العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

اللؤلؤة السوداء و أخواتها

0

اللؤلؤة السوداء و أخواتها

بقلم – مروة الحمامصي
هل شاهدت سلسلة الأفلام الشهيرة المعروفة بقراصنة الكاريبي , فإذا لم تكن قد شاهدتها فهي سلسلة أفلام مغامرات خيالية تدور أحداثها في القرن الثامن عشر الميلادي , مزجت فيها بعض الحقيقة بالخيال من أسماء لشخصيات و أماكن وسفن , فنجد على سبيل المثال سفينة اللؤلؤة السوداء موجودة بشكل أساسي في الأحداث والقراصنة الغرقى الذين عادوا للحياة يشكلون معظم شخصيات أفلام السلسلة .
و لم يكن هذا وليد خيال صناع الفيلم , فالسفن الغارقة التي رقدت في أعماق الماء – حتى وإن انتشل موتاها – و الرحلات البحرية , هي مادة خصبة لقصص الرعب الشعبية في الغرب وربما كان هذا متأصلاً لديهم وظاهراً منذ القدم في ملحمة الأوديسا لهوميروس التي واجه فيها البحارون أهوالاً عظيمة فمن دوامة عملاقة تبتلع السفن كاملة إلى كائن عملاق يقتل البحارة وعرائس بحر يفتكن بهم , بل أن الخرائط البحرية القديمة كانت تضيف صوراً لتنانين في اشارة لوجود تلك الكائنات الأسطورية في تلك المناطق وعلى مر الزمان كانت ملاقاة البحارة لأي حيوان بحري يمثل اضافة جديدة للقصص الخرافية التي كانوا يقصونها عن رحلاتهم ربما لأن خيالهم صور لهم ذلك أو لإضافة صفة البطولة والمغامرة لرحلاتهم .
ولم يقف في وجه الخرافة سوى خرافة مثلها , فكان البحارة يتبعون بعض القواعد لإبعاد أخطار البحر عنهم , منها : أن ركوب النساء ورجال الدين وذوي الشعر الأحمر يجلبون الحظ السيء , كذلك كانوا يتشائمون من مرافقة أسماك القرش لسفنهم , لأنهم ظنوا أنها تشعر باقتراب أحد من البشر على الموت , وغفلوا أن الأسماك ترافقهم طمعاً في بقايا الطعام التي كانوا يلقون بها أو لفضول من القرش , وحرموا قتل طيور النورس معتقدين منهم أنها تحمل أرواح البحارة الموتى , وكذلك كانوا لا يبدأون رحلتهم يوم الجمعة لأنه يوم صلب المسيح , أما أغرب الاعتقادات والتي كانت تودي بحياة البحارة حرفياً هي حرص معظم البحارة على عدم تعلم السباحة لأنهم كانوا يؤمنون بقوة البحر التي ستنهي حياتهم بمجرد نزولهم فيه مهما كانت مهارتهم في السباحة .
وقد جرى العرف أنه عند ملاقاة سفينيتين في البحر وجب علي أفراد طاقم السفينتين تبادل التحية , غير أن جو الود هذا قد يعكره مقابلة سفن مهجورة تجوب البحر , حيث يظن أن البحارة الموتى هم من يسيرون تلك السفن , بل أن ظنوا أن السفن تبحر بنفسها بحثاً عن طاقمها المفقود , وفي بعض الأحيان كانت بعض السفن يضطر أن يغادرها بحارتها لظنهم أنها على مشارف الغرق , ولكنها تظل تجوب الماء , بفضل الرياح والتيارات المائية , ولكن أحياناً يصادف البحارة لقوارب خالية من الركاب , بدون تفسير لسبب مغادرتهم , فيذكر لنا التاريخ لغز السفينة “ماري سيليست ” والتي وجدت بالصدفة عام “1872”م , حيث كانت سفينة “دي جراتيا” علي بعد مئات الكيلو مترات قبالة سواحل جبل طارق , عندما شاهد قبطانها ” مور هاوس ” سفينة تبعد عنهم 8 كم , فاتجهوا لها ووجدوا سفينة مهجورة , دفتها تدور بلا توقف , و بوصلة محطمة , وخريطة رسم عليها خط حتى جزر ” الأزور ” التي تبعد حوالي 500 كم من موضع السفينة , ويبدو أنها كانت في طريق عودتها لتلك الجزر , حيث كانت تحمل المئات من براميل المشروبات الكحولية التي ظلت كما هي دون عبث , بل أن الطاقم ترك أغراضه الشخصية كماهي , بل أنه كانت تحضر وجبة في المطبخ , كل هذا ترك الأسئلة التي لا اجابة لها أين ذهب من كانوا بالسفينة , و افترض البعض أنهم غادروا السفينة لسبب ما و لم يربطوا الدفة ظناً منهم بعودتهم مرة أخرى , وقد سحبت سفينة “دي جراتيا ” ” ماري سيليست ” لأقرب ميناء في جبل طارق .
وقد انتشرت قصة السفينة بعد عودتها , حيث قد غادرت نيويورك في رحلة إلى ميناء جنوا بإيطاليا , وقبطانها كان يدعى “بنيامين بريجز ” وكان معه زوجته وطفلته التي تبلغ عامين , وسبعة بحارة .
وبرغم غموض الموضوع إلا أنه قد اضيف النار على البنزين , حينما طلب القبطان “مور هاوس ” مكافأة لسحبه سفينة “ماي سيليست ” للميناء سليمة بحمولتها , فكان هذا كافياً لإثارة الشكوك من حوله , حيث توجهت السلطات للمدعي العام في جبل طارق , فدارت الشكوك حول أن تلك تمثيلية مفتعلة بين طاقمي “دي جراتيا ” و ” ماري سيليست ” لاقتسام أموال التأمين , وتوالت التحقيقات وجلسات الاستماع وكان الغموض يزداد ومعه اهتمام الصحف بهذه القضية , وظهرت أدلة جديدة عند تمشيط المحققين للسفينة , حيث وجد سيفاً عليه دماء وجد في مقصورة القبطان , و دماء على أطراف السفينة , وبخلاف هذا لم يوجد أي دليل على العنف , ومرجح أن تكون تلك الدماء من صيد الأسماك بل من الممكن أن يكون هذا صدئاً , وبالطبع كان ذلك مادة خصبة للإشاعات , إلا أنه لم يوجد أي دليل ضد بحارة السفينتين يدينهم , وتردد صدى تلك الأخبار في مختلف البلاد , حتى بعد مرور حوالي اثنتي عشر عاماً نشرت إحدى المجلات البريطانية إفادة لشخص يدعى “جاي جيبسون ” ادعى أنه كان من ركاب “ماري سيليست ” , و أن سبب ماحدث أن راكباً مضطرباً عقلياً , قد قتل القبطان و عائلته و كذلك طاقمه و قد أراد الناس تصديق تلك الرواية لإنهاء الغموض الذي أحاط بتلك السفينة و أن ماحدث نهاية لسلسلة من اللعنات أحاطت بها , فبعد صنعها ظلت تستعصي دفعها للماء لثلاثة أيام , و في أول رحلاتها مرض قبطانها بعد أول يوم من مغادرة الميناء فاضطروا للعودة ونقله لمنزله حيث مات و انتقلت اللعنة إلى قبطانها البديل ” بنيامين بريجز ” الذي توفي أقربائه في حوادث في البحر ولتلك الأحداث , لذلك عزف عن العمل على السفينة الكثير من البحارة لظنهم أنها ملعونة حتى التحق بها آخر بحارتها لتلحقهم لعنتها , إلا أن الحكومتين البريطانية والأمريكية فتحت تحقيقات مع المجلة البريطانية للعثور على “جيبسون ” الراكب الناجي فاتضح أن الافادة مجرد قصة من تأليف كاتب شاب يدعى ” آرثر كونان دويل ” (1859- 1930) م , الذي غمره الحماس بعد نجاحه في نسج تلك القصة المشوقة عن السفينة فأنطلق يكتب سلسلة مغامرات بوليسية أخرى لمخبر سري يدعى ” شارلوك هولمز , وبالتدقيق في التحريات نجد أن أحدا لم ينتبه لخمس براميل قد تسرب منها الكحول على السفينة , و أن السفينة كانت تأخذ حمولتها من “هانترز بوينت ” وكانت حديقة صناعية في لونج آيلاند , وكانت معروفة بتصنيع الايثانول والفورمالدهيد , أي أن تلك البراميل لم تكون مشروبات كحولية في الأساس , و ربما عندما اقتربت السفينة من جزر “أزور” هبت عاصفة شديدة أجبرت الجميع على المكوث داخل السفينة , ونتيجة لتلك العاصفة الشديدة تكسرت بعض البراميل وتسرب منها المواد الكيماوية ونتج عن تفاعل تلك المواد بالهواء دخان سام الذي يصيب البشر بالهلوسة والدوار والاختناق , وعند هدوء العاصفة سارع من بالسفينة لركوب قارب النجاة الوحيد المربوط بالسفينة حتى يتبخر الدخان السام , ولم يجدوا وقتاً في رفع الأشرعة العليا لذلك عند هبوب الريح زادت سرعة السفينة , وقارب صغير مثل هذا عليه تلك الحمولة مع سرعة السفينة ربما أدى ذلك لقطع الحبل وفقدان القارب في البحر ووفاة ركابه من الجوع والبقاء في العراء وسط المحيط , وعندما دخل بحارة “دي جراتيا ” إلى “ماري سيليست ” كانت تبددت رائحة الأبخرة السامة .
وإذا كانت تلك قصة من الماضي جميع من شهدوها في عداد الموتى , فهناك حادثة أخرى من واقعنا المعاصر , في يناير 2003 م , على بعد 270 كم عن ساحل استراليا , وجدت سفينة الصيد “هاي إم 6 ” محملة بأسماك التونة التي بدأت في التعفن , وخزان وقودها فارغاً , و خالية من الطاقم , برغم من أن أغراضهم الشخصية في مكانها الطبيعي , ولا آثار لأي عنف , ولكن بعد عدة أسابيع , أبلغت أسرة مهندس السفينة , أنهم طلب منهم سداد فاتورة الهاتف الخلوي الخاص به , وقد أجريت المكالمات بعد اختفاءه , ورجحوا أن ذلك الهاتف كان مع شخص آخر , كما رجحوا أنها كانت تحاول أن تسبق سفينة ما , مما جعل الوقود ينفذ منها , وربما كانت تلك سفينة قراصنة , وربما قتلوا طاقمها ورموهم في المياه , وبعد سرقة ما أرادوا , تركوا السفينة , حيث كثرت حوادث القرصنة في الفترة الأخيرة .
وحطام السفن مادة خصبة للقصص الأسطورية , حيث تقدر السفن الغارقة في العالم بحوالي 3 مليون سفينة , فمن سفن القراصنة , إلى السفن الأسبانية التي كانت تنقل كنوز العالم الجديد , إلى سفن صيد الحيتان القطبية , إلى تيتانيك و لوسيتانيا التي غرقت في الحرب العالمية الأولى .
ونجد أن حطام بعض السفن تنقل لنا أحداث الماضي كأي قطعة آثار ومنها حطام سفينة “البورون” والتي تعود للقرن الرابع عشر قبل الميلاد . بالقرب من بلدة سياحية صغيرة جنوب غرب تركيا صياد للاسفنج من أهل البلدة وتعود للغصر البرونزي المتأخر .
ولا يوجد أفضل من سفن الفايكنج البحارة الغزاة التي عثر عليها والتي توثق تاريخهم ففي النرويج متحفاً يعرض تلك السفن , ومازالت حتى الآن بحيرات النرويج و أنهارها ينتشل منها سفن الفايكنج الشهيرة وتحتفظ إلى حد كبير بشكلها السابق .
وهناك سفن بعد غرقها دارت حولها قصص الرعب متصورين أن الغرقى أرواحهم تحيط بحطام السفينة ولا تجد الراحة , فنجد أن سفينة “رون ” البخارية البريطانية , التي غرقت في البحر الكاريبي بسبب عاصفة في أكتوبر 1867م وغرق فيها 124 شخصاً , ويبلغ طولها 95 متراً , والتي كانت تنقل البريد والركاب بين بريطانيا وجزر الكاريبي , وعند هبوب العاصفة تلافت السفن الخوض فيها وفرت منها فيماعدا السفينة “رون ” التي وثق قبطانها بقوتها وخاض في العاصفة التي كانت في الحقيقة إعصارا مركزه فوق السفينة تماماً , ولم يجد القبطان مفراً من الصراع مع العاصفة و أمر بحارته بتقييد الركاب بأسرتهم حفاظاً على أمانهم وحمايتهم من الإصابات وكان ذلك اجراءاً معروفاً في ذلك الوقت , وكان الاصطدام بموجة هائلة أدى لسحق السفينة وارتطام غلاياتها بالمياه الباردة و كاف لانفجارها وقسمها لجزءين وغرقها , ولم ينج منها سوى 23 شخصاً وحطامها الغارق قبالة سواحل جزر فيرجن البريطانية أصبحت مزاراً سياحياً يستقطب أعداد كبيرة من الغطاسين ليشاهدوا الحطام المغطي بالأعشاب البحرية والشعاب المرجانية وتتجول بداخله المخلوقات البحرية , وقد اشتكى بعض الزوار من أنهم يحسون بمن يشدهم أو يمسك بهم تحت الماء , كما كان البعض الآخر يسمع أصوات تأوهات وتكسر .
و إذا كانت العديد من السفن يلفها الغموض والرعب , فهناك كثير من السفن ايضاً تكون مسرحاً لأحداث مرعبة بمجرد الصعود إليها يخمن تفاصيلها , ومنها عشرات السفن من كوريا الشمالية التي تجنح سنوياً , لشواطيء لكوريا الجنوبية و اليابان معظمها سفن صيد خشبية قديمة , يكتشف على متنها بحارة موتى , قد تتحلل لتصل إلى الهياكل العظمية , ويظن أن هؤلاء أشخاص عاديون عديمي الخبرة من الجنود والمدنيين , أجبرتهم حكومة “كيم جونج أون ” على امتهان الصيد لزيادة مواردها , وبعض السفن يعثر عليها بدون بحارة لأن بحارتها قد غرقوا لسبب أو لآخر حتى تصل السفن مهجورة لكوريا الجنوبية واليابان , أو أن تلك السفن يهرب فيها الكوريون الشماليون من حكومتهم , ولعدم خبرتهم يهلكون في المحيط , و يرجح نظرية هلاك صيادي الأسماك حيث تذهب تلك الأسماك كصادرات للصين وكطعام لمليون جندي شمالي , ويبدو أن صيادي الأسماك المساكين بين شقي رحي فقد قررت اليابان عدم التهاون مع أي فرد يوجد على قيد الحياة على تلك القوارب باعتبار أنهم قد يكونوا جواسيس , بالرغم من أنه لم يثبت حقيقة ذلك الظن .
وهناك سفن أيضاً كانت ذات تاريخ مزدهر , ولكنها مثل الثوب الناصع البياض الذي لطخته بعض البقع , فالسفينة ” كوين ماري” وهي من السفن الفاخرة وعابرة للمحيطات دخلت الخدمة عام 1936م , وكانت تابعة لشركة “كونارد لاين ” ثم سحبت منها لتقوم بنقل الجنود خلال الحرب العالمية الثانية . وهي راسية الآن في ميناء “لونج بيتش ” بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية , في مساحة يتعدى طولها أربع شوارع , ولها اثنا عشر رصيفاً , وأكثر من ألف غرفة , كانت أكبر و أسرع من سفينة “تيتانيك ” وهي الآن على قائمة السجل الوطني للاماكن التاريخية الأمريكي .
وقد سافر على متنها أشهر الشخصيات العالمية من و إلى أضخم الموانىء في المحيط الأطلنطي , إلا أن مرحلة نقلها لجنود الحرب العالمية الثانية ظلت بقايا ذكرياتها السيئة تلوث سمعة السفينة , فهناك قصص عن شبح لجندي من الحرب العالمية الثانية , يتجول في الأروقة المظلمة باحثاً عن رفاقه الذين قتلوا في المعارك , وهناك قصص عن شبح لعروس تدخل وتخرج من الجدران , أما رواد الدرجة الأولى فيصادفهم شبح لفتاة صغيرة تدعى جاكي يسمع صوت ضحكها وغنائها حول حوض السباحة .
وربما كانت تلك القصص مصدرها إلى أن الحكومة الأمريكية قد سحبت السفينة من الشركة المالكة “كونارد لاين ” لتضمها للبحرية الأمريكية لتخدم في نقل الجنود فكانت تنقل عشرات الألوف من الجنود في كل رحلة , ومن سرعتها وقوتها كانت تنقل الجنود في مياه تعج بالغواصات الألمانية بكل سلاسة , ورصد “هتلر ” جائزة تقدر مايعادل 3.5 مليون دولار لإغراقها , وكانت تنقل رئيس وزراء بريطانيا ” وينستون تشرشل ” لحضور الاجتماعات عبر الأطلنطي . و لكن الرعب لم يأت بعد ففي أكتوبر 1942م قبالة السواحل الأيرلندية , اصطدمت “كوين ماري ” وكان على متنها خمسة عشر ألفاً من الجنود , عرضياً بسفينة مرافقة تدعى” إتش إم إس كوراكوا “. وبالطبع غرقت السفينة الصغيرة وبقي الجنود عالقون في المحيط , فكان الأمل في “كوين ماري ” أن تنتشلهم , والتي كانت لديها أوامر مسبقة بعدم التوقف , فالمنطقة خط سير للغواصات الألمانية واكتفت بأن اصدرت الأوامر لسفن أخرى بانتشال البحارة العالقين, وقد غرق 329 جندياً بعد الصراع في المحيط لساعات وبقى على قيد الحياة 99 بحاراً .
فتعلقت أشباح الجنود في السفينة التي كانت أملاً كاذباً لهم , كما يظن أن الفتاة جاكي هي طفلة غرقت في حوض السباحة , وذلك بعد الحرب العالمية الثانية , وكذلك العروس ماتت مريضة أثناء رحلتها لعريسها .
و سفينة بكل هذه الإمكانيات وهذا التاريخ , لن تبقى بدون فائدة , حتى وإن رست بلا إبحار , فقد نظمت زيارات للسياح لكي يتجولوا في أروقة السفينة وكانت قصص الأشباح لها مذاق خاص لزوار توافدوا خصيصاً لمقابلة الأشباح , فهناك شبح لميكانيكي السفينة “جون ” الذي توفي عام 1966م , وكان يبلغ ثمانية عشر عاماً , حيث سحقه أحد أبواب السفينة في تدريب لإجلاء السفينة عند الحريق للطاقم , وهو يتفاعل مع الزوار بإعطاء اشارات على وجوده . وفي إحدى الزيارات أكد الفوج السياحي أن المرشدة حجمها يتبدل وطولها يزداد لمترين . وبذلك أصبحت “كوين ماري ” ذات فائدة اقتصادية سياحية حتى بعد وقوفها على الشاطيء .
وليست كل السفن المهجورة في أعماق المحيط , أو راسية على أرصفة الموانئ , بل أن هناك سفن على البر في الصحراء تمثل لغزاً , ومنها سفينة “ادوارد بولينج ” في صحراء “ناميبيا” والتي جنحت عام “1909”م بسبب الضباب ,وقد دفعت الرمال إلى شاطيء البحر , فتعلقت السفينة في الصحراء , و أصبحت السفينة ملجأً لحيوانات الصحراء مثل ابن آوى لتحتمي من حر الصحراء .
ونجد كذلك العديد من السفن التي تجنح للشاطيء أو تترك بالقرب من الموانئ فتصبح ظاهرة للعيان بعضها أو يمكن زيارة حطامها المتبقي على الشاطئ حيث نجد ظاهرة في ميناء نوازيبو الموريتاني والذي يزخر بالعديد من السفن المهجورة واتضح بعد ذلك أن لها فائدة اقتصادية , حيث فيها أكثر من مئة سفينة مهجورة , ربما لأن الحكومة هناك متساهلة مع شركات السفن التي تترك سفنها وتتخلص منها هناك , فوجدت أن ذلك أسهل و أوفر من انتشالها واعادة اصلاحها أو بيعها لاعادة تدويرها , أي أن المنطقة هناك أصبحت مكباً للسفن , فتحولت أنقاض تلك السفن لمساكن تجمع الأسماك , فجعل الصيد أكثر ازدهاراً , حيث أن الصيادين هناك يستعملون أدواة بسيطة غير متقدمة .
وإذا كان ميناء نوازيبو الموريتاني مكباً للسفن الغير مرغوب فيها , فإن الحكومة الأسترالية وعن قصد قد جمعت 15 سفينة تم اغراقها عن قصد فيمابين 1963- 1978م , لإنشاء مرفأً صناعياً في منتجع جزيرة تنجالوما , ولكن ماحدث أدهش العلماء من حيث وفود أكثر من مئة نوع من الأسماك حول الحطام والتي أمكن دراستها , و طمست معالم تلك السفن إلا سفينتين يمكن التعرف عليهما , وهما “ماريبورو ” و ” البيرليكان ” ويعود تاريخهم للقرن التاسع عشر , فكانت حطام السفن و الكائنات البحرية التي تعيش حولهم مقصداً لمحبي الغوص من السياح .
وينضم لقائمة السفن التي هجرت وتركت بدون سبب سفينة “سماء الأبيض المتوسط” على سواحل اليونان , و كانت سفينة سياحية شهيرة في الخمسينات من القرن العشرين , وقد حولت في الثمانينات إلى سفينة شحن لمدة خمسة عشر عاماً دون اصلاح أو صيانة , ثم أفلست الشركة المالكة فتخلوا عنها عام 1999م , وتركت مكانها , وعام 2002 بدأت في الغرق , ومالت على جانبها عام 2003 م .
وليس كل ترك السفن بعد خروجها من الخدمة اهمالاً , فهناك سفينة ” ماري دي هوم ” في الولايات المتحدة الأمريكية , وهي أطول سفينة بخارية عملت في تاريخها فعملت مابين عامي 1881م – 1978م على طول ساحل المحيط الهادي فرغم أنها تركت كحطام بالقرب من مكان صنعها الأصلي , إلا أنها أصبحت مزاراً أثرياً وطنياً .
وعودة لليونان البلد السياحي التي استطاعت الاستفادة بكل عوامل السياحة على أرضها وبحرها فنجد أن السفينة “أولمبيا” وهي على شاطئ كالوتاريتيسا قبالة ساحل جزيرة أمورجوس , والتي كانت نهايتها في أوائل عام 1980 م , حيث واجهت رياحاً قوية فاضطر قبطانها للرسو بالقرب من الشاطئ ، لكن تلك الرياح القوية نفسها تدخلت وألقت بالسفينة على الصخور. , واشتهرت قصة تلك السفينة حيث كان حطامها موضوع الأفلام الوثائقية و نظمت الرحلات السياحية لزيارتها , وكانت ايضا موضوعاً لفيلم روائي طويل انتج في 1988م .
وهناك حادثة طريفة لسفينة مهجورة و كأنها قامت بالانتحار , وهي سفينة ” إي إس ماهينو ” وهي سفينة عابرة للمحيطات أنشأت في عام 1905م ، من قبل القوات البحرية النيوزيلندية كسفينة مستشفى خلال الحرب العالمية الأولى. وكان طاقمها الطبي مكوناً من خمسة أطباء ، و 61 منظماً ، ومربية ، و 13 مرضعة ، وكانت السفينة تنقل الجنود الجرحى والضحايا بعيدا عن المعركة. وبعد انتهاء الحرب في عام 1918م , أعيدت السفينة لشركتها لاستخدامها تجارياً و في عام 1935 م ، تم ربط السفينة بسفينة اسمها “أوناه ” التي يبلغ وزنها 1758 طنا عبر حبل سلكي ، متجهة إلى ساحة تكسير السفن في اليابان. اصطدمت السفن بإعصار على بعد حوالي 50 ميلا من ساحل سيدني ، وتم فصلها ، وانجرفت “إس إس ماهينو ” بعيدا واختفت. و تم العثور عليها ، على الشاطئ قبالة جزيرة فريزر ، بعد بضعة أيام.
ومن الأحداث الطريفة أيضا لغرق السفن ماحدث للسفينة “سانتا ماريا ” والتي يبدو أن الطبيعة أعلنت عن غضبها من حمولة تلك السفينة , حيث غرقت في سواحل الرأس الأخضر في المحيط الأطلنطي , وذلك عام 1968م , وكانت محملة بالسيارات والملابس والأطعمة كتمويل من ديكتاتور اسبانيا الجنرال فرانكو إلى مؤيديه بالبرازيل والارجنتين , فغرقت بحمولتها وفشلوا في انتشالها .
وما أخفاه قادة المركبات البحرية , يكتشف حتى ولو كان تحت الماء ويستخرج من تحت الماء ليبقى على صفحتها كنوع من العقاب وعبرة لمن تسول له نفسه , فهناك غواصات للتهريب تمتلكها العصابات ومعدلة ومصنعة يدوياً تستخدم لتهريب المخدرات على طول المحيط الهادي , وبرغم ذلك ماتزال العصابات تستخدم تلك الغواصات و مازالت الحكومات لهم بالمرصاد .
وتعود لنا اليونان مرة أخرى التي استفادت بحطام سفن المهربين فنجد سفينة ” باناجيوتيس ” على شاطئ نافاجيو ، والتي أصبحت مقصداً للسياح , وقد جنحت للشاطئ عام 1980 م , وكانت تحمل السجائر المهربة من تركيا .
و إذا كانت بعض شركات الملاحة تخطيء في تقدير قيمة سفنها , فنجد بعض الشركات كذلك تخطيء في تعيين قادة سفنها , فهناك قصة طريقة طريفة لحماقة ربان سفينة , فهناك سفينتان غرقتا في مياه كاليدونا الجديدة ” جنوب غرب المحيط الهادي , فقد تعطلت سفينة في ستينات القرن العشرين بسبب ضحالة المياه والشعاب المرجانية , وفي عام 1970م , اسند لنفس الربان قيادة سفينة من نسخة مطابقة لسابقتها ولم يستطع القبطان تفادي أخطائه السابقة فتغرق السفينة بالقرب من أختها إلا أن نموذج السبعينات تآكل بسرعة أكبر من الأقدم .
ويبقى الماء يحمل الكثير من القوارب والسفن في كل بقاع الدنيا , في آية بديعة من صنع الخالق , فمنها من يصل إلى مرفأه , ومنها مايصل بشق الأنفس , ومنها مايتجه بعيداً عن وجهته الأصلية , ومنها مايغرق وقد تلفظه المياه خارجها , ليظل تلك المغامرات تشغل الكثير من الناس , وكلما زاد غموضها , زاد المشتاقون لمعرفة حقيقة ماحدث .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد