رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن أنواع الشركات في الفقه الإسلامي

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن أنواع الشركات في الفقه الإسلامي
بقلم \  المفكر العربي الدكتور خالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
للشركات أنواع مختلفة ،أولاً: شركة المضاربة:
أما من جهة اللغة، فالمضاربة: مصدر ضارب، وذكر في “المغني” في اشتقاقها وجهين، أصحهما: أنها مشتقة من الضرب في الأرض، وهو السفر فيها للتجارة، قال – تعالى -: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [المزمل: 20].
والثاني: من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم، وتسمى: القراض والمقارضة[1].
وفي اشتقاقها قولان:
أحدهما: من القرض: القطع؛ لأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل، واقتطع له قطعة من الربح.
والثاني: من المقارضة: الموازنة، يقال: تقارض الشاعران: إذا وازن كل واحد صاحبه، وها هنا من العامل العمل، ومن الآخر المال، فتوازنا.
أما في الاصطلاح:
فقال الزيلعي من فقهاء الأحناف: هي دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه، ويكون الربح بينهما على ما شرطا، فيكون الربح لرب المال بسبب ماله؛ لأنه نماء ملكه، وللمضارب باعتبار أنه تسبب في وجود الربح[2].
أما عند المالكية، فهو كذلك قريب مما سبق، فقد عرَّفوا المضاربة بأنها: دفع مال لآخر ليتَّجِر فيه على أن يكون الربح مشاعًا بينهما على ما شرطا، والخسارة على صاحب المال وحدَه[3].
• وجاء في الفقه الشافعي أن المضاربة: دفع مال للعامل ليعمل فيه والربح بينهما[4].
• أما الفقه الحنبلي، فيقول الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي في تعريف المضاربة الشرعية: “هي: أن يدفع ماله إلى إنسان ليتَّجِر فيه ويكون الربح بينهما بحسب ما يتَّفِقان”، ثم قال: “يشترط للعامل جزء معلوم من الربح”.
قال الشارح: “فإن شرطا لأحدهما دراهمَ معلومة أو ربحَ أحدِ الثوبين، لم يصحَّ”[5].
وقال ابن قدامة – رحمه الله – في تعريف المضاربة أيضًا: “أن يدفع رجلٌ ماله إلى آخر يتَّجِر له فيه، على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطان”[6].
ثالثًا: ركن المضاربة:
ركن المضاربة هو الإيجاب والقبول عند الأحناف، فلفظ الإيجاب هو “المضاربة والمقارضة ونحوها”.
وألفاظ القبول هي: “أخذت ورضيت”[7].
ويُضاف عند الجمهور لركنِ المضاربة العاقدانِ والمعقود عليه من رأس المال والعمل والربح[8].
شروط المضاربة:
1- أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين.
2- أن يكون معيَّنًا مقبوضًا.
3- أن يُشتَرط للعامل جزءٌ معلوم مشاعٌ من الربح، فإن جعل محددًا معروف القدر، فهي فاسدة؛ أي: المضاربة[9].
وفي هذه الشروط مناقشات وترجيحات لا يتحمل هذا البحث بسطها؛ لأنها ليست من صميمه.
ثانيًا: شركة العِنان:
تعريفها لغة: العنان بكسر العين، وقيل في سبب تسميتها: إنها من عنَّ الشيء يعِنُّ ويعُنُّ – بكسر العين وضمها -: إذا عرض، كأنه عنَّ لهما هذا المال؛ أي: عرض، فاشتركا فيه[10]، والعِنان في اللغة: السَّير الذي يُمسَك به اللجام.
تعريفها اصطلاحًا:
• عرَّف الأحناف شركة العِنان: بأن يشتركَ اثنانِ في مالٍ لهما على أن يتَّجِرا فيه، والربح بينهما[11].
ونجد أيضًا أن هذا المعنى الذي ذكره الأحناف لشركة العنان هو نفس المعنى الذي ذكره أرباب المذاهب الفقهية الأخرى – رحمهم الله – فعرَّف المالكية والشافعية والحنابلة شركة العنان بنفس المعنى السابق[12].
مشروعية شركة العنان:
شركة العنان اتَّفق الفقهاء على جوازِها، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – السابق أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن الله – تعالى – يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُنْ أحدُهما صاحبَه، فإن خان أحدهما صاحبه، خرجت من بينهما))[13].
ثالثًا: شركة الوجوه:
تعريف شركة الوجوه لغة: مستقبل كلِّ شيء، جمعه: أوجه، ويطلق أيضًا على سيد القوم، وجمعه: وجوه، وهو كالوجيه من الوجاهة، وجمعه: وجهاء[14].
تعريفها في الاصطلاح:
• عرَّفها الأحناف بأن يشترك وجيهانِ من الناس، من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما يشتريان بذممهما بالنَّسيئة؛ “أي: بمؤجل”، ويبيعان بالنقد بمالِهما من وجاهة عند الناس[15].
ونجد أيضًا أن المالكية والشافعية والحنابلة يُعرِّفونها بما يطابق هذا المعنى عند الأحناف[16].
مشروعية شركة الوجوه:
ذهب المالكية والشافعية إلى عدم صحة هذا النوع من الشركات، مستدلِّين على ذلك بأمرين:
1- أن الشركة تتعلق بالمال أو العمل، وكلاهما معدوم في شركة الوجوه، فلا تصح.
2- أن فيها غررًا؛ لأن كل شريك يُعاوِض صاحبه بكسب غير محدد بصناعة، أو بعمل مخصوص.
• بينما ذهب الأحناف والحنابلة إلى صحة هذا العقد؛ وذلك لأنها شركة تتضمَّن توكيلَ كلِّ شريك صاحبَه في البيع والشراء، وتوكيل كل واحد منهما صاحبه بالشراء، وعلى أن يكون المشترى بينهما صحيحًا، فكذلك الشركة التي تتضمن ذلك.
ثم أيضًا هذه الشركة مما تعامل بها الناس في سائر الأعصار من غير نكير، وكذلك الأصلُ في المعاملات الحلُّ ما لم يَقُمْ دليلٌ واضح على المنع.
رابعًا: شركة الأبدان:
اتفق أهل المذاهب على معنًى واحدٍ لشركة الأبدان وكيفيتها، فقالوا: “شركة الأبدان أن يشترك اثنانِ على أن يتقبَّلا في ذممِهما عملاً من الأعمال، ويكون الكسب بينهما؛ كالخياطة، والاحتشاش، والصناعة، ونحوها”[17].
مشروعية شركة الأبدان:
شركة الأبدان عند أبي حنيفة ومالك وأحمد جائزةٌ، ودليلهم على ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أشرك بين عمار وسعد وابن مسعود، فجاء سعد بأسيرينِ، ولم يجيئا بشيء[18].
• وأما الشافعي، فذهب إلى عدم صحة هذا النوع من الشركة، وعمدته في ذلك أن الشركة إنما تختصُّ بالأموال لا بالأعمال؛ لأن ذلك لا ينضبط، فهو غَرَر عندهم؛ لأن عمل كل واحد منهما مجهول عند صاحبه، والمنصوص عن أحمد – رحمه الله – صحة شركة الأبدان.
خامسًا: شركة المفاوضة:
تعريف شركة المفاوضة من جهة اللغة:
فوَّض إليه الأمر: ردَّه إليه، والمفاوضة: الاشتراك في كل شيء، ويطلق على المساواة[19].
تعريفها اصطلاحًا:
• عرَّف الأحناف شركة المفاوضة: بأن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يشتركا في عمل، بشرط أن يكونا متساويينِ في رأس مالِهما وتصرفهما ودينهما[20].
• وشركة المفاوضة عند المالكية: أن يُفوِّض كل واحد من الشريكينِ إلى صاحبه التصرُّفَ في ماله مع غَيبته وحضوره في جميع أنواع الممتلكات[21].
• وعرَّفها الشافعية: بأن يعقدا الشركة على أن يشتركا فيما يكسبان بالمال والبدن، وأن يضمن كل واحد منهما ما يجب على الآخر بغصب أو بيع أو ضمان[22].
• وعرَّف الحنابلة شركة المفاوضة: بأن يُفوِّضَ كلٌّ إلى صاحبه شراءً وبيعًا في الذمَّة مضاربة وتوكيلاً ومسافرة بالمال وارتهانًا[23].
مشروعية شركة المفاوضة:
شركة المفاوضة مما اختلفت أنظار العلماء فيها.
فذهب الشافعي – رحمه الله – إلى بطلان هذا العقد، واستدل لهذا الحكم بأن اسم الشركة إنما يُطلَق على اختلاط الأموال، فإن الأرباحَ فروعٌ، ولا يجوز أن تشترك الفروع إلا في اشتراك أصولها، أما إذا اشترط كل واحد منهما ربحًا لصاحبه من ملك نفسه، فهو من الغَرَر ومما لا يجوز[24].
• وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى جواز وصحة مثل هذا النوع من الشركات، واستدلوا لذلك بأن شركة المفاوضة تجمع أنواع الشركات (عنان، وجوه)، فإذا جازت كل واحدة منها منفردة، فتجوز مع اجتماعها، وبأن الناس قد تعاملوا بها من عصور بدون نكير[25].
فهذه أمثلة على الشركات التي يستطيع المسلم استثمار أمواله من خلالها وتنميته، مع الأمن من أن يأتي أيَّ معصية أو مخالفة لأوامر الله، ففيما أحلَّ الله غنًى عمَّا حرَّم.
أردتُ من عرضِها توضيحَ الصورة بشكل عامٍّ؛ ولذلك تركت المباحث الفقهية المطوَّلة، واكتفيت بما يحصل به المقصود إن شاء الله.
رابعًا:
كذلك الزراعة يمكنُ جعلُها وسيلةً للاستثمار، إما عن طريق الصورة المعروفة أن يزرع الإنسان نوعًا معينًا من المحاصيل ثم يبيعها، فيكون نوعًا من استثمار الأرض، أو بأن يدفع الأرض إلى مَن يزرعها ويعمل عليها بجزءٍ مُشاعٍ معلوم ممَّا يخرج منها.
خامسًا:
أن يستثمر المسلم مالَه عن طريق الصيد، سواء في البحر يصيدُ الأسماك ويبيعها، أو في البر يصيدُ مأكول اللحم من الحيوانات ويبيعه.
والمهم أن طرقَ ووسائل الاستثمار في الفقهِ الإسلامي متنوِّعةٌ وكثيرةٌ وواسعة لا يمكن حصرها؛ لأنها تختلف باختلاف أساليب الناس في الاستفادة من العقود الشرعية المباحة.
وهذه المعاملات السابقة تخضعُ لضوابط شرعية عامة، بيانها فيما يلي:
ثانيًا: الطرق والوسائل غير المشروعة للاستثمار (ضوابط الاستثمار):
وفي الحقيقة هذا الموضوع مهم؛ لكونه يضبطُ عامة المعاملات المنهيِّ عنها شرعًا، والتي ينبغي للمسلمِ عند استثماره لأمواله تجنُّبها؛ ابتعادًا عن الإثم، ولكي تحلَّ البركة في أمواله التي عن طريقها سيكون مأكلُه ومشربُه وملبسُه، والتي إذا كانت من الحلال المتقبَّل عند الله، كان ذلك أقرب إلى إجابة دعوته وتقبُّل عمله الصالح، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله – تعالى – طيِّب لا يقبَلُ إلا طيبًا، وإن الله – تعالى – أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجلَ يُطِيل السَّفر أشعثَ أغبر، يمدُّ يدَه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمُه حرامٌ، ومشربُه حرام، وملبسُه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟!))[26].
لكن مما ينبغي التنبيه إليه قبل الشروع في المقصود أن هذا الموضوع واسعٌ يصعب الإحاطة به؛ لكونه يشمل كل الأحكام المتعلقة بالمعاملات عمومًا، وقد سبق التنبيه إلى هذا في أول هذه الفقرة الثالثة من التمهيد، لكن له قاعدة عامة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في البيوع والمعاملات المنهي عنها، فقال[27]:
“فصل: القاعدة الثانية في العقود حلالِها وحرامِها.
والأصل في ذلك: أن الله حرَّم في كتابه أكلَ أموالنا بيننا بالباطل، وذمَّ الأحبارَ والرُّهبانَ الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذمَّ اليهودَ على أخذهم الربا وقد نُهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وهذا يعمُّ كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات والتبرُّعات، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق.
وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان، ذكرهما الله – عز وجل – في كتابه، هما: الربا، والميسر…
ثم قال: ثم إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصَّل ما جمعه الله – عز وجل – في كتابه، فنهى – صلى الله عليه وسلم – عن بيع الغَرَر[28]؛ كما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة – رضي الله عنه.
والغَرَر: هو المجهول العاقبة، فإن بيعه من الميسر الذي هو القمار”.
ثم شرح ما سبق شرحًا طويلاً يصعب استقصاؤه في النقل، كما أنه يخرج عن المقصود.
وخلاصة كلامه – رحمه الله – أن المعاملات والعقود المنهي عنها، إنما نهى الشارعُ عنها لأحد ثلاثةِ أسبابٍ تجمع كل ذلك، وهذه الأسباب هي:
أولاً: الربا.
ثانيًا: الميسر.
ثالثًا: الغرر: وهو من الميسر، لكن ذكرتْه السُّنة تفصيلاً.
ولا شك أن هذا من التأصيل الذي ينفع جدًّا في معرفة الفروع المختلفة وأحكامها الشرعية.
ثم نأتي بعد ذلك إلى تفصيل العقود المنهي عنها، وهذه العقود المنهي عنها على قسمين:
• عقد منهي عنه لذاته.
• وعقد منهي عنه؛ لاشتماله على الجهالة والغرر[29].
________________________________________
[1] ص 261 المطلع على أبواب المقنع.
[2] تبيين الحقائق للزيلعي 5/52، المبسوط 22/18.
[3] الفتح الرباني شرح نظم رسالة ابن أبي زيد القيرواني 2/77.
[4] المهذب 1/382.
[5] منار السبيل 1/400.
[6] المغني 5/26.
[7] بدائع الصنائع 6/79.
[8] المهذب 1/384.
[9] بدائع الصنائع 6/80، منار السبيل 1/400.
[10] المطلع؛ للبعلي ص260.
[11] البناية شرح الهداية 6/854.
[12] بداية المجتهد 2/253، منار السبيل 1/398.
[13] أخرجه أبو داود 3/677.
[14] القاموس ص 1620.
[15] فتح القدير 5/30.
[16] بداية المجتهد 2/252، مغني المحتاج 2/212، المغني 5/12.
[17] انظر: البدائع 6/57، بداية المجتهد 2/252، المهذب 1/346، المغني 3/5.
[18] أخرجه أبو داود برقم 3388، والنسائي 7/319، وابن ماجه 2288، وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه.
[19] القاموس المحيط ص839.
[20] البناية شرح الهداية؛ لأبي محمد العيني 6/827.
[21] بداية المجتهد 2/254.
[22] المهذب 1/346.
[23] منار السبيل 1/406.
[24] المهذب 1/346، بداية المجتهد 2/254.
[25] البناية في شرح الهداية للأحناف 6/828، المغني 5/29.
[26] رواه مسلم رقم 1015 في الزكاة، والترمذي 2992 في التفسير.
[27] القواعد النورانية ص137.
[28] مسلم رقم 1513 في البيوع، النسائي 7/262 في البيوع.
[29] التملك في الإسلام ص 53 بتصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *