مقامرة أردوغان السياسية بإجراء انتخابات مبكرة

مقامرة أردوغان السياسية بإجراء انتخابات مبكرة

مقامرة أردوغان السياسية بإجراء انتخابات مبكرة

هدوى محمود

وفي هذا الصدد، وقع أردوغان ،الجمعة، مرسوما يقضي بإجراء انتخابات وطنية في 14 مايو من هذا العام، والمجلس الأعلى للانتخابات في تركيا مطالب بتنفيذ أمر أردوغان.

في السابق، كان 18 يونيو هو يوم الانتخابات، لكن أردوغان يخطط لإجراء الانتخابات قبل شهر منه، وذكر أن سبب هذا الإجراء هو تداخل التاريخ السابق للانتخابات مع مراسم الحج وامتحانات الدخول وبداية العطلة الصيفية، لكن بالنظر إلى سلوك أردوغان السياسي غير المتوقع في العقدين الماضيين، فلا شك في أنه وراء كل هذا، الإصرار على إجراء انتخابات مبكرة، أهدافها ودوافعها السياسة الخفية التي قد تعتبر أكبر مقامرة في حياته السياسية.

الاستفادة من الفجوة بين الخصوم

على الرغم من أن أردوغان كان زعيم الساحة السياسية التركية على مدى عقدين من الزمن ولم ير أمامه منافسًا جادًا، إلا أنه في السنوات الأخيرة، أصبح الوضع حرجاً لدرجة أن المنافسين الآخرين وجدوا أيضًا فرصة لتوسيع حلفائهم ضد فكرة “الإمبراطورية العثمانية”.

لقد أدرك المتنافسون حقيقة أنهم إذا دخلوا الميدان بمفردهم، فلن يكون لديهم فرصة للفوز على أردوغان، وبالتالي، اعتبارًا من فبراير 2022، شكلوا ما يسمى تحالف “طاولة الستة” لتوحيد مواقفهم واستعادة السلطة من أردوغان وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم بعد عشرين عاما من الحكم.

لكن توجه التطورات في الأيام الأخيرة يشير إلى ظهور فجوة أساسية بين المعارضة، وهو نوع من التمرير لأردوغان حتى يتمكن من استغلال هذه الفرصة لتحقيق أهدافه السياسية. لذلك، يحاول أردوغان الاحتفال بفوزه بأغلبية نسبية لولاية ثالثة قبل أن يتمكن خصومه من خلق إجماع ضده.

ولم يتوصل الجدول المكون من ستة أعضاء إلى اتفاق شامل بشأن تقديم مرشح واحد، وازدادت الخلافات في الرأي في هذا الصدد، وأظهر أردوغان أنه يقدر الفرص السياسية جيدًا، وهذه المرة اعتمد أيضًا على الانقسام بين المتنافسين،  لكن رغم الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة في التعامل مع المناطق المتضررة من الزلزال والوضع الاقتصادي الصعب، فإن لأردوغان الفرصة الأولى للفوز في الانتخابات، كما تشير نتائج الاستطلاعات إلى فوزه على المعارضة.

أظهر أردوغان في العقدين الأخيرين أنه رجل مفاجآت كبيرة وأوقات عصيبة، وربما لديه آمال كبيرة في فوزه في الانتخابات، ولهذا يحاول إجراء الانتخابات في وقت أبكر من الموعد المقرر، لأنه إذا شعر بأنه سيكون الخاسر في الانتخابات فهو لن يدخل الحفرة، وربما في الأيام التي تسبق الانتخابات، سوف يسلم أوراقًا جديدة للقضاء على منافسيه لزيادة وزنه السياسي بين الرأي العام، ويمكن أن يكون تطبيع العلاقات مع سوريا ومصر، الذي اتبعته سلطات أنقرة بجدية في الأيام الأخيرة، أحد هذه الأوراق لإظهار سجلها الرائع في السياسة الخارجية.

من ناحية أخرى، تتسع أبعاد الزلزال وآثاره يومًا بعد يوم، والوقت ليس في مصلحة أردوغان، لأن المعارضة استغلت هذه القضية التي قد تكون كعب أخيل أردوغان في الانتخابات، لترجيح الموازين لصالحهم.

ورغم أن المعارضة تتلاعب بتقاعس الحكومة وضعف الإغاثة في المناطق المنكوبة بالزلزال من أجل إثارة مشاعر الناس ضد أردوغان، إلا أن الرئيس التركي بيده أوراق يمكنها هزيمة منافسيه في هذه الأزمة الصعبة.

يتهم المعارضون الحكومة بعدم قدرتها على بناء مبانٍ قوية، لكن أردوغان رد على منتقديه وأعلن مؤخرًا أن 98٪ من المنازل المدمرة بُنيت قبل عام 2000، أي قبل إدارته، ليبرئ نفسه من الاتهام.

اعترف أردوغان بفشل الحكومة في تقديم المساعدة لضحايا الزلزال، لكنه قال إن جهود الإنقاذ تعرقلت بسبب طقس الشتاء والبنية التحتية المتضررة، لكنه وعد بإعادة بناء عشرات الآلاف من المنازل بحلول نهاية عام 2023.

تعهدت المعارضة التركية باستعادة الديمقراطية البرلمانية في تركيا وإلغاء النظام الرئاسي الذي قدمه إذا تمت الإطاحة بأردوغان، ويقول المعارضون إن هذا النظام الذي تمت الموافقة عليه بفارق ضئيل في استفتاء 2017 وبعد انتخابات 2018، تحول إلى “حكومة منفردة دون ضوابط وتوازنات، وهو ما لا يقبله المعارضون، رغم أن المعارضة بحاجة إلى الفوز بالأغلبية من مقاعد البرلمان لتحقيق هذا المشروع، ويبدو أن أمامهم مهمة صعبة.

قلق أردوغان من تفاقم الأزمة الاقتصادية

ومن النقاط المهمة التي يقلق أردوغان منها في تأجيل الانتخابات مسألة الاقتصاد المهتز الذي أضعف موقعه بين منافسيه في السنوات الماضية، حيث وجهت تجربة التضخم بنسبة 80٪ في عام 2022 وما تلاها من انخفاض في قيمة الليرة ضربة قوية للحكومة، ورغم أنها تمكنت من الحد من ضغوط التضخم وأزمة العملة في الأشهر الأخيرة بسياسات نقدية جديدة، فإنه وفقًا للخبراء، لن تستمر هذه السياسات لفترة طويلة ولن تدوم، ولذلك يحاول أردوغان التغلب على هذا الوضع الحرج بأسرع ما يمكن من خلال الفوز في الانتخابات، وفي حكومته الثالثة وبمبادرات جديدة وبمساعدة الدول الصديقة يمكنه إصلاح الوضع الاقتصادي.

وفقًا لتجربة السنوات الثلاث الماضية، يظل الاقتصاد التركي الآن “قنبلة موقوتة” يمكن أن تنفجر، وفي أفضل الأحوال، يمكن لأردوغان السيطرة على التضخم وأزمة العملة حتى الانتخابات، والتي ستنهي بطريقة ما أزمة العملة والوضع الاستثنائي في هذا البلد، فهو يحاول إبقاء الاقتصاد المحتضر حياً من خلال التنفس الاصطناعي، لكن مع انكشاف الزوايا الخفية للأزمة الاقتصادية، ستصبح مهمة أردوغان أكثر صعوبة وستصبح فرصته في استعادة الرئاسة حلماً.

في حين رفع أردوغان مؤخرًا الحد الأدنى لأجور ورواتب موظفي الحكومة إلى حد كبير، ولكن نظرًا للوضع الاقتصادي غير المستقر، فإن هذه الزيادات تتناقص بمرور الوقت ولا يمكن أن تزيد القوة الشرائية للشعب كما كان متوقعًا، وإذا امتد هذا الوضع، ستؤجج الانتخابات موجة من السخط ضد الحكومة، الأمر الذي لا يرضي أردوغان.

وتأتي الأزمة الاقتصادية في تركيا في وضع تمت فيه إضافة الآثار الكارثية للزلزال الأخير، وبناءً على تقديرات أولية؛ تسبب الزلزال في خسائر تقدر بأكثر من 80 مليار دولار لتركيا، وهو ما يعتبر رقما قاسما بالنسبة لحكومة أردوغان.

في العام الماضي، ومن أجل الحد من آثار الأزمة الاقتصادية، قام أردوغان بالتواصل مع مشيخات الخليج الفارسي، بما في ذلك قطر والمملكة العربية السعودية، من أجل الحد من الأزمة الاقتصادية من خلال جذب عشرات المليارات من الدولارات من هذه الدول، ولكن مع الآثار الضارة للزلزال، لا يمكن التغلب على هذه الأزمات بهذه الأرقام الصغيرة.

من ناحية أخرى، كلما اتضحت أبعاد هذه الأزمة، ستؤثر تكاليفها سلبًا على حياة الناس واقتصاد البلاد يومًا بعد يوم، لذا فإن تأجيل الانتخابات سيكون مزعجًا لأردوغان، لأن إهمال الحكومة في هذه القضية الحيوية التي يراقبها الرأي العام تصرفات الحكومة فيها بعناية يمكن أن يزعج أردوغان. لذلك الوقت ليس في مصلحة الحكومة الحاكمة ولمصلحة أردوغان لإجراء الانتخابات قبل أن تبدأ العوامل السلبية.

الآن، كل الأنظار تتجه نحو الأسابيع المقبلة وعلينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان بإمكان أردوغان تحويل العملية الانتخابية لمصلحته وحزبه بحيله السحرية، كما هو الحال دائمًا، أو إذا كانت الأحزاب المتنافسة في غضون الشهرين الباقيين سيصفون مواقفهم ويتحدون ضد أردوغان

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *