” ماتزرعه وما تحصده ” بقلمي / زينب مدكور عبد العزيز
إنه في هذا اليوم وأثناء عودتي من العمل في الساعه الثانية ظهرا وبعد أن تذوقت معني العمل وكيفية تحمل المسئولية والحفاظ على حقوق الآخرين ومعاملة الجمهور بكل حب وتواضع وكأننا أسرة واحدة أُرحب وأدعو بالشفاء للجميع ،
وأسعى معهم لتلبية احتياجاتهم ، ثم تستمع أذني إلى جمال دعائهم ونظرتهم المليئة بالبهجة والفرح والدعاء من القلب نظرا لما قدمته لهم من مساعدة بسيطة والتي هي في الأساس عملي وما وجب عليَ وعلى الجميع .
فما أعظمها وأقيمها من نعمة ، نعمة حب الناس واحترامها ودعوتهم الخارجة بصدق لكل من حتى يبتسم في وجوههم وفقط ، إنها الروح الطيبة النابعة من مرور الزمن بخيره وفضله وحتي ألمه عليهم .
الخير الذي يملئ وجوه من نقابلهم مِن مَن أخذت منهم الحياة والزمن والسنوات الماضية لهم كل ماهو جميل لديهم من شباب وصحة وعمل وإخلاص لما كانوا يقدمونه لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم . هذه الوجوه التي عندما أنظر لها تُملأ عيني بالدموع ،
أنظر لهم وكأن قلبي كان منهم ومعهم في حيواتهم السابقة وكأني أنا من عفا عليها الزمن وقدمت كل ما قدموه حتى وصلت لتلك المرحلة من حياتهم التى فيها ينتظرون كل نظرة من الأمل والحياة والأمان الذين قدموه لغيرهم في شبابهم ولأسرهم ومجتمعهم ، ينتظرون الروح الجميلة والعين التي تدمع فقط لإرضائهم وتقديم الحب لهم وكأنها تقول لهم لا تحزنوا فنحن معكم ننظر الى قلوبكم وننتظر إشارة منكم كي لا نجعلكم تشعرون بمرور السنوات عليكم فأنتم كنتم وما زلتم لنا الخير والحب ،
وبمرور كل هذه السنوات أيضا مازلتم تعطونا بركاتكم التى تكمل لنا حياتنا بجميل وروعة دعواتكم التى نحن من دونها لا شئ .
ومع كل هذا وكل ما أشعر به تجاه هؤلاء المليئين بكل الخير والحب والحنان والبركة قابلت هذا الوجه وهذا الحب وهذا الخير وأخيرا كل البركة التى شعرت من خلال نظرتي لعينيها والحضن والدفء عندما عانقتها أن الخير كله آتِ من خلال بركة حياتها ودعوتها المليئة بالصدق فكل تلك التجاعيد التى يراها البعض وينظرها بنظرات غير لائقة وكأنها شئ يُشعِر صاحبه بالخزي ، أراها أنا رمز للتضحية والعطاء والخير والبركة والصبر والتحمل أراها أكثر مما أقول عنها أراها شموخ وقوة وعظمة ودليل الصمود أراها رمز وفخر بل وأكثر
فعندما جلست أمامها ونظرت إلى كل تفاصيلها واستمعت إلى قصصها وأقوالها ، لفتني حنيني وحبي لزمنها إلى أيامها وأوقاتها التى كانت فيها تغدو فراشة ونجمة لحياتها
شعرت وأن الخير فينا من حبهم والحب فينا من حنانهم والصبر فينا من تحملهم وكتمانهم والعظمة التى نفخر بها منهم أتت من صمودهم ، فهم نحن ومن قبلهم سنواتهم .
انتظرت طويلاً لأجلس هكذا وأستمع لمثل هذه الكلمات ، كلمات أردت في تلك اللحظة أن يتوقف الوقت والساعة كي أستمتع بروايتها وجمال النظر لتلك التجاعيد التى وبرغم عدم أمنيتي أن أعيش لوقتها ولكني شعرت أنه كلما مر الزمن والسنين يطيح بهم النسيان وأنهم يشعرون به من أقرب الناس إليهم فعندما كانت تنظر إلى وكأنها تقول لي لقد عادت إليَ روحي وهذا الاهتمام من وجه جميل مثل وجهك أعادني لهذا الإحساس الجميل وأنني مازلت محبوبا في تلك الحياة ودعوتها كانت بمثابة بلسم لقلبي كما لو كنت أنا من شفي جرحها بالجلوس معها وكأنني كنت أنا من تمنيت هذا اللقاء لأشعر بوجودي الذي كان منهم وبهم ،
تلك الشيخوخة والوجوه التى مر عليها الزمن بتعاليمهم وخبرتهم وصدقهم .
فالكثير منا يميلون إلى التخلص من الشيخوخة عن طريق إخفاء التجاعيد والتظاهر بأنهم صغار السن طوال الوقت ، ولا يعلمون أن هؤلاء من يضعف أجسادهم بالشيخوخة تقوي عقولهم وتمتلئ بالخبرة الكافية لتحمينا حتى من أنفسنا ،
تمتلئ قلوبهم بالخير والبركة الذين كانوا يكتسبونها من أجدادهم لتصل إلينا ونعطيها لمن هم بعدنا .
فرفقا بكبار السن فهم دائما بحاجة إلى التدليل ، والهدوء ، والعناية ، والوداعة ، والرحمة ، والصبر ، واليقظة ، والتضحية .
فقد فقدوا الكثير من حيوية الشباب ، وصحة الجسد ، وإشراق الشخصية ، وروعة المكانة ، وضجيج الحياة ، وصخب العالم !! فقد فقدوا والديهم والعديد من الأصدقاء ، وأصيبت قلوبهم بجروح وتحملت أرواحهم الكثير من الأحزان. فلم يعودوا محط اهتمام المنازل والعائلات كما كانوا من قبل ، لذا كن حذرًا ولا تكن غبيًا ; قد يتكئون ولا ينامون ، وقد يأكلون ولا يهضمون ، وقد يضحكون ولا يسعدون ، وقد يخفون دموعهم تحت ابتساماتهم ، والابتعاد عنهم يؤلمهم وانشغالكم بهاتفكم في وجودهم . إنهم بحاجة إلى شخص يستمع إلى محادثتهم ، ويكون مرتاحًا لكلماتهم ، ويظهر راضياً عن وجودهم ، وهم أكثر أهمية من الأطفال لرعايتهم ، ومعاملتهم بشكل جيد ، ويشعرون أن احتياجاتهم تتجاوز الطعام ، الملابس ، الأدوية ، والأهم من ذلك … إنهم بحاجة إلى ابتسامة على وجوههم ، وكلمة لطيفة في آذانهم ، ويد لطيفة تصل إلى أفواههم .
لقد أصبحوا كبار السن الآن وسيذهبون ، وقريباً ستكون أنت هذا المسن أيضًا
_ لذا انظر ما أنت صانع وما أنت زارع الآن لأنه سيعود عليك عند الكِبَر
اترك تعليقاً