نسائم الإيمان ووقفه فى حياة الخليفه هشام بن عبد الملك ( الجزء الثالث )

إعداد / محمــــد الدكـــرورى

وقيل أنه كان للخليفه هشام بن عبد الملك عشرة من الأولاد الذكور وبعض البنات، ويختلف المؤرخون في عددهم، فيذكر ابن حزم أن عددهم كان ستة عشر ولدا وبعض البنات، وقد حاول هشام أن يُحسن تربية أولاده فاختار لهم محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المحدث لتأديبهم، واختار هشام لأولاده أيضا، من يعلمهم اللغة والشعر، وكان يحضر أحيانا مجالس مؤدبيهم، وكان يعطي مؤدب ولده ألف درهم كل شهر، إلى جانب الكسوة والجوائز، وكان يوصي مؤدب ابنه أن يعلمه القرآن، ويروِه الأشعار، وأيام الناس، ويأخذه بعلم الفرائض والسنن.

وقيل: أوصاه أن يأخذ ولده بكتاب الله ويقريه في كل يوم عشر آيات ليحفظ القرآن، ويروه من الشعر أحسنه، ويتخلل به مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطرفا من الحلال والحرام والخطب، ويصله بأهل الفقه والدين، وبالرغم من ذلك فقد أساء بعض أبنائه السيرة، ولم يشتهر أحد منهم بعد سقوط الدولة الأموية عدا حفيده عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، مؤسس الدولة الأموية بالأندلس، وقيل أن هشام شتم ابنه محمد، لقيام أحد عبيده بضرب طفل نصراني، وكان قد اعتدى على أحد أولاد محمد، كما منع أحد أولاده من ركوب الدابة سنة، عقابا له على عدم حضوره لصلاة الجمعة بحُجة موت دابته.

وأنه ليس باستطاعته أن يحضر إلى المسجد ماشيا، وقد كان هشام يهتم بتصرفات أولاده ويرغب لهم أن تكون سمعتهم جيدة بين الناس، وتصلح أحوالهم مع ربهم ودينهم، ويتضح ذلك من اختياره لمؤدبهم، وتوليتهم مواسم الحج، وإجبارهم على حضور الجمعة، وكما كان هشام يُشركُ أولاده بالحروب، ويقلدهم قيادة جيوش الغزو وقد اشتهر منهم معاوية بن هشام، وقال عنه ابن حزم: قاد الصوائف عشر سنين، وقد شارك معاوية في قيادة الحملات الموجهة لغزو الروم زمن أبيه أكثر من عشر مرات، وقد شارك في قيادة حملات الغزو من أولاد هشام: سليمان، ومسلمة، وسعيد، ومحمد.

وقيل أنه قد حدثت في خلافته أن قحطت البادية، فقدمت عليه وفود العرب، فهابوا أن يكلموه وكان فيهم درواس بن حبيب وهو ابن ست عشرة سنة، ثم قال هشام لحاجبه: من أراد أن يدخل عليَ فليدخل فدخل حتى الصبيان، فوثب درواس حتى وقف بين يديه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إن للكلام طيًا ونشرا، وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن أَذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته، فأعجبه كلامه، وقال: انشره لله دَرُك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه أصابتنا سنون ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإن كان لله ففرقوها على عباده، وإن كانت لهم فلا تحسبوها عنهم.

وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين، قال هشام: ما ترك لنا الغلام واحدة من الثلاث عذرا، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له: أما لك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في نفسي دون عامة المسلمين، وكان هشام إذا صلى الغداة كان أول من يدخل عليه حرسه، فيخبره بما حدث في الليل، ثم يدخل عليه موليان له مع كل واحد منهما مصحف فيقعد أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره حتى يقرأ عليهما جزأه، ويدخل الحاجب فيقول: فلان بالباب، وفلان، وفلان، فيقول: ائذن، فلا يزال الناس يدخلون عليه، فإذا انتصف النهار وُضِع طعامُه، ورُفعت الستور.

ودخل الناس وأصحاب الحوائج وكاتبه جالس خلف ظهره، فيقول: أصحاب الحوائج، فيسألون حوائجهم، فيقول: لا، ونعم، والكاتب خلفه يوقع بما يقول: حتى إذا فرغ من طعامه وانصرف الناس صار إلى قائلته، فإذا صلى الظهر دعا بكُتَابه فناظرهم فيما ورد من أمور الناس حتى يصلي العصر، فإذا صلَى العشاء حضره سُمَاره: الزهري وغيره، وقيل أنه كان هشام يتقبل الهدايا من الولاة وغيرهم، ولم يرى بذلك إضرارا بمصلحة الدولة أو إجحافا بحقوق الناس، ولا شك أن قبوله للهدايا من الولاة خاصة، وعدم إمعانه في التحري عن مصادر تلك الهدايا أمر غير مقبول من حاكم مثله.

وهذا مخالف للنهج الذي سار الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون وعمر بن عبد العزيز عليه، وقد جاءت روايات لا يصح إسنادها تشير إلى أن هشام بن عبد الملك كان يشرب الخمر كل يوم جمعة بعد الصلاة، وكانت له مجالس يدار فيها الخمر، فإن تلك الروايات لا تصح من حيث السند، وكما أن سيرة هشام منافية لهذا الاتهام الباطل، فقد زجر ولي عهده لمعاقرته وإدمانه الخمر، وكما زجر ابنه مسلمة المكَنى أبا شاكر، وألزمه الأدب وحضور الجماعة، وإذا كان هناك من مأخذ على هشام بن عبد الملك فهو تغافله عن دعاة بني العباس الذين نشطوا في عهده في الدعوة .

لآل البيت، وانبثوا في خراسان، وجَدُوا في تشويه سمعة الدولة الأموية، وفي الاستعداد لتقويضه، ولعل كراهية هشام للعنف وسفك الدماء كانت سببًا في تغاضيه عنهم حتى استفحل أمرهم، وقد ظهرت آثار ذلك قبيل وفاته واستفحلت بعده، ولم يستطع خلفاؤه وقف مَدِّ الدعوة العباسية التي نجحت في نهاية الأمر في القضاء التام على أسرته، وإن كانت تأخرت أيامهم بعهده، نحوا من سبع سنين، ولكن في اختلاف وهيج، وما زالوا كذلك حتى خرجت عليهم بنو العباس فاستلبوهم نعمتهم وملكهم، وقتلوا منهم خلقا كثيره وسلبوهم الخلافة، وتوفي أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بالرصافة لست خلون من شهر ربيع وكانت خلافته تسع عشر سنة وتسعة اشهر وواحد وعشرين يوما وكانت وفاته بالذبحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *