نسائم الإيمان ومع الإمام الترمذى

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم ، وأن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلي الله عز وجل والعمل بما عملوا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به ، وأن العلم يرافق صاحبه حتى في قبره والمال يفارقه بعد موته إلا ما كان من صدقة جارية .

فالإمام الترمذى هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك ، وقيل هو محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن ، وقيل هو محمد بن عيسى بن سورة بن شداد بن عيسى السلمي الترمذي الضرير ، وقد ولد مطلع القرن الثالث الهجري في ذي الحجة سنة تسعٍ ومائتين من الهجرة، في بلاد ما وراء النهر أى نهر جيحون .

فى أرض علماء الحديث المشهورين محمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج النيسابوري والإمام الترمذي وبالضبط في قرية من قرى مدينة ترمذ تسمى بوغ ، وقد رحل الترمذي في طلب العلم، فذهب إلى خراسان والعراق ومكة والمدينة .

ويعد الإمام الترمذي من خواص تلامذة البخاري، وقد شهد له العلماء بالعلم والحفظ والإتقان والنقد والمعرفة والمعرفة لعللّ الأحاديث وبالديانة والعبادة والورع والزهد، حتى إنّه لغلبة الخوف والخشية عليه كفّ بصره وضرّ في آخر عمره من كثرة بكائه من خشية الله تعالى .

وقال الحافظ أبو سعيد الإدريسي عن الترمذي: هو أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن، وكان يضرب به المثل في الحفظ ، وقيل أنه مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ، والورع والزهد، بكى حتى عمِي، وبقي ضريرا سنين .

وكان جَده سورة مروزيا نسبة إلى مرو، ثم انتقل هذا الجد أيام الليث بن سيار إلى بوغ، أما السلمي فهو نسبة إلى بني سليم، قبيلة من غيلان ، وقد عاش الترمذي للحديث، ورحل إليه حيثما كان، فأخذ العلم وسمع من الخراسانيين والعراقيين والحجازيين .

وقيل أن الترمذي الحافظ المشهور، هوأحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، وقد صنّف كتاب الجامع والعلل تصنيف رجل متقن، وبه كان يُضرب المثل، وهو تلميذ أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه، مثل: قتيبة بن سعيد، وعلي بن حُجر، وابن بشار، وغيرهم .

وهو تلميذ إمام المحدثين الإمام البخاري ، وتأثر به أشد التأثر، ولا سيما في فقه الحديث، وناظره، وناقشه ، وكان الإمام الترمذي يحب العلم والارتحال إليه، ومجالسة العلماء، فجاب البلاد يجلس إلى العلماء، وينهل من علومهم المتنوعة.

وعاش أبو عيسى لتحصيل الحديث، وشد الرحال إليه أينما كان، واشترك الترمذي مع أقرانه الخمسة أصحاب الكتب المعتمدة، وهم الإمام البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه في تلقي العلم على يد تسعة شيوخ، وهم: محمد بن بشار بن بندار .

ومحمد بن المثنى، وزياد بن يحيى الحساني، وعباس بن عبد العظيم العنبري، وأبو سعيد الأشح عبد الله بن سعيد الكندي، وعمرو بن علي القلانسي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن معمر القيسي، ونصر بن علي الجهضمي.

ومن شيوخه أيضًا الذين أخذ عنهم العلم هم الهيثم بن كليب الشاشي صاحب المسند، ومحمد بن محبوب المحبوبي راوي الجامع عنه، ومحمد بن المنذر بن شكر ، ومن مؤلفات الإمام الترمذي هو كتاب الجامع للسنن ، وكتاب العلل الصغرى ، وهو من ضمن كتاب الجامع، فهو مدخل له وجزء منه، وبيان لمنهجه.

وقد نهل العلماء والفقهاء من جامعه هذا، وذاعت شهرته به ، وقد قال الترمذي عنه: “صنَّفت هذا المسند الصحيح وعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبيّ ينطق .

ويعدّ كتاب السنن للإمام الترمذي من أهمّ كتب الحديث التي اعتنت بجمع أحاديث الأحكام كما فعل أبو داود، لكنّه بيّن الحديث الصحيح من الحسن؛ وقد عني بجمع أحاديث الأحكام كما فعل أبو داود، إلّا أنّه بيّن الحديث الصحيح من الضعيف، وذكر مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار .

ويقول الشوكاني مثنيـًا على سنن الترمذي: “كتاب الترمذي أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحكمها ترتيبـًا، وأقلها تكرارًا، وفيه ما ليس في غيره من المذاهب ووجوه الاستدلال، والإشارة إلى ما في الباب من الأحاديث، وتبيين أنواع الحديث: من الصحة والحسن والغرابة والضعف، وفيه جرح وتعديل .

ومن أحسن شروحه المطبوعة الكاملة ، كتاب”عارضة الأحوذي للقاضي أبي بكر بن العربي” وكتاب “تحفة الأحوذي للحافظ المباركفوري”، وكتاب “معالم السنن للإمام الخطّابي ، وقد تميز جامع الترمذي بأنه وضع فيه مصنفه قواعد التحديث، وكانت في غاية الدقة، وقد جعلها تحت عنوان كتاب العلل ، بحيث أدرجت ضمن أبواب الجامع.

وقد ذكر الترمذي في أول كتاب الجامع أن الذي حمله على تسطير هذا المنهج في الجامع من العناية بأقوال الفقهاء وقواعد التحديث وعلله، أنه رأى الحاجة إلى ذلك شديدة، ولأجل هذا الهدف أراد أن يسلك مسلك المتقدمين، وذلك بأن يزيد ما لم يسبقه إليه غيره ابتغاءَ ثواب الله عز وجل.

ومن مزايا الجامع وخصائصه الفريدة التي امتاز بها، أنه يحكم على درجة الحديث بالصحة والحسن والغرابة والضعف على حسب حالة الحديث؛ فيقول بعد إيراد الحديث: حسن صحيح، أو حسن صحيح غريب ، وقد يقول: هذا حديث حسن غريب من حديث فلان ، وهذا يعني أن الغرابة في الإسناد، وإن كان للحديث روايات أخرى ليست غريبة .

فإذا لم ترد طرق أخرى يقول: غريب لا نعرفه من غير هذا الوجه. وإذا كان في الحديث علة بيَّنها، فنراه يقول: هذا الحديث مرسل ، لأن فلانا تابعي، فهو لم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن فلانا لم يروِ عن فلان، إذ لم يثبت له لُقيّا معه.

ولقد قال أبو يعلى الخليل بن عبد الله في كتابه علوم الحديث: “محمد بن عيسى بن سورة بن شداد الحافظ متفق عليه، له كتاب في السنن، وكتاب في الجرح والتعديل، روى عنه أبو محبوب والأَجلاء، وهو مشهور بالأمانة والإمامة والعلم .

وقال ابن الأثير: كان الترمذي إماما حافظا، له تصانيف حسنة، منها الجامع الكبير، وهو أحسن الكتب” وقال الإمام الذهبي: “الحافظ العالم، صاحب الجامع، ثقة، مجمع عليه” وقال عنه ابن العماد الحنبلي: كان مُبرزا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان ، وقال عنه الإمام السمعاني: هو إمام عصره بلا مدافعة .

وكان الترمذى يعتني كل العناية في كتابه بتحليل الحديث، فيذكر درجته من الصحة أو الضعف، ويفصل القول في التعليل والرجال تفصيلا جيدا ، ولذلك صار كتابه هذا كأنه تطبيق عملي لقواعد علوم الحديث، خصوصا علم العلل، وصار أنفع كتاب للعالم والمتعلم، وللمستفيد والباحث، في علوم الحديث .

وقد توفى الإمام الترمذي رحمه الله ببلدته بُوغ ، في رجب سنة مائتان وتسعه وسبعون من الهجره ، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل، وقد أصبح الترمذي ضريرا في آخر عمره، بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر وصنّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *