نسائم الإيمان ومع الصحابى أبو أيوب الأنصارى

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد بن كليب بن مالك بن النجار، وهو معروف باسمه وكنيته وأمه هند بنت سعيد بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج من السابقين ، وأسلم أبو أيوب قبل هجرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وشهد العقبة ،وحينما قدم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بركت ناقته عند دار أبي أيوب الأنصاري، فكانت أول دار يسكنها النبي بعد هجرته إلى المدينة، وكانت وفاته رضي الله عنه في سنة خمسين للهجرة .

وعندما قدم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم المدينة وكان يوم الجمعة، وسار وسط جموع المسلمين وكل منهم يريد أن أن ينزل الرسول الكريم عنده، فيجيبهم باسما شاكرا لهم: ” خلوا سبيلها ، أى يقصد ناقته ، فإنها مأمورة ” حتى وصلت إلى دار بني مالك بن النجار فبركت، فلم ينزل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فوثبت الناقة ثانية، فسارت غير بعيد ثم التفتت إلى خلفها فرجعت وبركت مكانها الأول .

فنزل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتقدم أبو أيوب الأنصاري وحمل رحل الرسول صلى الله عليه وسلم فوضعه في بيته، فأقام الرسول الكريم في بيت أبي أيوب الأنصاري حتى بني له مسجده ومسكنه ، وحين نزل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بيت أبي أيوب الأنصاري نزل في السفل، وأبو أيوب في العلو، فأهريق ماء في الغرفة .

فقام أبو أيوب وأم أيوب بقطيفة لهم يتتبعون الماء شفقا أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدها أبو أيوب لعظيمة فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل ” وألح على الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى قبل.

وكان أبو أيوب الأنصاري محبا للنبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وكان يخشى عليه من أن يناله أحد بسوء، فحدث مرة أن أعرس النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيى، فبات أبو أيوب على بابه مشتملا سيفه، وحينما أصبح النبي كبر فسأله النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فبيّن له أنه فعل ذلك خشية عليه من أن يلحقه سوء أو أذى من زوجته صفيه ، لأنها حديثة عهد بعرس، وقتل النبي قبل ذلك أبوها وأخوها وزوجها فلم يأمنها عليه .

وقد آخى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بينه وبين الصحابي مصعب بن عمير، وكان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب ومن خاصته، فقد شهد مع علي موقعة الجمل وصفين، وكان على مقدمته يوم النهروان، وقيل إنه لم يشهد صفين، ولكن شهد النهروان ، وقد لزم أبو أيوب الجهاد، ولم يتخلف عن الجهاد إلا عاما واحدا، فإنه استعمل على الجيش رجل شاب، فقعد ذلك العام، فجعل بعد ذلك يتلهف ويقول: وما علي من استعمل علي؟

وكان أبو أيوب الأنصاري من الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر، فقد روي عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: ” إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله يغنمناها؟ فقلنا: “نعم”، فخرج وخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا: “ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم “، فقلنا: “لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم ولكنا أردنا العير”، ثم قال: ” ترون في قتال القوم؟

فقلنا مثل ذلك ، فقام المقداد بن عمرو فقال: “إنا لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى ” اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ” قال: فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا مثل ما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم، فأنزل الله عز وجل على رسوله: ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون )

وحدث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فقال: خرج أبو بكر الصديق رضى الله عنه في الهاجرة ،يعني نصف النهار في شدة الحر ، فرآه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقال: يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع ، فقال عمر: وأنا والله ما أخرجني غير ذلك ، فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

فقال: “ما أخرجكما هذه الساعة؟” قالا: والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من شدة الجوع فقال صلى الله عليه وسلم “وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غير ذلك ، قوما معي فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضى الله عنه “.

وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كل يوم طعاما ، فإذا لم يأت أطعمه لأهله ، فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب ، وقالت: مرحبا بنبي الله ومن معه ، فقال رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “أين أبو أيوب؟” فسمع أبو أيوب صوت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

وكان يعمل في نخل قريب له فأقبل يسرع وهو يقول: مرحبا برسول الله وبمن معه ، ثم قال: يا رسول الله ليس هذا بالوقت الذي كنت تجيء فيه فقال: “صدقت” ثم انطلق أبو أيوب إلى نخيله فقطع منه عذقا فيه تمر ورطب وبسر .

وقال: يا رسول الله كل من هذا وسأذبح لك أيضا ، فقال: “إن ذبحت فلا تذبحن ذات لبن” وقدم الطعام إلى رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأخذ منه رسول الله قطعة من لحم الجدي ووضعها في رغيف وقال: “يا أبا أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة الزهراء فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام” فلما أكلوا وشبعوا قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ، ودمعت عيناه ، ثم قال: والذي نفسي بيده هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة”,

وبعد الطعام قال رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب: “ائتنا غدا” وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لا يصنع له أحد معروفا إلا أحب أن يجازيه فلما كان الغد ذهب أبو أيوب إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فأهداه جارية صغيرة تخدمه وقال له: استوص بها خيرا .

وعاد أبو أيوب إلى زوجته ومعه الجارية وقال لزوجته: هذه هدية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ولقد أوصانا بها خيرا وأن نكرمها فقالت أم أيوب: وكيف تصنع بها خيرا لتنفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: أفضل شيء أن نعتقها ابتغاء وجه الله وقد كان.

وكان لأابى أيوب الموقف فى حادثة الإفك مع السيده عائشه رضى الله عنها ، فخلال حادثة الإفك ، قالت أم أيوب لأبي أيوب الأنصاري ، ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال ،بلى وذلك كذب ، فقال أفكنتِ يا أم أيوب فاعلة ذلك ؟ قالت لا والله ، قال فعائشة والله خير منك ، فلما نزل القرآن الكريم وذكر أهل الإفك ، فقال الله تعالى ( لولا إذ سمعتُموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ، وقالوا هذا إفك مبين ) .

وقد عاش أبو أيوب حياته غازيا حتى قيل: إنه لم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون في عهد رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ظل جنديا في ساحات الجهاد ،وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية جيشا بقيادة ابنه يزيد لفتح القسطنطينية وكان أبو أيوب وقتها بلغ عمره ثمانين سنة .

ولم يمنعه كبر سنه من أن يقاتل في سبيل الله ، ولكن في الطريق مرض مرضا أقعده عن مواصلة القتال وكانت آخر وصاياه أن أمر الجنود أن يقاتلوا وأن يحملوه معهم وأن يدفنوه عند أسوار القسطنطينية ولفظ أنفاسه الأخيرة وهناك حفروا له قبرا ودفنوه فيه .

وأمر يزيد بالخيل فجعلت تقبل وتدبر على قبره، حتى عفا أثر القبر، وقبره هنالك يستسقي به الروم إذا قحطوا ، وقيل إن الروم قالت للمسلمين في صبيحة دفنهم لأبي أيوب: لقد كان لكم الليلة شأن، قالوا: هذا رجل من أكابر أصحاب نبينا وأقدمهم إسلاما، وقد دفناه حيث رأيتم، ووالله لئن نبش لا ضرب لكم بناقوس في أرض العرب ما كانت لنا مملكة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *