الكاتب الصحفى / مدحت مكرم
مدير عام جريدة اليوم التامن الإلكترونية
كان لافتًا فى إحدى حفلات «إفطار الأسرة المصرية» الذى تنظمه مؤسسة الرئاسة بحضور طوائف المجتمع أن يتأخر الرئيس عبدالفتاح السيسى عن دخول قاعة الاحتفال رغم انطلاق أذان المغرب، حتى انتبه الحضور أن الرئيس يحرص على أداء صلاة المغرب بعد تناول تمرة التزاما بالسنة النبوية.
التزام الرئيس بالسنة النبوية وليد نشأة دينية بين أحضان سبط النبى «سيدنا الحسين» حيث الجو الروحانى المنتشر طوال السنة وليس فى رمضان فحسب لذلك فإنه إلى جانب تضمن الشهر الكريم مجموعة من الطقوس والعادات التى اعتاد عليها الرئيس ويحرص عليها كل عام فإنه أيضًا بالنسبة له شهر للعمل والنشاط والإنجاز.
وإلى جانب تلك «النشأة الدينية» فإن الحياة العسكرية للرئيس التى اختارها واختارته ساهمت هى الأخرى فى أن يكون شهر رمضان بالنسبة له شهرًا للعبادة والعمل، فنشاط أفراد العسكرية المصرية لا يتغير بقدوم «شهر الصوم» بل يعتبرونه فرصة للإنجاز بداية من أصغر مشروع وأسهل مهمة حتى «قرار الحرب».
وكان للقدر دور فى أن يكون رمضان شهرًا للأحداث الكبرى فى حياة الرئيس والتى لم تؤثر عليه هو فحسب بل غيرت فى تاريخ مصر الحديث كله بداية من تعيينه وزيرًا للدفاع وصولا إلى عدة أحداث رئيسية شهدها الشهر خلال فترة حكمه.
نشأ بين أحضان «الحسين».. وحفظ القرآن على أعتاب «أم الغلام»:
لا ترتبط مساحة الدين فى حياة الرئيس بشهر رمضان بالتحديد بل هى أحد تكوينات شخصيته وهو ما عبر عنه بقوله فى أول حواراته مرشحًا للرئاسة: «أنا مصرى متدين وسطى يعشق وطنه تشكل وجدانى فى ربوع الأزهر والحسين متأثرًا بالشعراوى والشيخ صادق العدوى».
ويعد تدين السيسى هو الدين الذى يعرفه المصريون ذلك الدين البسيط الذى جعله يقف أمام الكاميرات يناجى الله قائلًا: «يارب أنت عالم بينا ومطلع علينا وناس كتير عشمانة فيك ربنا هيساعدنا» ويطلب مساعدته فى مرة أخرى: «يارب إحنا ظروفنا صعبة يارب حضرتك تساعدنا» دون أن يعبر بخاطره كيف سيتعامل الساسة والخصوم والمؤيدون كان فقط يخاطب الله على سجيته.
ومنذ اللحظة الأولى التى ظهر فيها السيسى فى المشهد السياسى لازمه تدينه الشديد كأحد أهم معالم شخصيته وراح يبحث عن الله فى كل خطوة يخطوها ليس فقط على الصعيد الحياتى بل السياسى أيضًا فوقف على أرضية دينية ثابتة ومتوازنة مكنته من مواجهة جماعة الإخوان بتطرفها واعوجاج منطقها دون أن يخضع فيها لابتزازهم بأنهم «وكلاء الله فى الأرض» وأنهم يحتكرون الدين.
وقضى السيسى طفولته وسنوات شبابه الأولى بين جنبات شارع «المعز لدين الله الفاطمى» فى حى «الجمالية» حيث ولد وتربى وعاش مع والديه وأشقائه فى عقار يملكه الجد «حسين السيسى».
وفى رحاب «الحسين» داوم على صلاة الفجر فى مسجد «سيدى على الإتربى» المجاور لمنزله، كما ذهب على فترات إلى جامع «أم الغلام» لحفظ القرآن الكريم مع «الشيخ فتحى» كما حكى أحد أفراد أسرته.
وأفرزت التكوينات الدينية المتوازنة سالفة الذكر والتى نشأ فى أحضانها السيسى مصريا مسلما وسطيا يراعى حدود ربه دون مغالاة ليخوض معركة طاحنة لتجديد الخطاب الدينى من قناعة ثابتة بأن المغالاة والتشدد لم يعودا مناسبين للعصر وآلياته مع رفض الدولة الدينية والدعوة للثورة على المفاهيم الخاطئة باسم الدين.
إفطارات عائلية مع أشقائه وأبنائه.. ووقت للأحفاد:
بات من المؤكد أن الرئيس من الشخصيات المحافظة فلا يقبل أن تظهر عائلته تحت الأضواء ويحرص على الروابط الأسرية فلا يفوته لم الشمل الأسرى فى الشهر الكريم على الرغم من ضغوط عمله.
كان السيسى شديد الحرص على الإفطار فى رمضان مع والدته التى كان شديد الارتباط بها ولم يمنعه عنها انشغالات المناصب بتدرجاتها المختلفة وحتى أثناء انغماسه فى المعركة الانتخابية كان دائما يجد وقتا ليلجأ إليها ويحتمى بكلمات دعائها له.
وفى اول لقاء تليفزيونى له كمرشح قال: «أنا مرتبط بها ارتباطًا شديدًا وهى سيدة مصرية أصيلة جدا بكل معنى الأصالة وربتنى على الاعتماد على الله والرضا بالقدر».
وبعد وفاتها حرص السيسى على استمرار الطقس العائلى بإفطارات رمضانية لعائلته وأشقائه «أحمد وحسين» و٥ بنات هن «زينب ورضا وفريدة وأسماء وبوسى»، وأبنائه «مصطفى ومحمود وحسن وآية» كما يحرص على أن يقضى وقتا مع أحفاده.
ومثل عبدالناصر والسادات وقع السيسى فى غرام الإسكندرية خلال شهر رمضان على عكس الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى كان يقيم بشكل شبه دائم بمدينة شرم الشيخ.
وسار الرئيس على نهج عبدالناصر الذى اتخذ الإسكندرية مركزًا لمناقشة وإصدار أهم القرارات فى تاريخ الدولة المصرية الحديثة خلال شهر رمضان ومن بينها الاستعداد للحرب بعد النكسة وتسليح الجيش والسادات الذى عشق رمضان فى الإسكندرية وكان يعتكف بها داخل استراحة المعمورة آخر عشرة أيام فى قراءة القرآن كله وإحياء ليلة القدر وأداء صلاة التراويح فى مسجد «أبوالعباس».
وتعد الإسكندرية كذلك هى المكان المفضل للرئيس السيسى لقضاء أوقات الإجازة فى الأعياد باستراحة رئاسة الجمهورية والتى تم تجديدها مؤخرًا لتصبح مقر العطلة للرئيس وزوجته السيدة «انتصار» وقد يرافقهما أحد أبنائهما وأسرته فى بعض الأحيان.
وفيما يداوم الرئيس على صلاة التراويح ويداوم على أداء الفروض حتى على سفر كما يقول أحد أفراد الحرس الجمهورى يؤدى صلاة عيد الفطر بمسجد «محمد كريم» بمقر قيادة القوات البحرية برأس التين بالإسكندرية.
«إفطار الأسرة المصرية».. الوطن على مائدة واحدة:
كما يحرص السيسى على الإفطارات العائلية مع أسرته الصغيرة خلال شهر رمضان دشن تقليدا رئاسيا بإفطار سنوى رمضانى يضم جميع فئات المجتمع تحت اسم «إفطار الأسرة المصرية» للحفاظ على مفهوم «الأسرة المصرية» الذى يحمل العديد من المعانى النبيلة التى نستلهم منها مكارم الأخلاق وأصالة العادات والتقاليد المصرية.
ويشمل ذلك الإفطار رئيس مجلس الوزراء وعددا من الوزراء وأعضاء مجلس النواب وأعضاء المجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية والمجلس القومى للمرأة وممثلى مختلف المحافظات وقبائل سيناء والنوبة ومطروح وأُسر شهداء القوات المسلحة والشرطة وكُتاب الرأى وشباب الجامعات المصرية والكليات العسكرية وممثلى الفلاحين والإعلاميين والفنانين والرياضيين وذوى الاحتياجات الخاصة ومسئولى عدد من المؤسسات الخيرية.
الفكرة المبتكرة أصبحت تقليدًا سنويًا دائما تنتظره الأوساط السياسية والاجتماعية والفنية حيث يلتف الجميع على مائدة الوطن ويستغل الرئيس الفرصة ليفتح الملفات ويستعرض الحقائق ويعرض ما تم تحقيقه وما يأمل فى إنجازه ويرد على تساؤلات الشارع.
وتضمن تنفيذ الفكرة على أرض الواقع الحرص على أن تضم كل مائدة جميع فئات المجتمع، فتجد ممثل الفلاحين والعمال وأحد الوزراء والإعلاميين وأحد شباب الجامعة ورجال الفن ونواب البرلمان.
١٤ ساعة عمل يوميًا مع الصوم ومقياس للأداء طوال الشهر:
منذ دخول الرئيس السيسى إلى قصر الاتحادية وجدوله اليومى لم يتغير حتى فى شهر رمضان الذى ظل فيه جدول عمله كما هو دون تغيير رغم ما يستلزمه الشهر من تقليص لعدد ساعات العمل اليومية.
يبدأ السيسى يومه خلال رمضان فى الخامسة صباحا بطابور الرياضة الخاص به والذى يتنوع بين ركوب الدراجة أو الركض ولا يقل عدد ساعات العمل اليومية للرئيس عن ١٤ ساعة يوميًا طبقا لـ«مقياس الأداء الرئاسى» الذى حرص على تدشينه مع الأيام الأولى لتوليه المسئولية ويتضمن إعداد تقرير دورى حول وقت الرئيس لتقييم حجم الإنجاز اليومى والأسبوعى والشهرى فى سابقة هى الأولى من نوعها بالقصر الرئاسى.
ويعتمد ذلك المقياس على حساب ساعات العمل للرئيس مقسمة إلى لقاءات داخلية وأخرى خارجية ومباحثات ثنائية هاتفية ويرصد عدد اللقاءات الحكومية مع رئيس الوزراء وأعضاء المجلس الوزارى.
وتتصدر قضايا مواجهة الإرهاب وإزالة التعديات على أراضى الدولة وتخفيض عجز الموازنة وإجراءات مواجهة ارتفاع الأسعار ومتابعة أصداء قرار التعويم أغلب الاجتماعات الحكومية خلال شهر رمضان الجارى.
وكشف مقياس الأداء بالمؤسسة عن شهر رمضان الماضى أن أغلب اجتماعات الرئيس خلال الشهر تمحورت حول إجراءات تخفيض عجز الموازنة، وضمانات عدم قطع التيار الكهربائى.
ويبلغ متوسط ساعات العمل اليومية للرئيس السيسى خلال شهر رمضان ما بين ١٠ إلى ١٤ ساعة يوميا وبحسب تقرير صادر عن «مقياس الأداء الرئاسى» فإنه عقد فى رمضان الماضى ما يقرب من ٢٨ لقاء حكوميا مع المسئولين المصريين والتقى ٧٥٪ من الوزراء فى النصف الأول من الشهر.
ويخصص السيسى ٩٠٪ من وقته للسياسة الداخلية والملفات الخاصة بالشأن الداخلى وعقد اجتماعات ومتابعات للمشاريع القومية، وسد احتياجات المواطنين وتشغل ١٠٪ من وقت عمله بمؤسسة الرئاسة للسياسة الخارجية ومتابعة الملفات المعنية بها مصر مع الدول الأخرى.
حلف يمين «الدفاع» فى «ليلة القدر».. ويواجه أحداثًا ساخنة كل رمضان:
ارتبط شهر رمضان عند عبدالفتاح السيسى بأحداث سياسية ساخنة لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن يومياته فى شهر رمضان وكما قال فى أحد لقاءاته: «أمى علمتنى الإيمان بالقدر» فإن ذلك القدر هو من ساقه إلى حلف اليمين وزيرا للدفاع فى ليلة القدر ٢٠١٢ ليكتب فيما بعد فصلا فى التاريخ باسمه كمنقذ للدولة المصرية من أيدى الإرهابيين.
وقضى السيسى رمضان ٢٠١٣ الذى شهد «المرحلة الانتقالية» منغمسا فى مواجهة إرهاب الجماعة الذى طال المدنيين والجيش والشرطة على حد سواء ليطلق دعوته الشهيرة للشعب للتظاهر وتفويض الجيش لمواجهة العنف.
وقال الرئيس فى كلمة أمام حفل تخرج لطلاب من أكاديميتين عسكريتين إن الجيش والشرطة يحتاجان إلى تفويض لمواجهة أى عنف أو إرهاب خلال الفترة المقبلة وناشد الشعب المصرى تحمل المسئولية مع الجيش والشرطة فى مواجهة ما يحدث فى الشارع مؤكدًا حينها أن هناك من يريد حكم البلاد أو تدميرها ودفعها إلى نفق خطير وأن الجيش لن ينتظر حدوث مشكلة كبيرة.
ولم يخل رمضانه الأول داخل قصر الاتحادية فى ٢٠١٤ من الأحداث الساخنة حيث لم تراع الجماعة الإرهابية قدسية الشهر الكريم وخضبته بدماء النائب العام المستشار هشام بركات وتغتال يد الغدر جنود رفح ليقضى السيسى شهرًا ملتهبًا بأحداث دامية ويكون خلية إدارة أزمة لمتابعة الحادثين.
فيما استهل رمضان ٢٠١٥ فى عامه الثانى بالرئاسة بأزمة اتفاقية تيران وصنافير التى شغلت وقتا ليس بقليل فى إطار توضيح الحقائق وظروف توقيع الاتفاقية التى أثارت الرأى العام وعقد السيسى اجتماعًا موسعًا مع ممثلى مختلف فئات المجتمع المصرى.