نسائم الإيمان ومع سعد بن أبى وقاص
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
هو سعد بن مالك بن أهيب، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وآخرهم موتا ، وهو من أوائل من دخلوا في الإسلام وكان في السابعة عشر من عمره ، ولم يسبقه في الإسلام إلا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي بن أبى طالب كرم الله وجه ، وزيد بن حارثه رضى الله عنهم جميعا ، وهو أحد الستة الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عنهم راض.
وكان سعد رضى الله عنه ، وكان فارسا شجاعا من أمراء الرسول صلى الله عليه وسلم ،وشهد بدرا وما بعدها ، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية ، وجده أهيب بن عبد مناف، عم السيدة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ولد في مكة سنة ثلاثه وعشرين قبل الهجرة .
وكان ممن دعاهم أبو بكر للإسلام، فأسلم رضى الله عنه مبكرا، وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه ، وهو أحد الفرسان، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أحد الستة أصحاب الشورى.
ويتحدث سعد عن نفسه فيقول: ولقد أتى عليّ يوم واني لثلث الاسلام” يعني أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا إلى الإسلام، وقد أعلن إسلامه مع الذين أعلنوه بإقناع أبي بكر الصديق وهم عثمان ابن عفان والزبير ابن العوّام وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله.
ولم تعد حياة سعد رضى الله عنه، ضياعا في أحاديث التجارة أو اللغو، ولم يعد عمله في صنع السهام والقِسِيّ من أجل الربح، بل أصبح عمله جميعه موجها لهدف واحد، هو نصرة الدين، وإعلاء كلمة الله، والجهاد في سبيله بالمال والنفس والأهل والعشيرة ، فقد شهد مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، غزوة بُواط وكان يحمل لواءها، وغزوة أُحد.
وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، يعتمده في بعض الأعمال الخاصة، مثل إرساله مع علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما بمهمة استطلاعية عند ماء بدر، وعندما عقد صلح الحديبية كان سعد بن أبي وقاص أحد شهود الصلح.
وقد تولى سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه، مهمة قيادة جيش المسلمين في أصعب مرحلة من مراحل الحرب في بلاد فارس والعراق، فاستطاع بفضل الله أولا، ثم بكفاءته وقدرته القيادية وتوجيهات أمير المؤمنين وجيش يملؤه الإيمان أن يهزم الفرس هزيمة ساحقة في القادسية.
ويقال أن بعد إسلامه قد أخفقت جميع محاولات رده وصده عن الإسلام ، فلجأت أمه إلى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه إلى وثنية أهله وذويه ، ولقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب ، حتى يعود سعد إلى دين آبائه وقومه، ومضت في تصميم مستميت تواصل إضرابها عن الطعام والشراب حتى أوشكت على الهلاك.
وحين كانت تشرف على الموت ، أخذه بعض أهله إليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت ، وذهب سعد ورأى مشهد أمه وهي تتعذب ولكن إيمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل شيئ، فقال لها: تعلمين والله يا أماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني هذا لشيء.
فإن شئت فكلي، وإن شئت لا تأكلي ، فحلفت ألا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب ، فأنزل الله : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) سورة العنكبوت .
ويقال فى معركة القادسيه أنه خرج سعد بن أبى وقاص في ثلاثين ألف مقاتل و لقاء الفرس المجتمعين في أكثر من مائة ألف من المقاتلين المدربين ، المدججين بأنواع متطورة من عتاد وسلاح ويتولى قيادة الفرس رستم ، وقبل المعركة كانت الرسائل بين سعد و أمير المؤمنين الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب .
وقد أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الى سعد فقال له ” يا سعد بن وهيب ،لا يغرّنّك من الله، أن قيل: خال رسول الله وصاحبه، فان الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته، والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سوء، والله ربهم وهم عباده، ويتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة.
فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه، فألزمه، فانه الأمر” ثم يقول له: اكتب اليّ بجميع أحوالكم ، وكيف تنزلون..؟ وأين يكون عدوّكم منكم، واجعلني بكتبك إلي كأني أنظر إليكم”.
ويكتب سعد بن أبى وقاص، إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فيصف له كل شيء حتى انه ليكاد يحدد له موقف كل جندي ومكانه، وقد أوصى عمربن الخطاب ، سعد بدعوتهم إلى الإسلام ، وينفذ سعد وصية عمر، فيرسل إلى رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه إلى الله والى الاسلام.
وقد اعتزل سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه، الفتنة التي تلت مقتل عثمان وقيل عاش بالفلاة يرعى الغنم بعد ان هزم جنود الفرس، ولكنه شهد التحكيم في أذرح بين علي ومعاوية ورفض ان يترشح للخلافة كحل توفيقي كما فعل معه ابن عمر ، وقد أمر أهله وأولاده ألا ينقلوا إليه شيئا من أخبار الفتنة.
وقد ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له: يا عم ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر ، فيجيبه سعد: أريد من مائة ألف سيف، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا، وإذا ضربت به الكافر قطع” فيتركه وعزلته ، وحين انتهى الأمر لمعاوية واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا ؟ مالك لم تقاتل معنا..؟؟
فأجابه: اني مررت بريح مظلمة، فقلت: أخ .. أخ.. ، واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني” فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فأصلحوا بينهما، فان بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله).
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ولا مع العادلة على الباغية ؟ فأجابه سعد قائلا: ” ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي” ومن كلامه الحسن أنه قال لابنه مصعب: يا بنى، إذا طلبت شيئا فاطلبه بالقناعة فإنه من لا قناعه له لم يغنه المال.
وقد كانت لسعد مواقف عظيمة، تدل على شجاعته ونُصرته لهذا الدين، فمن ذلك ما روته السيده عائشة رضي الله عنها قالت: “سَهِر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة، فقال: ” ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة “، قالت: فبَينا نحن كذلك، سمعنا خشخشة سلاح، فقال: ” مَن هذا؟ ”
قال: “سعد بن أبي وقاص”، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما جاء بكَ؟ “، قال: “وَقَع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه “، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام، فقالت عائشة: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه .
وعن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: سمعت عليّا يقول: “ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوَيْه لأحد غير سعد بن مالك ، فإنه جعل يقول له يوم أُحُد: ” ارْمِ فِداكَ أبي وأمِّي” وهذا الحديث يدلّ على كفاءته العظيمة، ومنزلته عند النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد عاش سعد بن أبي وقاص كثيرا، وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال كفنوني بها فإني لقيت بها المشركين يوم بدر وإني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ما يبكيك يا بني ؟
إن الله لا يعذبني أبدا، وإني من أهل الجنة فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية وكان آخر المهاجرين وفاة، ودفن في مقابر البقيع .