نسائم الإيمان ومع سعد بن عباده

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن النعمان بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وهو سعد بن عبادة الأنصاري الساعدي الخزرجي أبو ثابت، وقيل أبو قيس ، زعيم الخزرج قبل الإسلام ، وهو صحابي أسلم مبكرا، وشهد بيعة العقبة، وعاش إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولعل سعد بن عبادة ينفرد بين الأنصار جميعا بأنه حمل نصيبه من تعذيب قريش الذي كانت تنزله بالمسلمين في مكة.

وكانت أمه عمرة بنت مسعود من المبايعات، وقد توفيت بالمدينة في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سنة خمس من الهجره ، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكان يحسن العوم والرمي ، ولذلك أطلق عليه وسُمي الكامل.

وكانت من الصفات التي اشتهر بها سعد بن عباده رضي الله عنه هى الغيرة ، فقد اشتهر سعد رضي الله عنه بالغيرة حتى كان لا يتزوج من النساء إلا بكراً، ولا يطلّق امرأة ، وأيضا الجود والكرم ، فقد عرف سعد بن عبادة بالجود والسخاء حتى أنه كان يهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام جفنة فيها ثريد اللحم، فكانت تلك الجفنة تدور مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه.

وكانت من صفاته الثبات على الرأي ، فقد ثبت سعد بن عبادة رضي الله عنه على رأيه يوم السقيفة، وذلك أن الأنصار همّوا أن يبايعوه ولكن انتهت مشاورات المسلمين إلى اجتماعهم على مبايعة أبي بكر الصديق، فظل ثابتاً على موقفه ولم يبايع حتى مات ، وكانت من صفاته أيضا الشجاعة والإقدام .

ودلَ على هذه الصفة موقفه يوم بدر حينما أشار النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام على الناس فتقدّم سعد بن عبادة ليتكلم بعد أن أدرك أن النبي إنما يريد رأي الأنصار فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكباد الإبل الغماد لفعلنا.

وبعد أن تمت بيعة العقبة سرا، وأصبح الأنصار يتهيئون للسفر، علمت قريش بما كان من مبايعة الأنصار واتفاقهم مع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة حيث يقفون معه ومن ورائه ، جنّ جنون قريش فراحت تطارد الركب المسافر حتى أدركت من رجاله سعد بن عبادة فأخذه المشركون، وربطوا يديه إلى عنقه بشراك رحله وعادوا به إلى مكة، حيث احتشدوا حوله يضربونه وينزلون به ما شاءوا من العذاب.

وبعد أن هاجر رسول الله إلى المدينة، سخر سعد أمواله لخدمة المهاجرين ، وكان سعد جوادا بالفطرة وبالوراثة فهو ابن عبادة بن دليم بن حارثة الذي كانت شهرة جوده في الجاهلية أوسع من كل شهرة ، ولقد صار جود سعد في الإسلام آية من آيات إيمانه، فقد قال الرواة عن جوده هذا: ” كانت جفنة سعد تدور مع النبي في بيوته جميعا “.

وقالوا: ” كان الرجل من الأنصار ينطلق إلى داره، بالواحد من المهاجرين، أو بالاثنين، أو بالثلاثة ، وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثمانين ” من أجل هذا، كان سعد يسأل ربه دائما المزيد من خيره ورزقه وكان يقول: ” اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه ” ومن أجل هذا كان خليقا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ” اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة “.

ولم يضع سعد ثروته وحدها في خدمة الإسلام، بل وضع قوته ومهارته. فقد كان يجيد الرمي، وفي غزواته مع رسول الله كانت فدائيته حازمة وحاسمة ، ويقول ابن عباس: ” كان لرسول الله في المواطن كلها رايتان، مع علي بن أبي طالب راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار “.

وشهد سعد بن عباده بيعة العقبة مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثني عشر ، وكان سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة لما أسلموا يكسرون أصنام بني ساعدة ، ولما أُصيب زيد بن حارثة أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتحب، فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: “هذا شوق الحبيب إلى حبيبه”.

ويقول عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فقال: “قد قضي؟” قالوا: لا، يا رسول الله ، فبكى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا، فقال: “ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ، وأشار إلى لسانه ، أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه”.

وعن قيس بن سعد أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة” وروى أبو يعلى من حديث جابر قال: قال رسول الله : “جزى الله الأنصار خيرا، لا سيما عبد الله بن حرام وسعد بن عبادة”.رواه أبو داود

وبعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، والتفوا حول سعد بن عبادة منادين بأن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الأنصار، ولكن عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح رأيا أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه أحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال: ” فداك أبي وأمي، ما أطيبك حيا وميتا مات محمد ورب الكعبة ” فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا ذكره .

وقال : ” لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار وادياً، سلكت وادي الأنصار ” ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: ” قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم “، فقال له سعد: ” صدقت نحن الوزراء وأنت الأمراء “. رواه احمد

وقيل بان سعد بن عبادة رضي الله عنه لم يبايع ابا بكر وعمر رضي الله عنهما حتى مات وقال: لا اُبايع قرشياً أبداً وفي رواية اخرى انه قال : لا، والله لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي، وأقاتلكم بمن معي .

وقيل أن سعد بن عبادة تخلف عن بيعة أبي بكر، وخرج من المدينة، ولم ينصرف إليها إلى أن مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة عمر، وذلك سنة خمس عشرة ، وقيل سنة أربع عشرة ، وقيل: بل مات سعد بن عبادة في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة.

وقال ابن عبد البر عن سعد بن عبادة: وقالوا أنه وجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا: قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده ، ويقال إن الجن قتلته.

وروى ابن جريج عن عطاء قال: سمعت الجن قالت: قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده ، وقال ابن الأثير: فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام ، وقال ابن سيرين: بينما سعد يبول قائما إذ اتكأ فمات، قتلته الجن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *