وافادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن عشرة فلسطينيين على الأقل قتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي الأربعاء في عملية عسكرية بدأت منذ الصباح في مدينة نابلس بشمال الضفة الغربية المحتلة.
وقد ارتفعت الحصيلة بعد أن أعلنت الوزارة في وقت سابق مقتل ستة ونشرت أسماءهم، وهم: “الشهيد المسن عدنان سبع بعارة (72 عاما) والشهيد محمد خالد عنبوسي (25 عاما) والشهيد تامر نمر ميناوي (33 عاما) والشهيد مصعب منير عويص (26 عاما) وحسام بسام اسليم (24 عاما) ومحمد عمر أبو بكر (23 عاما) برصاص الجيش الإسرائيلي”. وتشهد مدينتا نابلس وجنين مداهمات متكررة كثفتها إسرائيل على مدار العام الماضي في أعقاب موجة من الهجمات التي شنها فلسطينيون في مدنها وأسفرت عن سقوط قتلى. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 50 فلسطينيا على الأقل قُتلوا منذ بداية العام الجاري، بينهم مسلحون ومدنيون. وأفادت وزارة الخارجية الإسرائيلية بمقتل عشرة إسرائيليين وسائحة أوكرانية في هجمات فلسطينية.
وعبّر نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن إدانته للمداهمة في نابلس ودعا لإنهاء الهجمات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني. بدوره، وصف أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ العملية الإسرائيلية في نابلس بأنها “مجزرة”. وقال في حسابه على تويتر: “مجزرة أخرى يرتكبها لاحتلال بعدوانه على نابلس صباح اليوم ويستبيح دم الأطفال والشيوخ ويهدم البيوت”. ودعا الشيخ المجتمع الدولي “للتدخل الفوري لوقف هذه المذابح وتوفير الحماية الدولية لشعبنا”.
وفي إطار ردود الفعل، دانت وزارة الخارجية الأردنية “استمرار الاقتحامات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية المحتلة والاعتداءات المتكررة عليها، وآخرها العدوان على مدينة نابلس”. وأكد المتحدث باسم الوزارة سنان المجالي: “الموقف الأردني بضرورة وقف هذه الحملات، والعمل الفوري على وقف التصعيد” محذرا من” انعكاسات هذا التدهور على الجميع”. وفي المقابل، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه قام “بتحييد ثلاثة مطلوبين مشتبه بتورطهم في تنفيذ عمليات إطلاق نار (في الضفة الغربية) والتخطيط لهجمات”. وأكد أنه نفذ بالتعاون مع شرطة حرس الحدود وجهاز الأمن العام “عمليات مكافحة إرهاب” جاءت نتيجة “جهود استخباراتية مركزة”.
بداية الحرب والتوتر في شهر رمضان
إن المستوى الأمني في الكيان الإسرائيلي يرفع من درجة التأهب خشية وقوع انتفاضة ثالثة بالتزامن مع شهر رمضان المبارك في فلسطين”. هذا ما نقله موقع “إنتلجنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي، عن مطالبات رئيسي جهازي “الشاباك” و”أمان” في كيان الاحتلال من حكومتهم باتخاذ “إجراءات معتدلة” مع الفلسطينيين. وقال التقرير إن “رونين بار” رئيس المخابرات الداخلية للاحتلال “الشاباك”، و”أهارون هاليفا” رئيس المخابرات العسكرية “أمان”، أعربا عن مخاوفهما بشأن الضربات الأخيرة في فلسطين، والتي أعلنتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة في 28 يناير/كانون الثاني الماضي.
وفقًا لمصادر الموقع، فإن جهازي الاستخبارات في الكيان الإسرائيلي يشعران بالقلق من أن نهج حكومة نتنياهو العقابي لن يؤدي إلا إلى إثارة التوترات، ما دفع رئيسهما لحث مجلس الوزراء الأمني المصغر “الكابنيت” على المضي قدمًا في الاعتدال. وفي الوقت نفسه، قالت أجهزة المخابرات إنه يجب رفع حالة التأهب للدرجة القصوى، رداً على التصعيد الأخير.
واستشهد 10 فلسطينيين في عدوان للاحتلال على مخيم للاجئين بجنين في 26 يناير/كانون الثاني، تلتها غارات جوية في غزة في 27 يناير/كانون الثاني، كما نفذ فلسطيني عملية استشهادية شرق القدس المحتلة في اليوم نفسه، ما أسفر عن مقتل 7 مستوطنين، وهو أسوأ حصيلة خلال 11 عامًا، حسب ما نقلت وسائل اعلام الاحتلال. وردت حكومة الاحتلال، التي تهيمن عليها شخصيات يمينية متطرفة مثل وزير الأمن القومي “إيتمار بن جفير”، بالإعلان عن إجراءات جذرية تشمل التدمير الفوري لمنازل الفلسطينيين، وكذلك الأعمال الانتقامية ضد عائلاتهم.
ويهدف هذا النهج، حسب “إنتلجنس أونلاين” إلى إرضاء القاعدة الانتخابية لـ”نتنياهو” والائتلاف الحكومي الهش للاحتلال، لكن رؤساء المخابرات مقتنعون أنه لن يؤدي إلا إلى تأجيج الغضب الفلسطيني، بدلاً من تثبيط المزيد من الهجمات. ونقل الموقع عن مصادر أن الشاباك حذر بالفعل من انتفاضة فلسطينية ثالثة، بعد أسابيع قليلة، ومع بداية شهر رمضان (يبدأ في الثلث الأخير من مارس/آذار)، وهي فترة تميل إلى الانفتاح على الانتفاضات، حسب الموقع، بينما تحاول المستويات العليا من جهاز أمن الاحتلال تهدئة الوضع، فإن عملاء “الشاباك” يتم حشدهم بشدة في الضفة الغربية، حيث ظهرت حركة مقاومة خارج إطار الأحزاب التقليدية “فتح” أو “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”، حسب الموقع الفرنسي.جاء الكشف عن مخاوف “الشاباك” و”أمان” من اندلاع انتفاضة ثالثة، بعد أيام من تحذير “ويليام بيرنز” مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” من اندلاع انتفاضة ثالثة، والذي شبه التوترات الحالية بتلك التي سادت قبل الانتفاضة الثانية عام 2000، وسط غياب أي مؤشرات على التهدئة رغم الدعوات الدولية التي أطلقت في الشأن. وقال الدبلوماسي الأمريكي، قبل أيام: “كنت دبلوماسيا أمريكيًا كبيرًا قبل 20 عاما أثناء الانتفاضة الثانية وأشعر مثل زملائي في مجتمع الاستخبارات بالقلق من أن الكثير مما نراه اليوم له تشابه غير سعيد للغاية مع بعض التوترات رأيناها في ذلك الوقت أيضًا”. وكان “بيرنز” زار الأراضي الفلسطينية وإسرائيل نهاية يناير/كانون الثاني الماضي واطلع على تطورات التصعيد في الضفة الغربية. واستشهد 48 فلسطينياً منذ بداية العام الجاري (4 منهم برصاص المستوطنين)، بينهم 10 أطفال وسيدة مسنّة، وأسير في سجون الاحتلال. ويبلغ إجمالي عدد الفلسطينيين في سجون الاحتلال نحو 4700، بينهم 29 أسيرة، و150 طفلا وقاصرا، وفق نادي الأسير
الانتفاضة الثالثة الفلسطينية
يسعى كبار قادة دولة الاحتلال لإيجاد حلولٍ إبداعيةٍ وخلاقةٍ لمُواجهة تفاقم ظاهرة المقاومة في الضفة الغربية المُحتلة، حيثُ كشفت مصادر أمنية، وصفت بأنها واسعة الاطلاع في تل أبيب، النقاب عن أنّ أكثر ما يقُضّ مضاجع صنّاع القرار هو اجتياز الشباب الفلسطينيين حاجز الخوف، واستعدادهم خوض معركةٍ ضد جيش الاحتلال، على الرغم من علمهم بأنّه يخوضون حربًا خاسرةً منذ البداية.
وشدّدّ المُحلِّل على أنّ الانتفاضة الثالثة اندلعت عمليًا في آذار (مارس) الماضي كشكلٍ من أشكال الاحتجاج العنيف وترافق مع تنفيذ عملياتٍ ضدّ الجيش الإسرائيلي من طرفي ما يُسّمى الخّط الأخضر، موضحًا أن وسائل التواصل الاجتماعيّ، وعلى نحوٍ خاصٍّ تطبيق (تيك توك) لعبت وما زالت دورًا مركزيًا في “تحريض” الشباب الفلسطينيين لمُواجهة الاحتلال عسكريًا، على حدّ وصفه. وتابع قائلاً إننا نشهد عملية تصعيدٍ بطيءٍ نابعة من ضعف السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنية، كما أنّ الشباب في الضفّة الغربيّة يعيشون حالةً من الغضب بسبب انتشار البطالة والفساد بالسلطة، وطبعًا كردٍّ طبيعيٍّ على “نشاط” الجيش الإسرائيلي.
المُحلِّل أضاف، نقلاً عن مصادره الرفيعة، أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤجج الوضع بالضفّة الغربية وتدفع الشباب لاجتياز حاجز الخوف، كما أنّ وفرة الأسلحة في مناطق الضفّة الغربيّة يُعتبر عامِلاً إضافيًا في ازدياد وتيرة المقاومة، مُشدّدًا على أنّ هذه العوامل مجتمعةً تزيد من عدد الشباب الذين يبحثون عن طرقٍ للانتقام من الجيش، كما قال.
واعتبرت المصادر أن وسائل التواصل الاجتماعي هي العدو اللدود لكل من السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل، إذ إنهما تقفان عاجزتيْن أمام هذا التحدّي الذي دفع الشباب الفلسطيني لعبور حاجز الخوف، ومواجهة الجيش والشرطة والمخابرات وجهًا لوجه على الرغم من علمهم بأنّهم يخوضون معركةً خاسرةٍ منذ البداية.
ورأت المصادر الإسرائيليّة على ما نقله عنها المحلِّل بن يشاي، أن ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين من الأولاد والشباب يؤدي لإنتاج جيلٍ جديدٍ من الشهداء، زاعمًا أن عدد القتلى في صفوف الفلسطينيين لم يرتفع مؤخرًا بسبب زيادة إطلاق النار من قبل الجيش، بل لأن الشباب في الضفّة الغربيّة لا يهابون الموت، وأن قوة الردع الإسرائيلية اختفت.