فى طريق النبوه ومع نبى الله هود عليه السلام

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبى الله هو عليه السلام ، هو عربي في أصله، وقيل إنه هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوص بن إرم بن سام بن نوح ، وقيل غير ذلك ، فعن أبي ذر في حديث طويل في ذكر الأنبياء والمرسلين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “وأربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيك محمد“ . رواه إبن حبان .

فبعد أن نجا الله تبارك وتعالى نبيه نوحا عليه السلام ، ومن معه في السفينة وأغرق الذين كذبوه من قومه بالطوفان العظيم الذي عم جميع الأرض، ونزل الذين ءامنوا من السفينة يعبدون الله تعالى وحده ويَعْمُرون الأرض، وكثرت الذرية من أولاد نوح الثلاثة سام وحام ويافث الذين كانوا على دين ءابائهم الإسلام، وكانوا يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئًا.

ثم بعد أن طال الزمن عاد الفساد والجهل وانتشر في الأرض ورجع بعض الناس إلى الإشراك بالله وعبادة غير الله، فبعث الله تبارك وتعالى هودًا ، وأن الله سبحانه وتعالى ، أرسل رسوله هوداً عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله الواحد الصمد .

ويطلب منهم نبذ عبادة غيره من الأوثان والآلهة، فاستخف به قومه، وسخروا منه، واستمروا في طغيانهم يعمهون، فعاقبهم الله على موقفهم، بأن أرسل عليهم ريحاً قوية، استأصلت شأفتهم، وجعلتهم حصيداً، ونجَّا الله هوداً والذين معه من المؤمنين.

وقبيلة عاد قبيلة عربية كانت باليمن، وكانت منازلهم ومساكنهم وجماعتهم أرض الأحقاف، والأحقاف هي الرمل فيما بين عُمان وحضرموت من أرض اليمن بأرض يقال لها الشَّحر، وقيل كانوا ثلاث عشرة قبيلة وظلموا وقهروا العباد بسبب قوتهم التي ءاتاهم الله إياها .

فقد زادهم الله في الخِلقة والقوة، وبسط لهم في أجسادهم وعظامهم فكانوا طوالاً في أجسامهم وقوامهم، قيل كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعًا .

وكانوا أصحاب أوثان وأصنام يعبدونها من دون الله، صنم يقال له صداء، وصنم يقال له صمود، وصنم يقال له الهباء ، وقد أعطى الله تبارك وتعالى قبيلة عاد نِعَمًا كثيرة وافرة وخيرات جليلة، فقد كانت بلادهم ذات مياه وفيرة فزرعوا الأراضي وأنشأوا البساتين وأشادوا القصور الشامخة العالية .

إضافة لما منحهم الله تعالى فوق ذلك من بَسْطة في أجسادهم وقوة في أبدانهم لكنهم كانوا غير شاكرين لله على نعمه، فاتخذوا من دونه ءالهة وعبدوا الأصنام وصاروا يخضعون لها ويتذللون ويقصدونها عند الشدة، فكانوا أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان العظيم الذي عم الأرض وأهلك الكافرين الذين كانوا عليها .

فبعث الله تبارك وتعالى إليهم نبيه هود وكان أحسنهم خُلقًا وأفضلهم موضعًا وأوسطهم نسبًا، فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن يُوحدوا الله الذي خلقهم ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن ينتهوا ويكفوا عن الظلم والبغي والفساد بين الناس، ولكنهم عاندوا وتكبروا وكذبوا نبي الله هودًا عليه الصلاة والسلام .

وإن الحقيقة الأولى التي واجه بها هود عليه السلام قومه هي تقرير أن المستحق للعبادة هو الله وحده، ولا أحد سواه يستحق العبادة، فها هو ذا يخاطب قومه بقوله: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) وقد كان خطابه لقومه عليه السلام خطاب الناصح المشفق عليهم، الذي يريد الخير لهم، ويتألم لما هم عليه من الشرك والضلال، يرشد لهذا قوله: ( أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين)

ثم أعلن لهم مبدأ المفاصلة، فبين لهم أن موقفه منهم موقف المتبرئ من شركهم، والمتحدي لطغيانهم، والمعتمد على الله في الانتصار عليهم، ثم هو بعدُ يذكر قومه أنه لا يريد على دعوته جزاء ولا شكوراً، ( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله) فهو عليه السلام ، كغيره من الرسل والدعاة الصادقين ، ويلتمس أجره من الله.

ليس هذا فحسب، بل إن هوداً يذهب في دعوته أبعد من ذلك، فيبين لقومه أنهم إن تركوا ما هم فيه من الضلال والغي، والتزموا شرع الله، فإن الله سوف يفتح عليهم من خزائن رحمته، ويمدهم من فضله، ويزيدهم قوة إلى قوتهم، وغنى إلى غناهم .

وأردف ذلك بتذكير قومه بما أنعم الله عليهم من نعم، وما منَّ عليهم من منن، ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة )، وتخبرنا بعض الآيات الواردة، أنه عليه السلام بذل أقصى جهده في تذكير قومه بنعم الله عليهم، وتحذيره إياهم من كفرانها، وختم إرشاده لهم بأن بين لهم أنه حريص على مصلحتهم، وأنه يخشى عليهم إذا لم يستجيبوا لدعوته أن ينزل بهم عذاب عظيم .

غير أن هذا التذكير لم يزيد قومه إلا إصراراً في غيهم، وعناداً في ضلالهم، حيث أجابوه بقولهم: ( قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) وكان موقفهم من دعوته موقف المتكبر والمتجبر والمستعلي، حيث خاطبوه بقولهم: ( إنا لنراك في ضلال مبين)، وقالوا له أخرى: ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) .

فبين لهم سيدنا هود عليه السلام أنه لا يطلب على نصيحته لهم أجرًا يأخذه منهم أو رئاسة يتزعم بها عليهم، وأنه لا يطلب الأجر في دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام إلا من الله تبارك وتعالى، ثم قال لهم واعظًا ما معناه أتبنون بكل مكان مرتفع بناءً عظيمًا هائلاً تعبثون ببنائه ولا حاجة لكم فيه وأنتم تسكنون الخيام العظيمة .

ثم تتخذون القصور رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارًا طويلة، ثم ذكر لهم أنهم يتجبرون ويظلمون الناس فأمرهم أن يتقوا الله بأن يدخلوا في دينه ويعبدوا الله وحده ويطيعوه

وذكّرهم بما أنعم الله به عليهم وبما أمدهم به من أنعام وبنين وما رزقهم من مياه وافرة وبساتين خضراء يانعة يتنعمون بها، وحذرهم من عذاب الله العظيم يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الكفر والشرك.

ولكن قوم هود أصروا على كفرهم وعنادهم وقالوا له فيما قالوا: أجئتنا لنعبد الله وحده ونترك عبادة الأوثان والأصنام ونخالف ءاباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه، وقالوا له على وجه التهكم والعناد والاستكبار إن كنت صادقًا فائتنا بما تعدنا من العذاب فإنا لا نصدقك ولا نؤمن بك

ولما لم يفلح هود في ثني قومه عما هم فيه من الضلال والغي، واجههم بالعاقبة التي سيؤول إليها أمرهم، فقال لهم فيما حكاه القرآن عنه: ( قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب) وقد أخبر القرآن الكريم عن العذاب الذي حلَّ بقوم هود بعبارات متنوعة ومعبرة، ونجى الله هوداً والذين آمنوا معه .

ولما تجبر قوم هود عليه السلام ولم يستجيبوا لدعوة نبيهم هود عليه السلام بل عصوا رسول الله هودًا وكذبوه وجحدوا بآيات الله التي أقامها هود عليه السلام دلالة على صدقه في أنه مرسل من ربه، واتبعوا أمر كل جبار عنيد من ملإ قومهم، وأصروا على عبادة الأصنام، أحل الله تبارك وتعالى بهم نقمته وعذابه في الدنيا بعد أن أنذرهم سيدنا هود عليه السلام بالعذاب القريب الذي ينتظرهم .

فأمسك الله عنهم المطر حتى جهدوا، وكان كلما نزل بهم الجهد ذكَّرهم هود بدعوة الله وأنه لا ينجيهم من البلاء والعذاب إلا الإيمان والاستماع لنصائحه بالقبول، فكان ذلك يزيدهم عتوًا وعنادًا فازداد العذاب عليهم وصاروا في قحط وجفاف شديدين .

فطلبوا السقيا والمطر وأوفدوا وفدهم إلى مكة يستسقون لهم، فأنشأ الله سحابًا أسود وساقه إلى عاد فخرجت عليها من واد فلما رأوها استبشروا أنه سحاب مطر وسُقيا ورحمة فإذا هو سحاب عذاب ونقمة.

وأرسل الله عز وجل ، عليهم ريحًا شديدة عاتية حملت رحالهم ودوابهم التي في الصحراء وقذفت بها إلى مكان بعيد، فدخل قلوبهم الفزع وهرعوا مسرعين إلى بيوتهم يظنون أنهم ينجون، ولكن هيهات إذ حملتهم هذه الرياح الشديدة وأهلكتهم.

وأرسل الله عز وجل ، على قوم هود ريحًا باردة شديدة الهبوب سخرها الله على القوم الكافرين سبع ليال وثمانية أيام كوامل متتابعات حتى أهلكتهم وصاروا صرعى، وقد شبههم الله بأعجاز النخل التي لا رءوس لها، وذلك لأن هذه الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحلمه فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة هامدة بلا رأس .

فقال عز وجل : (فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين )، وقال عز وجل : ( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود )، وقال سبحانه وتعالى : ( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) .

وقد حج بعد ذلك سيدنا هود عليه السلام كما روى ذلك أبو يعلى في مسنده، أما موضع قبره ففيه خلاف، قيل حضرموت في بلاد اليمن، وقيل بالحِجر من مكة، وذكر ءاخرون أنه بدمشق، وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام والله أعلم ، وبلاد عاد اليوم رمال قاحلة لا أنيس فيها ولا ديار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *