تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
عاجل
- بعد زلزال دمياط.. رئيس «البحوث الفلكية» يوجه رسالة حاسمة ردًا على توقعات «العالم الهولندي»
- عقب وصوله العاصمة السعودية لحضور اجتماعات “الوادا”…
- بيان هام وتصريحات أوليه للنائب محمد خالد القاضى معًا نبنى الوطن
- رسائل هامة
- نهر الحُب ماذا يُقالُ عن حُبٍ
- ” المصادر الخارجية ” تساهم فى تنمية الأعمال الصغيرة الناشئة
- د عبد الواحد يؤكد : ” أن الحق فى تعليم وتعلم اهالينا الكبار أصبح مدخلا أساسيا للتنمية والتمكين الاقتصادى “
- الدوحة تتميز بأنها مدينة متعددة الثقافات
- “الهوية الوطنية وعمق الانتماء” ضمن مبادرة بداية لبناء الإنسان بإعلام السويس
- حابي للاستثمار والتسويق الرياضي تشارك بالمؤتمر الأول للفرص الاستثمارية برعاية وزارة الشباب والرياضة
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن شبه جزيرة القرم
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن شبه جزيرة “القرم” كانت قد بادرت بإعلان استقلالها عن أوكرانيا وانضمامها لروسيا، طبقا لنتائج الاستفتاء الذي جري في شبه الجزيرة في 16 مارس 2014، علي خلفية تطورات الأزمة في أوكرانيا، وسقوط حكم الرئيس” يانكوفيتش” الموالي لروسيا تحت أقدام المعارضة المدعومة غربيا، وتدخل روسيا في القرم لحماية أسطولها البحري المرابط على البحر الأسود، ولحماية سكان شبه الجزيرة، الروسية الأصل، من بطش المعارضين الذين استولوا على الحكم، وتأمين حدودها الغربية من زحف الناتو، وتهديد أمنها القومي، ومجالها الحيوي، وسارعت روسيا بقبول انضمام القرم إليها، في حين بادر الغرب بفرض على عقوبات اقتصادية على روسيا.
فهل تمثل هذه التطورات بوادر حرب باردة جديدة فعلا؟ وهل ما يحدث في القرم تدشين لمرحلة جديدة في تطور النظام الدولي؟
أولا- تجدر الإشارة إلي أن تفجر الخلاف الحاد بين روسيا والولايات المتحدة حول الأزمة في أوكرانيا ليس هو الخلاف الوحيد بينهما، بل هو امتداد لمسلسل التنافس بينهما، فروسيا كانت -ولا تزال- من أشد الداعمين للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، حليفها في الشرق الأوسط، في مواجهة الثورة الشعبية هناك، بينما كانت تسعي واشنطن منذ زمن بعيد نسبيا لإسقاط نظام الأسد، بحسبانه أحد مراكز الممانعة لسياساتها في الشرق الأوسط، ووجدت في الثورة السورية ضالتها لمساندة المعارضة، أملا في إسقاط النظام، لكن الدعم الروسي والإيراني حالا دون ذلك. وقد تبلور الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة، عندما ارتكب النظام السوري خطيئة استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، ولم يحل دون رغبة الولايات المتحدة في التدخل العسكري في سوريا -إضافة إلي أسباب أخري- سوي معارضة روسيا. الأكثر من ذلك أن روسيا أوجدت الحل لإدارة أوباما للخروج من مأزق التدخل العسكري في سوريا، والتي رهنت اللجوء إليه في حالة إستخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري وقد كان. وكان المخرج من هذه الورطة اقتراح روسيا تجريد النظام السوري من أسلحته الكيميائية، مقابل عدم التدخل العسكري، وقبول واشنطن لذلك، مما عّد انتصارا دبلوماسيا هائلا لروسيا. ثم بلغ التوافق الروسي – الأمريكي مداه بالتوصل لاتفاق مبدئي لتسوية هذا البرنامج في إطار سلمي، وفقا للرؤية الروسية. كما بدا التنافس بينهما جليا على أرضية الثورة المصرية في 30 يونيو 2013، حيث وقفت الولايات المتحدة موقفا ممانعا مترددا في بداية الثورة، أعقبه حدوث توتر في العلاقات بسسب تعليق واشنطن بعض المساعدات العسكرية لمصر، وإلغاء المناورات المشتركة “النجم الساطع”. في حين رحبت روسيا بالثورة المصرية، وأعلنت عن دعمها للشعب المصري، وعن استعدادها لتنظيم مناورات مشتركة مع الجيش المصري وتزويده بطائرات حديثة. ثم تطورت العلاقات سريعا بالزيارات المتبادلة لوزيري الدفاع والخارجية لكلا البلدين، في إطار تفعيل علاقات الشراكة بين الدولتين. أيضا، هناك خلافات قديمة بين روسيا والولايات المتحدة، ممثلة في الدرع الصاروخية التي كانت الولايات المتحدة عازمة على إنشائها في أوروبا، رغم اتفاق البلدين رسميا على إنهاء الحرب الباردة في عهدي ريجان وجورباتشوف، مما ينتفي الغرض منه، رغم إعلان الولايات المتحدة أنها موجهة إلي إيران، مما أثار حفيظة روسيا بإدراكها أن الغرب لا يزال يعدها عدوا تقليديا له، والهدف هو تطويقها وتهديد أمنها القومي. وفي أغسطس 2013، أثيرت أزمة الجاسوس الأمريكي “سنودن”حيث قبلت روسيا طلبه حق اللجوء إليها، وهو ما أثار غضب الأمريكيين، مما اضطر الرئيس أوباما لإلغاء لقاء له كان مقررا مع الرئيس بوتين في موسكو. وهناك مجالات أخري كانت ساحة للخلاف والتنافس بين الروس والأمريكيين مثل التنافس على جمهوريات آسيا الوسطي المستقلة حديثا عن الاتحاد السوفيتي السابق، حيث سعت الولايات المتحدة للسيطرة الاستراتيجية عليها، في حين تعدها موسكو امتدادا استراتيجيا ومجالا حيويا لها. كما اشتعل التنافس بين الدولتين حول نفط وغاز بحر قزوين، حيث سعت الولايات المتحدة إلي كسر احتكار روسيا لنفط بحر قزوين، من خلال تشجيع الاستثمارات البترولية، وإقامة خطوط أنابيب لنقل غاز ونفط بحر قزوين عبر خطوط تتفادي روسيا غربا. وعلي الرغم من ذلك، استمرت روسيا في الحفاظ على مكانتها في السوق الأوروبية، نظرا لحجم الاحتياطي الهائل لديها -الأولي عالميا- في إحتياطي الغاز، وكذلك طبيعة صناعة الغاز التي تعمتد على عقود طويلة الأمد.
وفي كل هذه الأزمات، كان الحديث يتجدد حول عودة الحرب الباردة بينهما. لكن كونهما شريكين في العديد من الملفات، مثل نزع السلاح النووي، والقضية الفلسطينية، وقضايا الشرق الأوسط، فضلا عن تزايد التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بينهما، فقد كان الطرفان حريصين على تقليل حدة التنافس بينهما، وسرعان ما يعود الحديث المتصاعد عن عودة الحرب البارة إلي الخفوت والسكون.
ومع ذلك، فالصعود الروسي لا يزال مستمرا، وقد حققت موسكو نجاحا وحضورا دبلوماسيا في العديد من الأزمات، خاصة في الشرق الأوسط، على حساب الولايات المتحدة، التي تراجع دورها، بل هي ذاتها بدأت تتأهب للخروج من الشرق الأوسط، والتوجه شرقا. لذا، ربما رأت الولايات المتحدة في أحداث القرم فرصة للانتقاص من مكانة روسيا، ومحاولة عرقلة صعودها مرة أخري كقوة منافسة لها بإلهائها بأزمة في محيط أمنها القومي، وذلك من خلال محاولة دعم أوكرانيا، ومعارضة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وحسبان ذلك غزوا يمثل انتهاكا للقانون الدولي، ومخالفة لميثاق الأمم المتحدة. لذا، دعت لفرض عقوبات على روسيا في محاولة لعزلها عالميا. في حين تري روسيا أن التدخل الغربي في الأزمة الأوكرانية ما هو إلا محاولة خرق الخطوط الحمر للأمن القومي لروسيا، بمحاولة العبث في مجالها الحيوي، ومد سيطرة حلف الناتو ليطول حدودها الغربية، بالسيطرة على أوكرانيا، المنطقة الفاصلة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. أي أن القضية تمثل قضية أمن قومي لروسيا، في حين هي قضية قواعد أخلاقية وقانونية بالنسبة للولايات المتحدة، كثيرا ما كانت الأخيرة تتجاهلها، إذا تعارضت مع مصالحها، وربما لا يعنيها كثيرا تحمل تبعات دعم أوكرانيا، وانتشالها من أزمتها الاقتصادية، في ظل أزمات مالية كبري تواجه الدول الغربية.
ثالثا- إن كلا الطرفين ليس لديهما الرغبة والقدرة على الولوج قدما في في حرب باردة تستنزف طاقاتهما، فروسيا ليست الاتحاد السوفيتي السابق، ولا الولايات المتحدة هي نفسها الولايات المتحدة في عالم الحرب الباردة. فروسيا – رغم كونها في حالة صعود وتسعي لاستعادة مكانتها العالمية ودورها في النظام الدولي، كقوة كبري لها مصالحها الخاصة – تدرك تماما أن الحرب الباردة قد أنهكت الاتحاد السوفيتي اقتصاديا، وأدت إلي إنهياره، كما أنها لا تستطيع تحمل نفاقات سباق التسلح الذي تفرضه الحرب الباردة، وهي الخارجة توا من عقود الركود والأزمات الاقتصادية والحكم الشمولي، وأن ما تحقق من وفورات مالية – نتيجة ارتفاع أسعار النفط- يجب أن يوجه لدعم أكبر لمصلحة النمو الاقتصادي، وتحقيق مستويات متقدمة في الصناعات العسكرية التي تحقق لها دخلا كبيرا، وكذلك تحديث ترسانتها العسكرية القديمة نسبيا. كما أن روسيا لا تريد أن تدخل إلي عالم الحرب الباردة مرة أخري، وهذا ما أوضحه السفير “سيرجي كربتشينكو”، سفير روسيا الاتحادية بالقاهرة في ندوة السياسة الدولية ” العلاقات الروسية – المصرية في عالم متغير”، حيث قال إن روسيا لا تسعي إلي أجواء الحرب الباردة، ومصلحتها الحقيقية مرتبطة ببناء عالم يسوده الاستقرار، والعدالة، والقانون الدولي.
من ناحية أخري، لا تريد الولايات المتحدة ذاتها الدخول في مواجهات عسكرية تهدد الأمن والاستقرار، وقد تفرز تداعيات على توازن النظام الدولي، كما لا تريد أن تتورط في عالم الفوضي والاضطراب الذي ذكره الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، بل تسعي لتحقيق التقدم والازدهار، وأن التوجه الأكثر عالميا اليوم ليس صوب حرب باردة جديدة، وإنما هو مزيج من العولمة وثورة تقنية المعلومات حسب قوله. كما أن العداء بين روسيا والولايات المتحدة لا يتفق مع مصالح البلدين، خاصة في ظل استمرار الأزمات المالية العالمية، وكذلك التهديات الأمنية غير التقليدية.
رابعا- إن العالم قد تغير، فحالة الاستقطاب الحادة التي سادت الحرب الباردة قد انتهت، والعالم لم يعد منقسما بين معسكرين متصارعين في مبارة صفرية، والصراع الأيديولوجي قد انتفي. فالشيوعية التي كانت تطرح كبديل للرأسمالية قد ولت، والمصالح وحدها هي التي تحكم العلاقات الدولية. والاتحاد الأوروبي، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في حلف الناتو، منقسم على نفسه في مسألة فرض العقوبات على روسيا، نظرا لعمق المصالح التجارية والاقتصادية التي تربط بعض دوله بروسيا، وكذلك خطوط الغاز الروسية التي تمد أوروبا بـ 40٪ من حاجاتها للطاقة، خاصة ألمانيا التي دشنت في عام 2011 خط أنابيب لنقل الغاز الروسي إليها عبر أراضي دول أوروبية أخري، لذا فهي تتحفظ على مسألة فرض العقوبات على روسيا. كما أن الصين – وهي الأقرب لروسيا في توازنات القوي العالمية – نأت بنفسها عن التدخل في هذه الأزمة بحسبانها شأنا داخليا، أي أن حدة الاستقطاب – التي كانت سائدة إبان الحرب الباردة – قد انتفت حتي من داخل الدول الحليفة أو المؤيدة لكل طرف.
ولكن مع ذلك، فإن انتفاء الصراع بين معسكرين، في إطار عودة الحرب الباردة، لا ينبغي بالضرورة اختلاف وتعارض المصالح، وحتمية التنافس عليها، فهو الصراع الكوني الممتد عبر تاريخ البشرية. لكن الخلاف الذي حدث بين روسيا والولايات المتحدة أغلب الظن أنه لن يؤطر لحرب باردة جديدة، وستظل هذه الأخيرة مؤجلة ومرهونة بقدرة الطرفين على التوصل لتوافق ما حول الأزمة الأوكرانية أو تجاوزها. لكن استمرار العقوبات على روسيا وتأثرها بها قد يجعل الأخيرة مضطرة للدفاع عن مصالحها.
لكن هذا الخلاف ستكون له انعكاساته السلبية في المدي القريب على كل ملفات التعاون، أو ملفات الشراكة بينهما. فربما ينسحب تأثيرها على الأزمة السورية، وربما تصمت واشنطن عن ضم القرم مقابل تخلي موسكو عن حليفها في دمشق، وربما كان تاثيرها السلبي أيضا في استكمال تسوية البرنامج النوي الإيراني. لكن أغلب الظن أن هذه الأزمة سيكون لها تأثيرها في مستقبل النظام الدولي الذي لا يزال في طور التشكل. فالقوي الكبري الصاعدة يمكنها أن تقول “لا” للولايات المتحدة، ويمكنها أن تدافع عن مصالحها، وتتصدي للهيمنة الأمريكية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بأمنها القومي. فهل يتحول النظام العالمي إلي عالم متعدد الأقطاب؟ تساؤل قد نجد إجابته في التطورات الدولية القادمة.
\