عَلَمٌ في رأَسِّهِ نُورٌ إن بداية السُقُوط للهاوية لِتّدمِير واضمحلال،
الأديب الكاتب، والباحث الصحفي، والمفكر العربي والإسلامي الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل رئيس المركز القومي لعلماء فلسطين، والأستاذ الجامعي غير المتفرغ الأمين العام لاتحاد المثقفين والأدباء والكتاب والعرب فرع فلسطين عضو مؤسس في الاتحاد الدولي للأدباء والكتاب و للمثقفين العرب رئيس الهيئة الفلسطينية للاجئين، وعضو الاتحاد الدولي للصحفيين dr.jamalnahel@gmail.com
عَلَمٌ في رأَسِّهِ نُورٌ إن بداية السُقُوط للهاوية لِتّدمِير واضمحلال، وأُفُول نَجّم أي أُمة نَعزوُها للأسباب التالية :
1- تدمير أُسس تكوين وبناء الأسرة.
2- تدمير وازدراء التربية التعليم.
3- تهميش وتجاهُل العلم والعُلماء.
4- تدمير الأخلاق النبيلة والفضيلة.
5- طمس الثقافة الإسلامية والوطنية.
6- إحلال الظلم بدلاً عن العدل.
7- إهمال وتدمير القطاع الصحي، والفقر.
8- بث الإشاعات من خلال الإعلام الكاذب.
9- وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب. ونتناول تفسير كُل ما سبق من نقاط بإيجاز: فالأسرة هي الركيزة واللبنة الأولى لبناء أي مُجتمع فإن صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإن فسدت فسد المجتمع، ويبدأ بناء الأسرة الصالحة من خلال اختيارُ الزوجين،
“الزَّوجةِ الصَّالحةِ والزَّوجِ الصالِحِ”، فمِن أهمِّ الأُمورِ في بناء الأسرة هو النسب الصالح الطيب، الطاهر، والكَفاءَةُ في الزَّواجِ، ومُراعاةُ فُروقِ الاخْتلافِ بينهم؛
وقد جاء في الحديثِ عن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه قال: ” تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ ” وفي حديثٍ آخر: “تَخيَّروا لنُطَفِكُم فانْكِحوا الأَكْفاءَ وأَنْكِحوا إليهم “، والمُرادُ تخيُّرُ المناكِحِ، فلا تَخْتاروا إلَّا كُفُؤًا، أي: الأَمْثالَ لكم، يعني:
زَوِّجوا مَنْ هو مِثْلٌ لكم في النَّسَبِ، وَالمَكانَةِ، والمَعيشَةِ، والدِّينِ، وغيْرِها، وزَوِّجوا مَن تتوَلَّوْنَهُمْ بالأَكْفاءِ،
واخْطُبُوا بَنَاتِ الأكْفاءِ لكم ولأولادِكم؛ وقال صلى الله عليه وسلم: “إن جاءكم من ترضون خلقه،
ودينه فزّوُجوُه إلا تفعلوا تّكُن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير”؛ وأما عن تدمير التربية والتعليم فحال المناهج التربوية التعليمية العربية،
وعلي الرغم من تطويرها المتواصل وأنها أفضل من السابق، ولكنها لا ترتكز علي مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة،
وأغلبها لا تراعي الفروق الفردية بين الطلبة، ولا تتناسب مع قدراتهم العقلية، ولا تراعي التنمية المستدامة، ومواءمة النظرية مع التطبيق، ولا تراعي التطور التقني المستمر، وتعتمد أغلب المناهج العربية علي الحفظ، والتلقين، وليس علي العمل والممارسة،
والتأمل والتفكر، والإبداع، والاختراع، وأما عن تهميش وتجاهُل العُلماء فيكفي ما نراهُ اليوم من ظُلم وهضم لحقوق ولمكانة العلماء، والمُعلمين، وعدم تقديرهم وتوقيرهم، وتجاهلهم وجعل مُرتباتهم المالية أدني المرتبات!؛ وهنا يستحضرنا قول النبي علية الصلاة والسلام:” بعثني ربي معلماً”،
وكلنا نعلم ما قالتهُ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حينما طالبها القُضاة والأطباء في ألمانيا بِمُساواة رواتبهم برواتب المعلمين، فقالت للقضاة: ” كيف نساويكم بمن عَلمُوكُم ؟”؛ أما في الوطن العربي نجد أن المعلم العربي، والعلماء وضعهم يرثي لهُ إلا من رحم ربي!؛ وأما عن تدمير الأخلاق النبيلة والفضيلة فحدث
ولا حرج فنشاهد ظهور، وتفشي المنكرات والعادات القبيحة التي طّمَثْ، وعمت في بلاد العرب والمسلمين، فأخذنا من الغرب سيء ما عندهم من العري والغناء، وقَّصَةْ الشعر، وتركنا ما عندهم من الأمور الحسنة الطيبة، والنهضة العلمية والرُقيّ،
علماً أن من أسُس الدين الإسلامي بعد الإيمان بالله، هو محاسن الأخلاق الحميدة والنبيلة والفضيلة، وعمل الصالحات والتواضع، والرحمة، والعدل والمساواة والإحسان، وإتقان الصانع لما يصنع، “فويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع ،وتلبس مما لا تصنع”، ولقد أهملنا الاهتمام بالأدب والأدباء، وابتعدنا عن مكارم الأخلاق؛ حيث يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنما بُعثُ لأُتمم مكارم الأخلاق”؛
ومن المعلُوم من زاد عليك في الخُلقْ زاد عليك في الدين، فَبِّالأخلاق تسمو، وتنهض الأُمم، وتعلو الهمم، لتصل القمم، وإن أكثر ما يدخل أهل الجنة الجنة هو تقوي الله وحُسنْ الخُلقْ؛؛؛ وأما عن طمس الثقافة الإسلامية، والوطنية فهو ما نراه اليوم من التبعية العمياء للأعداء،
والغرب، والتشبه بالشيء السيئ مما عندهُم!؛ وقد تحقق ما قاله من لا ينطق عن الهوى، الصادق الأمين سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتتبعن سُنّنَ الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا:
يا رسول الله, اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟”؛
وأما إن سألوك عن العدل فّقُلْ لهم مات عمر!؛
لأن الظلم في الوطن العربي كبير، وخاصة بين الحاكم، والشعب المحكوم فّحَدِثْ، ولا حرج؛ فقد عَم الظلم والظلام والظالمين،
وأفَلت شمس الحق والعدل؛ ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال فيهِ رسول الأعداء (الهُرمزان) كلمة حق:
” حكمت فعدلت فأمنت فنّمتْ يا عُمر”!؛؛ وأما عن القطاع الصحي والفقر في الوطن العربي فليس أفضل حالاً مما سبق، بل وضع القطاع الصحي العربي يُرثي له!؛ وبخاصةً حينما يكون العلاج مجاناً،
لمن يعانون من الأمراض والأوبئة، وخاصةً الفقُراء فّقَلَمَا تجد أي اهتمام بهِم!؛ أما علاج المرضي الأغنياء فغالباً يذهبون للعلاج عند الطبيب الخاص، وعلي حسابهم الخاص،
فتكون لهم جُلْ الرعاية والاهتمام بشكل لا يوصف؛ فتجد الطبيب يحنُ علي المريض الغني وخاصة إن كان من أصحاب النفوذ والسلطان، أو من أقارب الحُكام، فُيوشك الطبيبُ أن لا يجعل هذا المريض يمشي علي الأرض بل يريد أن يحمله علي كفوُف الراحة!؛
وأما المريض الفقير، والمسكين ومن عموم الناس إن ذَهبْ للعلاج في المستشفيات الحكومية العربية تجدهُ يعاني الإهمال الطبي، ومُهاناً!!؛ وحتى بعضاً من الممرضين يّزْدَرِيّنَهُ، ويحتقروُنه،
ويتأففون منهُ!!؛ وحتى لا نظلمهم فمن الأطباء والمُمرضين تجّدْ جيش من الأوفياء والمخلصين الأمُناء؛ وتجد أيضاً منُهم من ماتت قلوبهم، وماتت ضمائرهم، ويتعاملون مع المريض معاملة الأسياد للعبيد!!!؛؛ وأما عن بث الإشاعات من خلال الإعلام الكاذب؛
والشائعات فالإشاعة عبارة عن أنبوب يُفّجِره الحقد، والغيرة، والحسد، والتخمين الخاطئ؛ وإن الإشاعة الكاذبة مروجوها مجرمون فّيَجعلُون من الفتاة البكر العفيفة حاملاً وزانية”!!؛
وشعارهم: اِكّذب ثم اِكّذب ثم اِكّذب حتى تصدق نفسك أنك صادق!؛ ويُّصّدُقَكْ الآخرين بأنك صادق!؛ وبالإشاعة، ومن خلال بوق الإعلام الكاذب، تراهم يجعلون من العبد سيدًا!؛
ومن السيد عبداً، ومن الوضيع كبيراً ومن الكبير، وضيعًا، ومن الذرة جبلاً، ومن الجبل ذّرة!!؛؛ وأما عن وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب فلا أحد أكثر من العرب أستاذةٌ، وخبراء في هذا الأمر!؛
فهم أباطرة ذلك؛ ويكفينا أننا نعيش في هذا الزمان ونَسّتِدل ونَسَتّظّلْ بّظِل الحديث الشريف: فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : “بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ : سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
ونحن ننتظر الساعة لأن الأمر اليوم أسند لغير أهله ووضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب!.
وأما عن عنوان المقال: “علمٌ في رأسه نور”؛ فقد كانت الشاعرة العربية، ” تَماضُر الخنساء بنت عمرو بن الشريد” قد أوردته في إحدى قصائدها وقد بدلنا كلمة:
” نار إلى نور “؛ فكثيراً ما أتحفنا وأكرمنا الأديب العربي الفلسطيني الكبير البروفسور جمال حرفوش، بمقولته الشهيرة لنا ومخاطباً إيانا بقولهِ: “أنت علمٌ في رأسه نور”؛؛
فجزاهُ الله عنا خير الجزاء؛ أما عن قصة الشاعرة الخنساء فقد رثت في هذا البيت أخاها صخر، حيث قالت:
“وإن صخراً لتأتم الهداة بِه .. “كأنه علم في رأسه نار”، وقد كانت كافرة ثم أسلمت، وقد شبهت أخاها بالعلم أي: الجبل الأشم،
وقصة الخنساء مع رثاء أخيها صخر بدأت حينما اِنهّار تصبرها على شقيق لها سبق صخراً ويدعى معاوية كان قد رحل مقتولاً قبل أخيها الآخر صخر بسنوات قليلة قبل الإسلام، وأقامت على قبره زماناً تبكيه ووصفته بأنه حر الشتاء وبرد الهواء، وفقد أخويها أوجعها، وأفجعها،
كجمرِ في الكبد وسُقامٍ في الجسد ؛؛ جعلكم الله جميعاً علماً في رأسه نور، وسرور، وأبعد عنا وعنكم الغرور والفتور والشرور، ورزقكم صحبة الرسول، وجناتِ لا تزول، وممن ترك أثر جميل قبل الرحيل.