مؤثرون بأموال وشهرة واسعة .. لكن ماذا عن متاعبهم؟
رحمه محمود
تحتسي العراقية، جيهان هاشم ، قهوتها في أحد مقاهي العراق، لكنها تشكو من عجزها عن الاستمتاع بلحظات من الخصوصية في الأماكن العامة، فهي بالنسبة لستة ملايين من متابعيها إحدى النجمات في عالم وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعترف جيهان بسعادتها الكبيرة باهتمام متابعيها “فأينما ذهبت يتعرف الناس علي ويأتون لأخذ صورة معي”.
لكن الأمر أحيانا قد “يتجاوز الإعجاب والمتابعة ليصل إلى حد التنمر” كما تقول جيهان.
جيهان، وحسب التعبير المتداول إعلاميا، هي واحدة من كبار المؤثرات في سوق التواصل الاجتماعي، في الأصل تعمل فنانة مكياج، لكنها أصبحت هدفا لتسويق منتجات العلامات التجارية الكبرى.
وتنتمي جيهان إلى فئة الـ Mega influencers أو نجوم المؤثرين والمؤثرات الذين يتجاوز عدد متابعيهم المليون شخص، وهي الفئة الأكثر طلبا في الترويج التجاري، حيث يمكن أن يتلقى المؤثر في هذه الفئة مليون دولار عن إعلان أو ترويج واحد.
الإنفلونسرز أو المؤثرون وصناع المحتوى، هي مصطلحات راجت خلال السنوات الأخيرة مع توجه العالم لقضاء وقت أكبر على مواقع التواصل الاجتماعي واعتمادهم على مواقعها في غالبية شؤونهم بدءا من التسلية والترفيه والحصول على الأنباء إلى التعاملات المالية وأيضا التسوق.
يلعب المؤثر في الوقت الراهن دورا كبيرا وهاما في تشكيل الذوق والرأي العام، فهناك العشرات إن لم يكن المئات من المؤثرين الذين يختصون في مجالات مختلفة منها الموضة والأزياء والمكياج والتغذية والعلوم وغيرها، وهناك أيضا المؤثر الشامل الذي قد يشارك محتوى منوعا ولا يفضل حصر نفسه في مجال محدد.
لا يتمتع جميع هؤلاء بالضرورة بخبرة عملية أو أكاديمية في مجالاتهم، ولكنهم ورغم ذلك يحظون بقاعدة جماهيرية واسعة من المحبين والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي ، تتراوح عادة ما بين آلاف المتابعين إلى عدة ملايين.
“سيكولوجية التأثير”
وفقا للدكتور بيتر أندروز المحاضر بجامعة هال في بريطانيا، فإنه على مر التاريخ، تأثر الناس ببعضهم البعض. كما أن مفهوم المؤثر ليس جديدا كليا، حيث كان المصطلح مجرد صفة تطلق على القياديين وصناع الرأي في مختلف الاختصاصات.
أما عن سبب متابعتنا ومحبتنا لشخص دون غيره، فيعود إلى ما يسمى “بالصورة الذاتية ” وهي ما يجعلنا نحدد قيمتنا من خلال مقارنة أنفسنا مع الآخرين الذين نطمح أن نكون مثلهم، بحسب الدكتور أندروز. هؤلاء الأشخاص “يتمتعون بالقوة المرجعية، بمعنى أنهم يشكلون مرجعا وقدوة لنا عند التفكير في ما نطمح أن نصبح عليه وهو ما يمتلكه عادة المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي”.
رغم أن مفهوم المؤثر ليس حديثا، إلا أن المصطلح تحول من صفة إلى مهنة قد تدر عائدات مالية خيالية ولقب يتنافس على استقطاب حامله عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي.
سباق العمالقة
أعلنت شركة فيسبوك في يوليو/تموز الماضي رصدها مبلغ مليار دولار أمريكي لجذب صناع المحتوى والمؤثرين إليها، ولكن، لم تكن فيسبوك سباقة في هذه الخطوة التي أقدمت عليها كل من يوتيوب وتيك توك قبلها بتخصيص مبالغ منافسة لنفس الغرض.
هذه المنصات لا تقدم الأموال لدعم المؤثرين تبرعا، فوفقا للدكتور أندروز، هؤلاء المؤثرون يشكلون نحو 75% من المحتوى العام على منصات التواصل الاجتماعي وبلا هذا المحتوى “ستقتصر المواقع على بعض المحادثات بين الناس ومشاركة الصور”.
إن عدم وجود المحتوى يعد كارثة لهذه المواقع التي ستخسر روادها شيئا فشيئا وبالتالي لن تستخدمها العلامات التجارية كمنصات للترويج لمنتجاتها، مما يعني خسارة الأموال القادمة عن طريق الإعلانات أيضا.
مواقع التواصل الاجتماعي ليست الوحيدة التي تتنافس على استقطاب المؤثرين، فالعلامات التجارية المختلفة تدرك كذلك قيمة المؤثرين والأرباح التي يمكن أن تجنيها عن طريقهم.
فرغم أن الترويج الرقمي المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون فعالا أكثر من الوسائل التقليدية، إلا أن الدراسات تشير إلى أن نحو 40% من الأشخاص حول العالم يستخدمون حاجبات الإعلانات خلال تصفحهم على الإنترنت. وهنا تكمن أهمية المؤثر وفقا للدكتور أندروز، حيث أن الناس هم الذين يسعون وراء المؤثر ويبحثون عنه لمشاهدة محتواه، وغالبا ما يثقون به ويحاولون تقليده، ولا يحاولون تفادي إعلاناته كما يفعلون مع الإعلانات الترويجية المباشرة. وبهذه الطريقة “تكون العلامات التجارية في الحقيقة تحظى بتسويق أكثر فعالية وأخفض ثمنا”.
ولكن ليس كل المؤثرين سواء، فمنهم من يحصل على مبالغ طائلة قد تصل إلى مليون دولار لقاء الترويج لمنتج ما، ومنهم من يقومون بالترويج بلا أي مقابل.
تختلف نسبة الأرباح التي يحصل عليها المؤثر تبعا لحجم وقيمة الشركة التي يروج لها وإلى عدد متابعيه، حيث يُقسم المؤثرون عادة إلى أربعة أنواع من حيث العدد وهي:
بغض النظر عن الأموال والأرباح التي قد يجنيها الإنفلونسرز ، إلا أن الشهرة التي يمتلكونها قد تكون سيفا ذا حدين أحيانا. فجيهان مثلا تتعرض “لكثير من المتاعب والتعليقات السلبية بالإضافة إلى التنمر الإلكتروني”.
إلا أن هذه الأمور ليست الضريبة الوحيدة التي يدفعها المؤثر، فبحسب الكويتية، غدير السلطان، التي تحظى بأكثر من مليوني متابع على إنستغرام “الحياة أصبحت عبارة عن عمل دائم وكل ذلك لإرضاء الناس، إلا أن الناس غاية لا تدرك”.
ترى غدير أن عفويتها وصراحتها هما السبب وراء متابعة الناس لها، ويتفق على ذلك العديد من الخبراء الذين يرون أن أبرز ما يميز المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي هو قربهم من الناس ومصداقيتهم على عكس غيرهم من المشاهير
يبدو أن قرب المؤثر من متابعيه ومشاركته لأدق تفاصيل يومه معهم يؤتي بثماره فعلا، فعند تصفح حسابات العديد من صانعي المحتوى العرب، قد تجد مقاطع فيديو بعناوين مثل “ارتديت اللون الأحمر ليوم كامل” أو “عملت في صالون حلاقة” أو حتى “يوتوبرز شباب قرروا أن يتزوجونني “، تحظى بآلاف المشاهدات والتعليقات والإعجابات وما إلى هنالك.
عناوين بسيطة وأحداث يمر بها معظم الناس وقد لا يعيرونها أية أهمية في الحياة الواقعية، إلا أن هذه الأمور تحمل كما يبدو وقعا مختلفا في نفوس رواد مواقع التواصل الاجتماعي عندما يشاركها المؤثر الذي يتابعونه، ومما لا شك فيه أن ظاهرة المؤثرين فرضت نفسها على جيل كامل يرى المؤثرين والمؤثرات كنجوم ويطمح أن يكون مثلهم، فبمجرد كتابة كلمة “إنفلونسر” على محركات البحث ستجد عددا غير محدود من النتائج التي ترشدك إلى “7 خطوات كي تصبح إنفلونسر” و”كيف تصبح إنفلونسر على السوشيال ميديا” وغيرها
اترك تعليقاً