العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

نسائم الإيمان ومع السيده جويريه بنت الحارث

0

 

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

السيدة جويرية بنت الحارث، وكان إسمها ، برّة ، فسماها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جويرية، فهي أم المؤمنين السيدة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقيَّة رضي الله عنها ،ولدت قبل البعثة بنحو ثلاثة أعوام تقريباً، تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام وهي ابنة عشرين سنة في سنة خمس للهجرة، أو سنة ست على اختلاف بين المؤرخين .

وكان أبوها الحارث سيداً مطاعاً، قَدِمَ على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأسلم، وروى عنها عبد الله بن عباس، وعبيد بن السابق، وأبو أيوب، ومجاهد، وعبد الله ابن شداد أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهذه الصحابية الجليلة أم المؤمنين جويريه بنت الحارث ، كانت كثيرة الاجتهاد بالعبادة ، والإكثار من ذكر الله تعالى، والصوم، وفعل الخيرات، فعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا, قالت: ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهِيَ صَائِمَةٌ ، فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا ، قَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا ، قَالَتْ: لَا ، قَالَ: فَأَفْطِرِي ” . رواه البخارى .

وأنه لما وقعت جويرية بنت الحارث في السبي، جاء أبوها إلى النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها ، فأنا أكرم من ذاك، فخلِّ سبيلها، فقال: ” أَرَأَيْتَ إِنْ خَيَّرْنَاهَا أَلَيْسَ قَدْ أَحْسَنَّا “، قال: بلى، وأدّيت ما عليك، فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا، فقالت: فإني قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فتزوجها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الخامسة للهجرة، وكان عمرها إذ ذاك عشرين سنة، وكان من ثمار هذا الزواج المبارك فِكاك المسلمين لأسراهم من قومها ، وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسمها ، فعن ابن عباس قال: كان اسم جويرية بنت الحارث برة، فحوَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمها، فسماها جويرية. رواه أحمد .

وتعود أسباب زواج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من هذه السيدة جويرية إلى غزوة بني المصطلق، وتسمى بغزوة المريسيع، فقد ذكر ابن إسحاق وبعض علماء التفسير ، أنها كانت في العام السادس من الهجرة، والصحيح الذي عليه المحققون أنها كانت في العام الخامس للهجرة .

وبلغ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام بهم ، خرج إليهم حتى لقيهم على ماء ، يقال له: المريسيع، فتزاحم الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق .

فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام شعر أن بني المصطلق تتجمع، وتتهيَّأُ، وتكيد له، فماذا فعل؟ بدأهم ، وقالوا في شؤون الحرب: إن الهجوم أفضل وسائل الدفاع، أيْ أن تبدأ أنت، والله سبحانه وتعالى يقول: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ .

فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام أراد أن يبدأهم ما داموا قد أعدوا، وتمنَّعوا، وتهيَّؤوا، وكادوا، وائتمروا، وقد كانت هذه الغزوة بعد ما استقر أمر الإسلام في المدينة، وتوفرت لأبنائه أسباب القوة ، فتحرك اليهود والمنافقون على حد سواء على مناوءة الإسلام، ونبيه، ودعوته ، بأسلوب المكر والخداع، وهذا حالهم من قديم .

فإن الأنباء أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه القبيلة تجمع له، وتستعد لقتاله، فسارع النبي، وسارع المسلمون ، ليطفؤوا الفتنة قبل اندلاعها، وخرج النبي هذه المرة مع المنافقين ، الذين لم يعتادوا الخروج معه قبلاً، واغتروا بانتصاراته وغنائمه ، ليصيبوا من ذلك سمعة ومالاً، أين الغنائم؟ إن كانت مع المؤمنين فهم مع المؤمنين .

وحينما وصل النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام إلى بني المصطلق ، أمر عمر بن الخطاب أن يعرض الإسلام على القوم، فإن أسلموا فهم منّا، ونحن منهم، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وانتهى الأمر، فنادى عمر فيهم ، قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ولو قالوها بألسنتهم .

فأبى الفريقان، وتراموا، وأمر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصحابه ، فحملوا عليهم حملة رجل واحد ، فلم يفلت من المشركين أحد، إذ وقعوا أسرى بعد ما قتل منهم عشرة أشخاص، ولم يستشهد من المسلمين إلا رجل واحد قتل خطأ، وسقطت القبيلة بما تملك في أيدي المسلمين، ورأى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أن يعامل المهزومين بإحسان .

ولما انصرف النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام من غزوة بني المصطلق، ومعه جويرية بنت الحارث، وكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار، وأمره بالاحتفاظ بها ، لكونها بنت سيد قومها، وكان هذا قبل توزيع الغنائم .

وقدم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام المدينة ، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته، وأبوها سيد قومه ، فأخذها ليجلب قومه، فلما كان بالعقيق ، نظر أبوها إلى الإبل التي جاء بها ، ليفدي ابنته ، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق .

ثم أتى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد ، لقد أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال عليه الصلاة والسلام: أين البعيران اللذان غيبتهما في العقيق في شعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أنك رسول الله، لأن هذا الذي فعلته لا يعلمه أحد إلا الله ، وفي الطريق غيب ناقتين، أعجبه منهما سمنهما ، فغيبهما في بعض الشعب .

وجاء النبي بقطيع من الإبل، وقال: هذه فداء ابنتي، أسلم أبوها فوراً، وقال: أشهد ألا إله إلا الله ، وأنك رسول الله، فو الله ما اطلع على ذلك إلا الله، أسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له، وناس من قومه، وأرسل البعيرين فجاء بهما .

وعن السيده عائشة ، رضى الله عنها قالت: لما قسم النبي عليه الصلاة والسلام سبايا بني المصطلق ، وقعت جويرية بالسهم لحارث بن قيس بن شماس، أو لابن عم لها ، فكاتبته على نفسها ، دائماً ابنة سيد القوم لها عزة وكرامة، فكاتبته أن تعطيه شيئاً من المال على أن يعتقها، فأتت رسول الله ، تستعينه في كتابتها، فلو تعينني على أن أدفع المال لهذا الذي كنت نصيبه لعله يعتقني .

قالت عائشة: فلما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت: ” يا رسول الله جويرية بنت الحارث سيد قومه، قالت: يا رسول الله ، قد أصابني من البلايا ما لا يخفى عنك، وكاتبتي على نفسي ، فأعني على كتابي، فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام أنها هذه المرأة بنت سيد قومها الحارث ، الذي جمع الجموع لقتاله ، تسترحمه وتستنجد بها ، للتخلص من الرق والعبودية حفاظاً على كرامته، وكرامة أبيها، وقومها، وهو الرؤوف الرحيم، وأنه لا بدّ أن يستجيب لأمرها ، ويلبي طلبها .

وقد فعل هذا ببنت حاتم الطائي، جاءت مع السبايا ، فلما استعرضهم النبي وقفت، فقالت:

” يا رسول الله لقد هلك الوالد، وغاب الوافد، وأنا بنت حاتم الطائي ، فأطلقني، سألها: ومن الوافد؟ قالت: عدي، قال: الفارّ من الله ورسوله، وتركها ، وفي اليوم الثاني قالت له كما قالت في اليوم الأول، وسألها ثانية: من هو الوافد؟ قالت: عدي، قال: الفارّ من الله ورسوله .

في اليوم الثالث سكتت، أشار إليها سيدنا علي أن تسأله ثالثة، فلما سمع منها النبي قالت: أنا بنت حاتم الطائي، فقال عليه الصلاة والسلام: إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، أطلق سراحها وأكرمها ، حتى أقنعت أخاها أن يلتحق بالنبي ، وتبع عدي نبي الله، وصار من أصحاب رسول الله .

ورسول الله كان بإمكانه أن يطلق سراحها، وأن يطلقها بلا فداء، وهو ضامن، وكن ماذا فعل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أو خير من ذلك، أتحبين شيئاً خيرًا من ذلك؟ قالت: ماذا؟ قال: أؤدي عنك كتابك، وأتزوجك، قالت: نعم، ففعل ذلك ، فبلغ الناس أنه قد تزوجها فقالوا: أصهار رسول الله عندنا، أطلقوا سراحهم جميعاً، لذلك قالوا: أعتق الله بها مئة من أهل بيت قومها، فما كانت امرأة مباركة على قومها كهذه المرأة .

وكانت رضي الله عنها ذات صبرٍ وعبادة، كثيرة الذكر لله عز وجل، ولعلَّنا نستطيع أن نلمس ذلك من خلال الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ مَرَّ النَّبِيُّ بِهَا قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالَ لَهَا: ” مَا زِلْتِ عَلَى حَالِكِ ” فَقَالَتْ: نَعَمْ .

قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهَا: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ” رواه الترمذي .

توفيت أم المؤمنين السيدة جُويرية بنت الحارث رضي الله عنها في المدينة المنورة سنة خمسين هجرية، وقيل: توفيت سنة سبع وخمسين للهجرة، وعمرها 65 سنة، فرضي الله عنها، وعن أمهات المؤمنين أجمعين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد