نسائم الإيمان ونبذه عن حياة هند بنت عتبه

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

لقد اعتنى الإسلام بالمرأة، وبيّن ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية، أما الصحابية فتختلف عن غيرها، فقد شهدت عصر النبوة، وآمنت بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان للمرأة تأثيرٌ ملحوظٌ في انتشار الإسلام، فالصحابية ذات دور محوري في المجتمع المسلم ، فهنّ القدوة للنساء وقد تفوقنّ عن غيرهن من النساء في استيعاب الأحكام والتشريعات وفهمها، وقد كان للفهم الأصيل لقواعد الإسلام الأثر البارز في ذلك .

وقد لعبت الصحابية دورًا مشرفًا في المشاركة بالغزوات والوقوف في وجه الشدائد، وذلك من خلال الصدقات، ومساعدة الأسر المحتاجة، وتربية بنات جنسها، والتطبيب، وغير ذلك.

ونتكلم عن الصحابية الجليلة هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشميه، أبوها عتبة سيد من سادات قريش، سيد قومه ، وعرف بحكمته وسداد رأيه ، وهى إحدى نساء العرب اللاتي كان لهم شهرة عالية قبل الإسلام وبعده ، وأمها صفية بنت امية وكانت شاعرة .

وقد رأيت هند بنت عتبه رؤيه فى النوم وتقول رأيت ثلاث ليال كأنى فى ظلمة لا أُبصر سهلا ولا جبلا، وأرى تلك الظلمة قد انفرجت عنى بضوء مكانه، فإذا رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم يدعوني.

ثم رأيت فى الليلة الثانية كأنى على طريق، فإذا بهُبل (أعظم أصنام قريش) عن يمينى يدعوني، وإذا إساف (أحد أصنام قريش، كانت تنحر عنده الذبائح) يدعونى عن يساري، وإذا برسول اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم ، بين يدي، يقول: ” تعالَي، هلمى إلى الطريق”.

ثم رأيت فى الليلة الثالثة كأنى واقفة على شفير جهنم، يريدون أن يدفعونى فيها، وإذا أنا بِهُبل يقول: ادخلى فيها. فالتفتُّ، فإذا رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم ، من ورائي، آخذ بثيابي، فتباعدتُ عن شفير جهنم، وفزعت فقلتُ: هذا شيء قد بُيِّن لي، فعدوتُ إلى صنم فى بيتنا، فجعلت أضربه وأقول: طالما كنت منك فى غرور ، وأتيتُ رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأسلمتُ وبايعته.

فهي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أم معاوية ، وكانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان الفاكه من فتيان قريش، فاتهمها بالفاحشة خطأً فطلقها، فأخبرت هند أباها أنه كاذب عليها، فحاكمه أبوها عتبة بن ربيعة إلى بعض كُهّان اليمن، فبرَّأها مما رماها به زوجها، وبشَّرها بأنها ستلد ملكًا يقال له معاوية.

فوثب إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنترت يدها من يده، وقالت له: إليك عنِّي، والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة، والله لأحرصَنَّ أن يكون هذا الملك من غيرك ، فتزوجها أبو سفيان بن حرب، فجاءت منه بمعاوية.

ولما التقى الناس في غزوة أُحد ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضن على القتال ، وفي يوم أُحد جعلت هند بنت عتبة النساء معها يجدعن أنوف المسلمين ويبقرن بطونهم ويقطعن الآذان إلا حنظلة ، فإن أباه كان من المشركين، وبقرت هند عن بطن حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها.

وأسلمت هند بنت عتبة رضي الله عنها ، يوم الفتح وحسن إسلامها، فلما بايع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم النساء وقال في البيعة: “ولا يسرقن ولا يزنين”. قالت هند رضي الله عنها: وهل تزني الحرة وتسرق؟ فلما قال: “ولا يقتلن أولادهن”. قالت: ربيناهم صغارًا وقتلتهم كبارًا. وشكت إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان أنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها، فقال لها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم “خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك”.

ولما أسلمت هند رضي الله عنها جعلت تضرب صنمًا لها في بيتها بالقَدُوم حتى فلذته فلذة فلذة، وتقول: كنا معك في غرور ، ويقول عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا رسول الله، ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء أحب إليَّ أن يذلوا من أهل أخبائك، ثم ما أصبح اليوم أهل أخباء أحب إليَّ من أن يَعِزُّوا من أهل أخبائك. قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم “وأيضًا، والذي نفس محمد بيده”.

وكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أمر بقتل هند بنت عتبة لما فعلت بحمزة، ولما كانت تؤذي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، فجاءت إليه النساء متخفية فأسلمت وكسرت كل صنم في بيتها، وقالت: لقد كنا منكم في غرور ، وأهدت إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم جديين، واعتذرت من قلة ولادة غنمها، فدعا لها بالبركة في غنمها فكثرت، فكانت تهب وتقول: هذا من بركة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فالحمد لله الذي هدانا للإسلام.

وتقول السيدة زينب بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لما قدم أبو العاص مكة، قال لي: تجهزي فالحقي بأبيك ، فخرجت أتجهز، فلقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا بنت محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت لها: ما أردت ذلك .

فقالت: أيْ بنت عم، لا تفعلي، إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك، فإن أردت سلعة بعتكها، أو قرضًا من نفقة أقرضتك ، فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت: فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل، فخفتها فكتمتها، وقلت: ما أريد ذلك.

وخرج أبو سفيان حتى إذا دخل مكة صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قِبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه وقالت: اقتلوا الحَمِيت الدَّسِم الأَحْمَس ” ومعناه أى وعاء الثمن وكثير اللحم”

فقال أبو سفيان: لا يغرَنَّكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم بما لا قِبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قالوا: قبحك الله ، وما تغني دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فتفرَّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

وقال معاوية بن أبي سفيان: لما كان عام الحديبية وصدت قريش رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن البيت، ودافعوه بالراح، وكتبوا بينهم القضية، وقع الإسلام في قلبي فذكرت ذلك لأمِّي هند بنت عتبة، فقالت: إياك أن تخالف أباك، وأن تقطع أمرًا دونه فيقطع عنك القوت ، وكان أبي يومئذٍ غائبًا في سوق حباشة.

وجاء عمر بن الخطاب إلى أبي سفيان، فإذا هند بنت عتبة رضي الله عنها امرأته تهيئ أُهُبه لها في المدينة، فقال: أين أبو سفيان؟ فقالت هند رضي الله عنها: ها هو ذا ، وكان في ناحية من البيت، فقال: احتسبا واصبرا ، فقالا: مَن يا أمير المؤمنين؟ قال: يزيد بن أبي سفيان ، فقالا: من استعملت على عمله؟ قال: معاوية بن أبي سفيان. قالا: وصلتك رحم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكانت هذه هي أخلاق هند فى إسلامها بعد أن فتح اللَّه قلبها للإيمان من بعد أن أغلقه الكفر، وجمده الشرك، فجعلها تُمثل بسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ثأرًا منه لأنه قتل يوم أحد أباها عتبة وعمها شيبة، وكانا كافرين ، إنها جاءت يوم أُحد مع جيش المشركين، وقد نذرتْ لئن قدرت على حمزة لتأكلنّ من كبده، فلما استشهد حمزة رضى الله عنه ، أمسكت بقطعة من كبده، وأخذتْ تمضغها لتأكلها فلم تستطع أن تبتلعها فلفظتها ، وسميت لذلك ، ( أكّالة الأكباد ) .

وكما شاركت الصحابية الجليلة هند بنت عتبة رضي الله عنها في الجهاد مع المسلمين في العديد من الوقائع ، كما كانت تخرج مع جيوش المسلمين تُحمِّسُهم لحرب الكفار، وقد شاركت في معركة اليرموك، وأخذت تشجّع المسلمين على محاربة الروم .

وقد كان لها دورٌ في تحصيل النصر في المعارك التي شاركت فيها ، سواء كان ذلك بالمشاركة الفعلية، أو من خلال التشجيع، وتوفيت هند بنت عتبة رضي الله عنها في السنة الرابعة عشرة من الهجرة النبوية بعد تاريخٍ حافلٍ يالبطولات، وصادف ذلك فترة خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *