الكاتب الصحفى / مدحت مكرم
مدير عام جريدة اليوم التامن الإلكترونية
لطالما سمعنا أن الحرب خدعة وعنصر المفاجأة ضروري ولا مفر منه في أي معركة إذا أردت أن تظفر بنصراً محققاً وكانت المخابرات العامة خير صانع للخدعة تغلفها في مجموعة من الأكاذيب ليلتقطها العدو ويبتلع الطعم ويضع استراتيجيه بناء على معلومات مغلوطة وغير صحيحة، قدمها رجال الظل للموساد الإسرائيلي قبيل الحرب فكانت سبباً في تحقيق أكبر خداع استراتيجي علي مستوي العالم في حرب 73 من أكتوبر .
قبل الحرب بأسبوع فقط كانت هناك اجتماعات متواصلة في كافة قطاعات جهاز المخابرات العامة الكل يبحث عن أصغر الثغرات التي من الممكن أن تحدث ساعة الحرب ويضع لها حلولاً بل كانوا يصنعون خططاً بديلة ولم تكن تلك الحلول لتلك المشكلات التي تم دراستها قبيل الحرب عادية وبالتالي كانت تحتاج إلي حلول غير تقليدية بل احتاجت إلي خيال جامح أكثر من العقل المنطقي وكانت كل غرفة في جهاز المخابرات تكتظ بدخان السجائر المصرية حتي تلمع فكرة فريدة في رأس ضابط أطلق لخياله العنان ليضع خطة جهنمية يكون السبب والمسبب فيها كافياً لإقناع العدو الصهيوني أن ما يشاهده أو يقرأه أو يسمعه طبيعي ولا يخرج عن الروتين المصري .
كانت إحدى المشكلات التي واجهت رجال المهام الصعبة والتفكير العميق في ذلك الوقت هو كيف سيتم استيعاب العدد الهائل من المصابين والجرحي ساعة الحرب في المستشفيات المصرية فقد تم دراسة الوضع عما إذا قامت الحرب وتوصلوا إلي أن عدد المصابين والجرحى في الموجة الأولي للعبور قد يصل إلي عدد ضخم يحتاج إلي عدد مساوً له في التجهيزات والأسرة الفارغة للجرحى، وبالتالي كيف يتم إخلاء العدد الكافي من المستشفيات قبيل الحرب بأسبوع استعداداً لاستقبال المصابين من الجنود والضباط دون أن يشعر العدو أن مصر تجهز للعبور عن طريق إخلاء مستشفياتها استعداداً للحرب .
من هنا ظهرت فكرة ألمعية لرجال المخابرات المصرية، تعتمد علي المنطق والحيلة المقنعة التي لا يشك فيها العدو ولا تلفت الأنظار لتحركات مصرية مريبة قد تسوقه في النهاية إلي استنتاجات خاصة بالتجهيزات لعبور الضفة، فتوصلوا إلي أن انسب طريقة لإخلاء المستشفيات في ذلك الوقت، هو إشاعة مرض يسبب الموت، مما يدفع وزارة الصحة إلي اتخاذ تدابير وقائية لحماية المواطنين واتخاذ إجراءات خاصة بالمستشفيات التي انتشر فيها الوباء، وكان الاختيار يقع علي مرض التيتانوس في ذلك الوقت والذي كان يؤدي للوفاة.
ولكن كانت معضلة أن يتم انتشار التيتانوس في أكثر من مستشفي في مدي زمني واحد، وهو ما قد يؤدي إلي إثارة الشكوك، لدي جهاز الاستخبارت الاسرائيلي ليبحث ويحلل تلك الظاهرة الغريبة والتي قد تقوده في النهاية إلي نتائج خاصة بإخلاء المستشفيات لهدف استراتيجي وليس لهدف ظاهري، وبالتالي كان لابد من الاعتماد علي البلبلة لنشر الخبر بعد وضع الطعم في مستشفي واحدة فقط على الأقل وباقي المهمة تكون متروكة للصحافة والإعلام .
وكانت وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المطبعة يتولي مراقبتها وتحليل محتواها فريقاً كاملاً من جهاز المخابرات الإسرائيلية لدراسة وتحليل الرأي العام المصري وما يمر به لعمل تقارير خاصة عن الأوضاع المصرية ومدي استعداد مصر لخوض الحرب ومن هنا جاءت الفكرة بالاعتماد علي أحد الصحفيين ذو الثقل المهني والشعبي في جريدة قومية أن ينشر عدد من المقالات المضادة والمثيرة عن واقعة انتشار وباء التيتانوس في احدي المستشفيات الحكومية وإصابة البعض بالمرض ليفتح المجال أمام الصحفيين والكتاب وأصحاب الرأي من الحديث المقلق عن الوباء والحادثة وتأثير المرض وخطورته علي حياة الإنسان وبالتالي بعد أيام قليلة فقط من إثارة البلبلة و إثارة الرأي العام وتخوف قطاع كبير من المرضي من التردد علي المستشفيات الحكومية خوفاً من التقاط العدوي المميتة يكون لزاماً علي وزارة الصحة في ذلك الوقت أن تقوم بإخلاء المستشفي التي ظهر بها الوباء .
وكإجراء احترازي من وزارة الصحة تقوم بفحص وإخلاء عدد من المستشفيات وتعقيمها بعد ورود تقارير بوجود أثار للعدوي وإصابة بعض الأشخاص بالمرض في مستشفيات أخري وبالفعل نجحت الخطة وتم إخلاء عدد كافً من المستشفيات الحكومية وأصبحت الأسرة خالية من المرضي وجاهزة لاستقبال أبطال الحرب الذين استجابوا لنداء الواجب والكرامة في العاشر من رمضان بعد أن جهزت لهم المخابرات العامة مستشفيات شبه خالية مجهزة ومعقمة دون أن يدرك العدو أن كذبة التيتانوس كانت طريقاً لعلاج أبطال العبور .