.
وما هذه الدعوات إلا مخططات خبيثة من أجل توجيه المرأة نحو التفسخ والانحلال واستعمالها كمعول هدم وتدمير لبنية الأسرة التي هي النواة الأساسية لتكوين المجتمع، وبالتالي تفكك الروابط الاجتماعية الأصيلة التي تقود في نتيجتها إلى ضعف الأمة الإسلامية وانهيارها ووقوعها فريسة سهلة للأعداء.
فيجب علينا جميعاً أن نقف صفاً واحداً بوجه هذه المؤامرات التي تحرض المرأة من أجل التمرد على واقعها الاجتماعي، وتوعيتها بمخاطر هذه التيارات الدخيلة على أمتنا، وتعليم المرأة وتعريفها بواجباتها التي أنيطت بها وحقوقها التي فرضت لها وفق ما ورد في الكتاب والسنة.
كما ويجب توعية المرأة في المجتمع الإسلامي وتحذيرها من مخاطر الجمعيات والمنتديات الثقافية النسوية التي تحمل في طياتها تشجيع المرأة بالتمرد على الطابع الاجتماعي والأخلاقي. كما ويجب على المتخصصين بالشأن الاجتماعي والثقافي متابعة هذا الباب والتنبيه عن أي خرق يحدث فيه ومحاولة أصلاحه بأفضل الوسائل وأحسن الطرق المتاحة. ومن خلال وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية.
الذكر والعبادة والدعوة إلى الله هي علاج الداء:
إن المداومة على الأذكار وتلاوة القرآن وصلاة الجماعة والدعوة إلى الله وفق منهج أهل التوحيد الذي هو كتاب الله جل جلاله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي السلاح النافع والعلاج الناجع لهذا الداء الخطير والمرض المتفشي في صفوف مجتمعاتنا، فالدعوة إلى الإسلام هي نهي عن ضده أي زجر عن الكفر وتقبيح للإلحاد وتسفيه للشرك وتنفير من ملابسة عورة التمرد على الخالق جل جلاله. والخروج على ثوابت هذا الدين العظيم.
وأهم الأمور التي يجب على المسلم تطبيقها والتزامها:
1- التمسك بالكتاب والسنة والمداومة على تلاوة القرآن.
2- المحافظة على صلاة الجمعة وحضور الجماعات.
3- حضور مجالس أهل العلم وملازمة العلماء.
4- استحضار سير العظماء في أمتنا عبر التاريخ. والتعريف ببطولاتهم والأمجاد التي حققوها عبر التاريخ.
5- الابتعاد عن أصدقاء السوء. وعدم مجالستهم في المقاهي. التي تقدم النارجيلة والعاب الورق والشطرنج والطاولة وغيرها. والمطاعم التي تقدم الخمور. مما ينجم عنه سوء تصرف أو التلفظ ببذيء الكلام.
6- عدم ارتياد أماكن الاختلاط مثل الأندية والمسابح والأماكن السياحية والأماكن التي يحتمل أن يحدث بها الفجور.
7- عدم التأثر بشخصيات ومفكري الغرب وبالأفكار الفلسفية المنحرفة والكتابات الفكرية التي يتبنونها. والتي تتعارض مع عقائدنا. مثل كتب دارون وفرويد وكارل ماركس وإنجلز وسارتر وأدلر وغيرهم. لأنها تحمل في طياتها كل ما يدعو إلى التفسخ والانحلال والتمرد على الضوابط الاجتماعية وعلى كل ما يدعو إلى الأخلاق. كما وتدعو إلى التمرد على كل فكر واعتقاد ديني. وإلغاء كل ما يتصل بالاعتقاد بالله وانه رب هذا الكون وخالقه، وإلغاء فكرة وجوده وفكرة الألوهية بالكلية.
8- الابتعاد عن متابعة الفضائيات العربية والغربية والتي تعرض كل ما يدعو إلى الرذيلة والانحلال والفتن والمجون.
• • •
قال ابن القيم في عدة الصابرين محذراً من التمرد والوعيد عليه:
لا يلقى وصاياه إلا الصابرون ولا يفوز بعطاياه إلا الشاكرون ولا يهلك عليه إلا الهالكون ولا يشقى بعذابه إلا المتمردون إن ربنا لغفور شكور.
فإياك أيها المتمرد أن يأخذك على غرة فإنه غيور وإذا أقمت على معصيته وهو يمدك بنعمته فاحذره فإنه لم يهملك لكنه صبور، وبشراك أيها التائب بمغفرته ورحمته أنه غفور شكور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *