العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

حوار مع الصانع الصائغ.. هنحكي ونشوف

0

حوار مع الصانع الصائغ.. هنحكي ونشوف

 

في داخل مكتبه بالمهندسين ، وفي تمام الساعة السادسة مساءً .. كان اللقاء ، باب المكتب يُفتح .. وأنا أخطو الخطوات الأولى تجاه ذلك الإبداع ، جمع غفير من الكتب تزين مكتبة خشبية ، تغلف حوائط الحجرة ، ومعلق في الجدران البسيطة التي استطاعت التنفس من بين عبير الكتب ، معلق عليها صوره مع بعض الرؤساء والأمراء العرب ، ها هو أمير الكويت في واجهة مكتبه الأثير ، وها هو السيد ياسر عرفات مصافحًا إياه ، وغيرهما من الصور .. تجولت نظراتي سريعة بين صنوف الكتب ، لكن عقلي وذاكرتي كانا أكثر تجوالًا ، حادثتني أعماله الأدبية حين ألقيت نظرة على الباب الذي دلفت منه فتذكرت ( الجريمة تدق الباب ) لكني قلت لنفسي : ( بلاغ كاذب ) إن ( القلب يخطئ أحيانا ) وكأنه ( هارب من الأيام ) أو( هاربة من الجحيم) ( جحيم امرأة ) ( المعلمة سماح ) فرأيت ( الجبلاوي ) ( هارب من عش الزوجية ) ويقول : ( هزمتني امرأة ) (بنت سيادة الوزير ) ( سميحة بدران ) لكنها ( البنت الحلوة الكدابة ) ثم حن إلى ( المتزوجون ) ويريد ( شقة وعروسة يا رب ) ( يا رب ولد ) رجع يقول:( ومشيت طريق الأخطار ) ( نار ودخان ) ( الدنيا جرى لها إيه ؟! ) الكل يرى نفسه ( القاضي والجلاد )( دعوني أعيش ) أريد طبيبا .. أخيرا ( أهلا يا دكتور ) .
استفقت من شرودي وقد مضت دقائق ، خطوات متتابعة بوقار السنين ، كان هو بفكره قبل جسده ، مد يده لي مصافحا .. تعجبت من هذا التصرف ونحن في زمن ( الكورونا ) خشيت عليه من نفسي ، لكنه ترك في نفسي انطباعا عظيما ينم عن تواضع كبير ، وخلق جم ، وثقة وإيمان بالله .
كل ذلك مهد لي طريقا مريحا للحوار معه ، قدمت له واجب العزاء في صديقه الفنان سمير غانم ، ومن ثَم كان استهلالي بهذا السؤال :
س/ ماذا يمثل لك الفنان سمير غانم ؟
أجاب بنبرة كلها حزن وأسى وكأنني لامست جرحا مؤلما ، قال : صديق العمر
كانت في مخيلتي وأنا أسأله الخمس مسرحيات ( المتزوجون ) ( أهلا يا دكتور ) ( من أجل حفنة نساء ) ( زواج بلا ماضٍ) ( صفقة بمليون دولار )
اقترحت عليه : لمَ لا تفكر في كتابة سيرته الذاتية مسلسلًا ؟ وكأن الفكرة راقت له .
لكنه أردف قائلا : أنا حزين لفقده .
قلت : ألهذه الدرجة ؟ ولكن .. عندك حق هو فنان عظيم ويستحق
رد بعد أن أخذ نفسا عميقا : إنه صديق ، وكيف يعيش الإنسان بلا أصدقاء ؟!
ابتسم وقد تذكر صديقه الليبي الذي كان يأخذه لحاتي سوري ، وكانت رائحة الشواء تصل على بعد أميال
ثم قال : لكن عندما ذقت طعامه لم أشعر بجمال الطعم كفوح الرائحة
لم يتخلَ عن ابتسامته ، وقد شاركته إياها ، ثم استكمل : لي طقوس يومية
تابعته باهتمام ، فاستطرد : أستيقظ في السادسة ، وأصلي ثم أتناول فطوري ، فأقرأ ، وبعدها أداعب المياه ؛ كي أستعيد نشاطي .. وهكذا ، إن مكتبي هو عالمي الخاص ..
نظرة إعجاب لتلك الصور المعلقة ، عقبت : ما أروعها! بالطبع تحمل ذكريات في داخلك
قال : كانت سفرياتي كثيرة لشتى أنحاء العالم ، قابلت الرؤساء والأمراء .
ثم توقف ، وقد لمحت مرارة في حديثه حين تذكر : سجنت في عهد جمال عبد الناصر ، ومنعت من الكتابة في عهد السادات ، وأخذ مسرحي في عهد مبارك ، واستعدته بعد سبع عشرة سنة، ثم حرق في عهد الإخوان ، وكأن الناس ليس وراءهم غير فيصل ندا .
قلت معقبة ومهونة : الشجرة المثمرة .. هكذا حالها .. وماذا عن هذا العصر ؟
قال : هناك لفتة جميلة قام بها الرئيس السيسي حين نعى أسرة الصديق الغالي سمير غانم .
بدأت ألمح نظرة الحزن تعود له ، وكأنه تذكر الفنان سمير غانم .
فقلت له مشيرة لصورته مع السيد ياسر عرفات :
س/ ما سر علاقتك وحرصك على وضع الزعيم ياسر عرفات على ( بروفايل الواتس آب ) ؟
قال : كنت بالعراق أرأس الوفد المصري هناك ، وقد ألفت مسلسل ( غريب يا ولدي ) عن القضية الفلسطينية ، ودعاني الزعيم ياسر عرفات للعشاء ، بل وأرسل لي سيارة خاصة تأخذني ، وبعد العشاء خلع وشاحه وأعطاه لي ، وصرنا صديقين من وقتها .
س/ للبيئة أثر في تكوين المبدع .. كيف كانت بيئتك التي نشأت فيها ؟
نشأت في بيئة ثقافية ، فوالدي كان وكيلا لوزارة المالية ، وكان يمتلك مكتبة ضخمة استوعبت معظمها في عقلي وذاكرتي ، وكان يود أن يكون كاتبا لكن العمل الحكومي أشغله عن الإبداع ؛ ومما أسعده أن يرى حلمه يتحقق في، كذلك كان تحت منزلي مطبعة الرسالة وكنت أرى الكتّاب وهم يأتون وأستمع لهم متسللا ، ولما كنت بالمدرسة قمت بعمل صحيفة الحائط ، كلها أمور ساعدت في تكويني .
فبادرته : ما رأيك في كتاب اليوم ؟
ظهرت على وجهه علامات تنم عن عدم الارتياح
وقال : لا أميل لما يقومون به الآن فيما يسمى ( الورش الفنية )
س/ في رأيك : ما الفرق بين دراما اليوم ودراما أمس ؟
قال مبتسما : كالفرق بين العربة التي يقودها حصان ، وبين عربة خلفها حصان ، لقد كان المؤلف هو المحور ، وكان أجره يساوي أجر النجم في المسلسل ، ففي مسلسل العبقري كنت أتقاضى أنا ويوسف وهبي نفس الأجر 40جنيه عن الحلقة الواحدة ، وكان وقتها أعلى أجر
س/ إذن ما المشكلة ؟
رد وقد أخذ نفسا عميقا ينم عن معاناة داخلية : وجود النجم الأوحد ، هو أولا ثم يكون الباقي ، هو الذي يختار من يكتب له وفق هواه ، لكن بالأمس القضية أولا ثم النجم ، ناهيكِ عن موضوع الورش الفنية ، وكتابة العمل من غير مؤلف واحد .
أي تآلف فكري يصنع النسيج الواحد ؟! لكننا في عصر السرعة ، أتعجب من المسرحيات التي تكتب في أسبوع ، كنا نخطط ونعد ثم نكتب في شهور وسنين للعمل الواحد ، هذا هو الفرق .
س/ على ذلك أ/ فيصل ندا لا يكتب من أجل أحد .
أختار أولا القضية ، وأكتب نصي ثم الممثل ، قد أتخيل أحد الممثلين أثناء الكتابة ، فالكتابة تفرض عليّ شخصية ممثل ما .. لا العكس ، ليس لي مصلحة في اختيار ممثل ، العمل فقط هو الذي يفرض نفسه .
س/ ما أهم القضايا التي تناولتها في أعمالك ؟
تناولت معظم القضايا التي عاصرتها منها : محاربة الجشعين من التجار ، الدروس الخصوصية ، مشاكل الإسكان ، الشباب ، وكسبنا القضية عن بطء إجراءات التقاضي ، أزمة الكتاب في (الفجالة ) رغيف العيش في ( المعلمة سماح) ، وغيرها من القضايا ، حتى القضايا العربية تناولت أزمة تونس وسقوط زين العابدين وأزمة فلسطين ( غريب يا ولدي ) ويتناول مسلسلي الأخير العديد من القضايا العربية والظروف التي تمر بها وانعكاس ذلك على أبناء الأمة .
س/ أنت تعيش للآخرين ولقضايا الوطن ، وهذا ما يدفعني للتطرق لموضوع التبني الفني للكثيرين .
لقد وجدت من رعاني في بداياتي الفنية ؛ لذا شعرت أنه من واجبي أن أساعد من يمتلك الموهبة ، فمعظم من ظهروا كانوا من اكتشافي مثل : سهير رمزي ، شريهان ، صلاح السعدني ، سعيد صالح ، صفاء أبو السعود ، عادل أدهم .
س/ ماذا تمثل لك تلك الأسماء ؟
نور الدمرداش :أخرج لي في المسرح وأنا بالجامعة ، فنشأت صداقة بيننا ، وقد كنت رفيقا لرحلاته في مسارح الإسكندرية ، أتاح لي عالم الفن قبل دخوله ، وأخذ أول عمل لي(أنانية ) فآمن بي،وله الفضل في تواجدي في الدراما التليفزيونية ، وكان مخرجا لأول مسرحية لي لمسرح التليفزيون(الطريق المسدود)
حسين كمال : أول من أخرج لي بالتليفزيون وأنا بالجامعة ، وغير مساري من ممثل لمؤلف بعد حوار
طويل مع نفسي .
يوسف وهبي : كتبت مسلسل العبقري 1964 وكان يتناول جشع التجار ، وهناك طبيب عالم يخترع دواء يغني الناس عن التعامل مع جشع التجار ، واقترحت أن يقوم يوسف وهبي بدور الطبيب ، وزرته في ( فيلته) وسألني عن (تكنيك) العمل بالتليفزيون؛ لأنه كان أول تعامل له معه ، وكان ذلك بالنسبة لي حلم ، ومن عظمته وافق على العمل رغم إن أجره 40جنيه للحلقة ، لكن حبه للعمل جعله يوافق .
فؤاد المهندس : أول من أخرج لي مسرحيتي الأولى لمسرح الجامعة ، وهو أول من تعاملت معه في المجال المسرحي على الإطلاق .
عبد الله غيث : أول من قام ببطولة مسلسل كتبت له السيناريو والحوار ( هارب من الأيام ) وكان وقتها
ممثل ثانوي في المسرح القومي .
عادل أدهم : غيرت جلده الفني من أدائه التقليدي لأداء جديد تماما ، وهو الشرير الشيك ، الشرير الجديد الذي يناسب العصر ، كتبت له ( الإفيه) الذي يرسخ مع الناس ، وكتبت الجمل القصيرة ؛ لصعوبة الجمل الطويلة عليه .
س/ تكرر في حديث سيادتك السابق كلمة ( أول ) في غير موضع ، وهذا يجعلني أتطرق لموضوع المبدع فيصل ندا الأول في أشياء كثيرة .
كنت أول من أنشأ مسرح جامعي بكلية التجارة ، وأول من أطلق اسمه على مسرح ، وأول من ألف المسلسلات الطويلة ، وأول من الف مسلسل كوميدي ، وأول من ألف مسلسلات الأجزاء ( الساقية خمسة أجزاء ) ، وأول من أقنع يوسف وهبي بالتمثيل في التليفزيون بمسلسل كوميدي ، وأول من وضع أسسا لكتابة الدراما التليفزيونية .
س/ ألم تكن كتابة مسلسل تليفزيوني في أوائل ظهور التليفزيون مجازفة من إنسان يشق طريقه نحو التأليف وكتابة السيناريو ؟
في بادئ الأمر لم أكن مقتنعا بدور التليفزيون ، وكانت البداية مع مسلسل ( هارب من الأيام ) قصة قصيرة لثروت أباظة حولتها لمسلسل ، وأصبح الجميع يتكالب علي لأقوم بتحويل أعمالهم الأدبية لمسلسلات ؛ نظرا للشهرة التي ستلحق بأعمالهم ، فهذا المسلسل جعل الأسرة تلتف حول شاشة التلفاز ، ولقد كتبتها في ثلاثين حلقة ، فرفضتها الرقابة ثم وافقوا على اختزالها في ساعة فرفضت ، حتى جاء نور الدمرداش وتحمس للعمل ، وجئنا بفريد شوقي بطلا ، لكنه غير رأيه خوفا من الفشل مع هذا الجديد ( التليفزيون ) فانسحب ، فأسندت البطولة لعبد الله غيث .
س/ من ممثل لمؤلف وسيناريست .. هل لعبت الصدفة دورا في تغيير المسار ؟
وأنا بالجامعة كنت رئيس فريق التمثيل وأمين عام اتحاد الطلبة وعملت مسرح بكلية التجارة ، وكان لابد من وجود مسرحية ؛ مما اضطرني لتأليف مسرحية تناسب مسرح الجامعة وأخرجها فؤاد المهندس ، وكان هذا المسرح نواة لمسارح الجامعات فيما بعد ، وكان التليفزيون في أول عهده ، ولم أكن مقتنعا به ، قابلني المخرج حسين كمال ، عرضت عليه فكرة عن الشباب فطلب مني كتابتها لتقديمها للتليفزيون، فاشترطت عليه أن أكون بطلها ، لكنه أعجب بي كمؤلف ، ولم يرق له تمثيلي ، ولما واجهت نفسي عرفت قدراتي في التأليف وكوني أكون فيه رقم واحد ، فعزفت عن التمثيل ، بعدها عملت ثلاثة أعمال ممصرة ، بدأت أفكر لماذا لا يوجد شكل درامي ، حتى تبلور داخلي شكل درامي للتليفزيون .
س/ الفنون جنون .. ما رأيك في هذه المقولة ؟
ضحك وقال : لقد اتهمت بالجنون غير مرة ، بداية من حلمي بوجود مسرح بالجامعة وأنا طالب وعندما عرضت فكرتي اتهموني بالجنون ، نظرا لوجود قاعة الاحتفالات لكني كنت أراها للخطب وغيرها لا للمسرح ، ثم كتبت قصة ثروت أباظة في ثلاثين حلقة ، فرفضتها الرقابة واعتبرتها جنون ، إذ كيف أجازف بوقتي كل هذه الساعات ، وعندما أردت تقديم أول مسرحية للتليفزيون ( الطريق المسدود ) رفضها سيد بدير ، فقد قام بعملها فيلما لفاتن حمامة ولم يحقق نجاحا ، فطلبت قراءتها فأعجب بها وشجعني ، وجعلت نور الدمرداش مخرجا لهذا النص المسرحي .
س/ هل الفن ممكن أن يغير قوانين ؟
لو كان صادقا ويعالج قضية حيوية هامة ، عندك مثال فيلم ( الضحايا ) غير قوانين وتوجهات تجاه تلك الفئة ، لقد عددتهم ضحايا محتاجين للعلاج ، وتغير اسم المؤسسة من مؤسسة الأحداث لمؤسسة الرعاية الاجتماعية ، كذلك يستطيع الفن التنبؤ بما سيحدث ، فلقد تنبأت بثورة 2011 في مسلسل ( إن كبر ابنك) 2004 م
س/ العملاق فيصل ندا مدرسة تخرج فيها عدد غير قليل ، وساروا على نهجك
قال : لقد ساندت شبابا كثيرين في مجال التمثيل والتأليف ، ولم يكن هناك غضاضة في ذلك .
قلت له : العصر تغير.. بتلك البساطة التي تتحدث بها سيادتك ، وبتلك الروح الشفافة التي نفتقدها اليوم ، العصر تغير فعلا .
-ولكن مائة وثلاثة من الأفلام ، ثمانون مسلسلا تليفزيونيا وسهرات تليفزيونية ، عشر مسرحيات ، وثلاث مسلسلات إذاعية .. رحلة طويلة من الإبداع ، بدءا من المسلسل التليفزيوني ( هارب من الأيام ) 1963م ، والذي أسس قواعد كتابة المسلسل التليفزيوني للتالين بعدك، ووصولا بالمسلسل الإذاعي( هارب من عش الزوجية ) 2018م وما بينهما، وكلاهما يبدأ بـ (هارب) ومثلهما ( هاربة من الجحيم ) من قبيل المصادفة ، عن هذا يدعوني لسؤالك عن نشاطاتك حاليا
عقب قائلًا : أعكف على كتابة مذكراتي الشخصية ، وقد أوشكت على الانتهاء منها ، وكذلك أضع اللمسات الأخيرة لمسلسلي ( الفرس الرابح ) وتدور أحداثه في الإمارات في مائة وخمسين حلقة ، يتناول مشاكل كثيرة عربية لأفراد مختلفي الجنسية من بلدان مختلفة يعيشون في الإمارات .
قلت مبتسمة : دائما لسيادتك المبادرة ، والتفكير خارج الصندوق
س/ ما أحب الأعمال إلى قلبك ؟
كلهم ؛ لأنني أتعب في كتابة العمل وأدرسه جيدا وأتعايش معه ضمانا للصدق الفني ، وهذا ما جعل له الاستمرارية .
كنت أود أن أستكمل حديثي لولا خوفي من الإطالة ، لمح ما أعنيه ، فقال : منذ سنوات أجريت عملية في باريس ، وتم وضع ( مسامير) لي ، وأعاني مشكلات مع العلاج الطبيعي .
رق قلبي لمعاناته .. لكن ذلك كان مؤشرا لي لإنهاء اللقاء ، وإن كنتُ طامعة في المزيد .
شكرته على حسن اللقاء ..

أجرت الحوار
صفاء بركــــــــــــــــــات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد