نسائم الإيمان ومع السيده نفيسه

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

السيدة نفيسة الطاهرة البارة كريمة الدارين الورعة سليلة أل بيت النبوة ، هي بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و ابن فاطمة الزهراء البتول ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمها السيدة أم ولد.

ولدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة 11 من ربيع الأول سنة 145 هجرية ، وقد فرحت أمها بمولودتها، ومما زاد في سرور الحسن الأنور أنها قريبة الشبه بأخته السيدة نفيسة بنت زيد رضي الله عنها، وهي التي تزوج بها الخليفة الوليد بن عبد الملك.

ولما سمع الحاضرون من صفوة الأخيار وصالحي المريدين نبأ ولادة مولوة للحسن الأنور، قاموا وهنّأوه بتحقيق أمله، واستجابة دعائه ، فشكر لهم ، ثم رفع يديه إلى السماء، وبسط كفيه بالدعاء والرجاء قائلا: “اللهم انبتها نباتًا حسنًا، وتقبلها قبولا حسنًا طيبًا، واجعلها من عبادك الصالحين، وأوليائك المقرّبين الذين تحبهم، ويحبونك.

ونشأت بالمدينة المنورة وحفظت القرآن الكريم و تفقهت في الدين وربيت على الصلاح والتقوى وقد تزوجها ابن عمها اسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء البتول ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ونشأت السيدة نفيسة في جو يسوده العلم والورع والتقوى، في وسط يزخر بالعلماء والعبّاد والزهّاد ، فقرأت القرآن وحفظته، ودرست العلم ووعته، وسمعت مسائل الحديث والفقه ففهمتها ، وكانت رضي الله عنها مُجابة الدعوة، أظمأت نهارها بالصيام، وأقامت ليلها بالقيام، عرفت الحق فوقفت عنده والتزمت به، وعرفت الباطل فأنكرته واجتنبته، واجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة .

فهي حفيدة الحسن و زوجها حفيد الحسن و الحسين (رضي الله عنهم) و يلقب زوجها اسحاق المؤتمن لكثرة أمانته و قوة ايمانه ، وحجت السيدة نفيسة 30حجة وأكثرها وهي تمشي على أقدامها ، ويروى أنه قبل زواجها تقدم اليها سيدنا اسحاق يخطبها من والدها فصمت والدها ولم يرد عليه جوابا فقام اسحاق من عنده ودخل الحجرة النبوية الشريفة وتوجه الى النبي وقال بعد السلام يا رسول الله اني خطبت نفيسة بنت الحسن من أبيها فلم يرد جوابا وانني لم أخطبها الا لخيرها ودينها وعبادتها ثم خرج من الحجرة النبوية الشريفة

فرأى والدها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام و قال له (يا حسن زوج ابنتك نفيسة لإسحاق المؤتمن) وبزواجهما اجتمع في بيتها نوران، نور الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، فالسيدة نفيسة جدها الإمام الحسن وإسحق المؤتمن جده الإمام الحسين رضي الله عنهما.

وكان كلما نزل بالناس أمرا جاؤا الى السيدة نفيسة وسألوها الدعاء فتدعوا لهم فيكشف الله عنهم ما نزل بهم وكانوا يزدحمون عندها فلما رأى ذلك زوجها قال:نرجع الى الحجاز فقالت لا أستطيع لأن الرسول قال لي في المنام لا ترحلي من مصر فإن الله متوفيك فيها.

وقد وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت 26 رمضان 193 هجرية قبل أن يأتي إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات، ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى “أم هانئ” وكانت دارًا واسعة ، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: ” إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى ” .

ففزع الناس لقولها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخَّل الوالي السري بن الحكم وقال لها: ” يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشكين منه ” ووهبها دارًا واسعة، ثم حدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.

ولمَّا وفد الإمام الشافعي إلى مصر، وتوثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان، ويعتبر الإمام الشافعي أكثر العلماء جلوساً إليها وأخذاً عنها، في الوقت الذي بلغ فيه من الإمامة في الفقه مكاناً عظيماً، فقد كان يعتبر مجلسه في دارها مجلس تعلم عنها، ومجلسه في مسجد الفسطاط مجلس تعليم الناس.

وكان الإمام الشافعى في زمانها إذا مرض يرسل لها ليسألها الدعاء فلا يرجع الرسول إلا وقد شفى الشافعي من مرضه، فلما مرض مرضه الذى مات فيه أرسل للسيدة نفيسة يسألها الدعاء كعادته فقالت: متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم، فعلم الشافعى بدنو أجله.

وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة إلى دارها فصلت عليه مأمومه بالامام يعقوب البويطى ، حين وفاته عام 204 هجرية تنفيذاً لوصيته ، وكان لها دخل كبير في حضور الامام الشافعى إلى مصر ولهذا كان يكثر زيارتها والتلقى عنها وفى صحبته عبد الله بن الحكم وكان يصلى بها في مسجد بيتها وخصوصا تراويح رمضان وكانت تقدره ، وتمده بما يعينه على اداء رسالته العلميه الكبرى .

ولما مات الشافعى في رجب سنه 204 هجريه حملوه ودعت له وشهدت فيه خير الشهاده وقالت عنه عبارتها العجيبه المشهوره ” رحم الله الشافعى فقد كان يحسن الوضوء ” وقد حزنت على وفاته حزنا كبيرا .

وكان لأخيها يحيى بنت واحدة اسمها زينب ، انقطعت لخدمة عمتها، تقول: لقد خدمت عمتي نفيسة أربعين سنة، فما رأيتها نامت بليل أو أفطرت بنهار، إلا في العيد وأيام التشريق وتقول: كانت عمتي تحفظ القرآن وتفسّره وتقرأه وتبكي ، وهكذا عاشت في مصر معزّزة مكرّمة، ينتهل من نمير علومها أهالي مصر.

وهكذا ما أن حلّ عام 208هـجريه ولم تكد تدخل سنتها الرابعة والستين ، حتى أحست بدنو أجلها، فكتبت إلى زوجها تطلب حضوره ، وكانت السيدة نفيسة صائمة كعادتها، فألحوا عليها أن تفطر رفقًا بها، فرفضت فانصرف الأطباء، وقد شدّهم الإعجاب بقوة يقينها وثبات دينها، فسألوها الدعاء، فقالت لهم خيراً ودعت لهم.

وشاءت السيدة نفيسة أن تختم حياتها بتلاوة القرآن وبينما كانت تتلو سورة الأنعام، حتى إذا بلغت آية : (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) غشي عليها ، وتقول زينب ، بنت أخيها ، فضممتها إلى صدري، فتشهدت شهادة الحق، وصعدت روحها إلى باريها في السماء.

ولما فاضت روحها أراد زوجها أن ينقلها إلى البقيع عند جدها عليه الصلاة والسلام ولكن أهل مصر تمسكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأبى ولكنه رأى في منامه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، يأمر بذلك فدفنها في قبرها الذي حفرته بنفسها في مصر ، ويقول ” يا اسحاق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *