نسائم الإيمان ومع الصحابى المقداد بن عمرو
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
إن فى سيرة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وسيرة صحابته الكرام العبقة الطاهرة، عبرة نستلهم منها العظات والقدوة التي نسير عليها وإليها، نأخذها من حياتهم وكفاحهم وجهادهم وحبهم لنبيهم ولدينهم الاسلامى الذي ضحوا بأرواحهم، وبكل غال ونفيس فداء له، فاستحقوا بها هذه المنازل الرفيعة، والتي بلّغها إياهم ربنا الكريم ، وقوله صلى الله عليه وسلم “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”، وقوله : “لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه”.
ورضى الله عن عبد الله بن مسعود حين أجمل فضل صحابة رسول الله قائلا: ” من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة ، أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”.
ومعنا صاحب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأحد السابقين الأولين وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي البهراني ، ويقال له المقداد بن الأسود ، لأنه ربي في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه ، وقيل بل كان عبدا له أسود اللون فتبناه ، ويقال بل أصاب دما في كندة ، فهرب إلى مكة ، وحالف الأسود ، وشهد بدرا والمشاهد ، وثبت أنه كان يوم بدر فارسا ، واختلف يومئذ في الزبير .
المقداد بن عمرو ، بن ثعلبة بن مالك من ولد الحاف بن قضاعة، فطولب بدمه، فهرب إلى مكة، وحالف الأسود بن عبد يغوث، فتبناه الأسود، ونسب إليه ، فيعرف بابن الأسود الكندي البهراني الحضرمي.
وكان في الجاهلية من سكان حضرموت ، ووقع بين المقداد وابن شمر بن حجر الكندي خصام، فضرب المقداد رجله بالسيف، وهرب إلى مكة، فتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فصار يقال له ( المقداد بن الأسود ) إلى أن نزلت آية ﴿ادعوهم لآبائهم﴾ فعاد، وسمي بالمقداد بن عمرو .
وهو فارس من فرسان الإسلاما هو لصحابى الجليل المقداد بن عمرو، أحد الأوائل المبكرين بالإسلام، حيث ذكر ضمن السبعة الأوائل الذين اعتنقوا الإسلام، حيث جاء المقدادإلى مكة، فأخذه الأسود بن عبد يغوث وتبناه، فصار يدعى المقداد بن الأسود، فلما نزلت آية تحريم التبني نُسب لأبيه عمرو بن سعد .
وتزوج المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي، مع أنه مولى وهى قرشية هاشمية شريفة ، ذلك أن الإسلام لا يفرق بين عبد أو سيد ولا بين شريف ووضيع، فالكل في نظر الإسلام سواء، لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وله عدة أحاديث وحدث عنه علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وجبير بن نفير ، وابن أبي ليلى ، وهمام بن الحارث ، وعبيد الله بن عدي بن الخيار ، وجماعة ، وقيل عنه كان آدم طوالا ، ذا بطن ، أشعر الرأس ، أعين ، مقرون الحاجبين ، مهيبا ، عاش نحوا من سبعين سنة ، ومات في سنة ثلاث وثلاثين ، وصلى عليه عثمان بن عفان ، وقبره بالبقيع – رضي الله عنه .
وعن المقداد بن الأسود قال : استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل ، فلما رجعت ، قال : كيف وجدت الإمارة ؟ قلت : يا رسول الله ، ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول لي ، والله لا ألي على عمل ما دمت حيا .
ومن مواقفه المشهودة في الإسلام أنه هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وحضر بدرا، وشهد المعارك كلها، وكان أول من قاتل على فرس في سبيل الله، وقيل إنه الوحيد الذي قاتل على فرس يوم بدر، أما بقية المجاهدين فكانوا مشاة أو راكبين إبلا، وعُرف المقداد بشجاعته وفروسيته وحكمته، وكانت أمنيته أن يموت شهيدا في سبيل الله، ليبقى الإسلام عزيزا قويا، فقال رضي الله عنه “لأموتن والإسلام عزيز” .
وروى أنه لما وقف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يشاور أصحابه قبيل غزوة بدر الكبرى تقدم المقداد وقال مخاطبًا الرسول: “يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام ، اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (موضع في اليمن) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه” .
فانطلقت هذه الكلمات الطيبة من فم هذا الصحابي، فتهلل وجه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ودعا له دعوة صالحة، وتمنى كل صحابي لو أنه كان صاحب هذا الموقف العظيم، ويقول عبد الله بن مسعود لما سمع هذا الكلام: لقد شهدت من المقداد مشهدًا، لأن أكون صاحبه، أحب إلي مما في الأرض جميعًا.
وعن أبو راشد الحبراني قال : وافيت المقداد فارس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحمص على تابوت من توابيت الصيارفة ، قد أفضل عليها من عظمه ، يريد الغزو ، فقلت له : قد أعذر الله إليك ، فقال أبت علينا سورة البحوث ( انفروا خفافا وثقالا ) سورة التوبة.
وعبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد يوما ، فمر به رجل ، فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت ، فاستمعت ، فجعلت أعجب ، ما قال إلا خيرا ، ثم أقبل عليه ، فقال : ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه ، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه .
والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم ، لم يجيبوه ولم يصدقوه ، أولا تحمدون الله ، لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم ، وقد كفيتم البلاء بغيركم ؟ والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليه نبي في فترة وجاهلية ، ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده ، أو ولده ، أو أخاه كافرا ، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان ، ليعلم أنه قد هلك من دخل النار ، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار ، وأنها للتي قال الله تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين.
ومن حكمة وعقل المقداد الراجح، ما تشهد به مواقفه، فها هو ذا يجيب النبي عندما سأله: “كيف وجدت الإمارة؟ ،وكان النبي قد ولاه إحدى الإمارات، فيجيبه المقداد قائلا: لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس، وهم جميعا دوني، والذي بعثك بالحق، لا أتأمرن على اثنين بعد اليوم أبدا” .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليكم بحب أربعة : علي ، وأبي ذر ، وسلمان ، والمقداد ، وعن كريمة بنت المقداد ، أن المقداد أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألفا ، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم ، وقيل : إنه شرب دهن الخروع ، فمات في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا .