وداعًا صغيرتي: جريمة في حق الطفولة

وداعًا صغيرتي: جريمة في حق الطفولة

بقلمي الكاتبة زينب مدكور عبد العزيز
الحياة رحلة تبدأ مع ولادة طفل، وتكتسب معنى خاصًا عندما تكون طفلتك هي محور حياتك. تبدأ الرحلة من اللحظة الأولى التي تحملينها فيها بين ذراعيك، حيث تشعرين بثقل المسؤولية وجمال الحب غير المشروط. التربية ليست مجرد عملية تعليم وتوجيه؛ بل هي رحلة مليئة بالحب، الفرح، والخوف، تملؤها تفاصيل صغيرة تشكل حياة لا تُنسى.
السنوات الأولى: تأسيس الحب والثقة
منذ اللحظة الأولى التي تصل فيها طفلتك إلى العالم، تُصبحين عالمها بأكمله. أولى سنوات حياتها تحمل الكثير من التحديات، ولكنها مليئة بالفرح والدهشة. تعلمينها أولى الكلمات، تتابعين نموها يوماً بعد يوم، وتشاركينها اكتشاف الأشياء البسيطة حولها.
خلال هذه السنوات، يصبح دورك هو توفير الأمان والدعم النفسي لطفلتك. تحتفلين بأول خطواتها، وأول كلمة تنطقها، وحتى بأبسط إنجازاتها. تصبحين لها معلمة وصديقة في الوقت نفسه، تقدمين لها الحب غير المشروط الذي يُشكل الأساس لشخصيتها المستقبلية.
مع تقدمها في العمر، تظهر ملامح شخصيتها الصغيرة. تراقبينها وهي تختار ألعابها المفضلة وتبتكر عوالمها الخيالية. تشاركينها الضحك، وتخففين عنها البكاء عندما تجرح ركبتها أو تفقد لعبتها المفضلة.
عيش اللحظات بكل تفاصيلها
الأمومة ليست فقط تربية وتعليم، بل هي مشاركة يومية في كل ما تمر به طفلتك. في السنوات الخمس الأولى، يكون كل يوم مليئًا بالمغامرات الصغيرة. تقرأين لها قبل النوم، تحتفلين بعيد ميلادها، وتخططين لمستقبلها.
تعيشين معها لحظات الحزن والفرح، وترين العالم من خلال عينيها البريئتين. في كل مرة تبتسم، تشعرين وكأنك قد مُنحت هدية من السماء. وفي كل مرة تحزن، يعتصر قلبك الألم، ولكنك تقفين بجانبها لتعلميها أن العالم ليس مكانًا مثاليًا، ولكن الحب يمكنه أن يخفف من قسوته.
اللحظة الفاجعة: الغدر الذي يهدم كل شيء
لكن ماذا لو انقلبت الحياة فجأة؟ ماذا لو سرقت يد الغدر هذه الروح البريئة؟ أن تفقدي ابنتك ليس مجرد خسارة؛ إنه انهيار لكل أحلامك وآمالك التي بنيتها من أجلها.
تصبح الفاجعة أشد قسوة عندما تكون الخسارة غادرة. حين تُقتل طفلتك دون ذنب، وتتحول ضحكتها إلى صمت أبدي. الألم لا يتوقف عند الفقدان فقط؛ بل يزداد مع التفاصيل المؤلمة لما حدث. الجسد الصغير الذي كنتِ تحمينه يصبح ضحية لعالم قاسٍ، والبراءة التي كنتِ تشاهدينها تتحطم أمامك.
الأمومة تستمر بعد الرحيل
حتى بعد فقدانها، تستمرين كأم. تتحولين إلى صوتها الذي ينادي بالعدالة، وتسعين للحفاظ على ذكراها حيّة. كل لحظة قضيتيها معها تصبح دافعًا لكِ للبحث عن حقها، ولتذكير العالم بقيمة الطفولة البريئة.
لا يمكن أن تُمحى الذكريات؛ أول كلمة قالتها، أول عيد ميلاد احتفلتما به، وحتى الليالي التي قضيتماها في سرد الحكايات. هذه اللحظات تظل محفورة في قلبك، وتصبح مصدر قوتك لتستكملي الحياة.
رسالة أبدية: لا لاغتيال البراءة
هذه القصة ليست فقط عن فقدان طفلة؛ إنها تذكير بضرورة حماية الأطفال من هذا العالم الذي يزداد قسوة. من واجب المجتمع بأسره أن يقف ضد العنف الذي يُمارس على الأطفال، وأن يضمن لهم الحق في حياة كريمة وآمنة.
ابنتك لم ترحل حقًا. ستظل حية في ذكرياتك وفي الرسائل التي تتركينها من أجلها. حياتها القصيرة تحمل دروسًا عن الحب، الفقدان، والأمل في تحقيق العدالة. ورغم كل الألم، فإن حبك لها سيبقى خالدًا، أقوى من أي قوة يمكن أن تهدمه.
إلى كل من يقرأ هذه الكلمات، هذه ليست مجرد قصة أم فقدت طفلتها. إنها صرخة لكل من يمتلك ضميرًا، لكل من يقدّر قيمة الطفولة البريئة. كيف يمكن أن يُقتل طفل بلا ذنب؟ كيف يمكن أن تُغتال البراءة بهذه الوحشية؟
إلى القاتل: لا شيء يبرر ما فعلته. أخذت روحًا بريئة، سرقت ضحكة، ومحوت حياة مليئة بالأمل. قد تهرب لبعض الوقت، لكن العدالة تظل تُطاردك، سواء على الأرض أو أمام خالق السماء.
إلى العدالة والقانون: طفلتنا اليوم ليست فقط ضحية قاتل، بل ضحية مجتمع صامت أحيانًا. نطالبكم بالتحرك سريعًا، ليس فقط لإنصافها، بل لإنصاف كل طفل يمكن أن يكون ضحية في المستقبل. العدالة البطيئة ليست عدالة.
إلى الآباء والأمهات: احموا أطفالكم بكل قوتكم. علّموهم كيف يحمون أنفسهم، وكونوا يقظين لما يدور حولهم. تحدثوا معهم، اسألوهم عن يومهم، وراقبوا كل شيء. أطفالنا أمانة في أعناقنا، ولن يسامحنا التاريخ إذا قصرنا في حمايتهم.
إلى المجتمع بأسره: مسؤولية حماية الطفولة لا تقع على عاتق الأسرة وحدها. هي مسؤولية كل فرد في المجتمع. لا تسكتوا عن أي شكل من أشكال العنف أو التهديد للأطفال. كونوا صوتهم إذا عجزوا عن الكلام، ويدهم إذا احتاجوا الدعم.
رسالة أمل وعدالة
هذه الطفلة لم ترحل هباءً. لن نسمح أن تُنسى قصتها. ستظل رمزًا ينير طريقنا نحو مستقبل أفضل، حيث لا يُقتل طفل، ولا تُدنس البراءة. معًا، يمكننا أن نُحدث فرقًا، أن نمنع مأساة أخرى، وأن نبني عالمًا يليق بأطفالنا.
العدالة ستأتي. قد تتأخر، لكنها حتمًا ستنتصر، لأن صوت الطفولة أعلى من أي جريمة، وأقوى من أي غدر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *