نسائم الإيمان ومع الصحابى خالد بن الوليد ( الجزء الخامس )
إعداد وتقديم / محمــــد الدكـــــرورى
لقد كان خالد بن الوليد رضي الله عنه بطلا جاهد في سبيل الله، وعاش حياة الإنسان في مجتمع قدره وأفاد منه، قبل إسلامه وبعد إسلامه، وعاش رضي الله عنه شابا في مكة، وقائدا في المدينة والعراق والشام، وجنديا من جنود أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وفي كل أحواله كان إنسانا له علاقته بأصحابه وأهل بيته وجيرانه، وله حياته الشخصية الخاصة، وله مسكنه ومطعمه وملبسه، وتميز بعلاقته الخاصة بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، بحكم النسب والقرابة .
وكانت من أشهر أخوات خالد بن الوليد ، هى أخته فاطمة بنت الوليد رضي الله عنها، وكانت زوجة للحارث بن هشام رضي الله عنه ، وقد خرجت معه في غزوة أحد مع نساء المشركين، للتحريض على قتال المسلمين، وقد أسلمت يوم الفتح وحسن إسلامها، ثم خرجت مع زوجها الحارث بن هشام رضي الله عنه ، إلى الشام، حيث استشهد في وقعة أجنادين، واشتهر عن فاطمة أخت خالد أنها كانت تسكن معه في بلاد الشام، فكان يستشيرها في كثير من أموره ولا يعصيها.
وكان لخالد بن الوليد رضي الله عنه عدد من الزوجات عبر مراحل حياته المختلفة، ومن زوجات خالد كبشةُ بنت هوذة بن أبي عمر من ولد رزاح بن ربيعة، وقد ولدت له سليمان بن خالد، وأم تميم الثقفية، وقد ولدت له ابنا سماه عبدالله، وهو عبدالله الثاني الذي سمي على الأول بعد موته، ومن زوجاته ابنة لأنس بن مدرك الخثعمي، وهي أم لأبنائه عبدالرحمن والمهاجر وعبدالله الأكبر.
وقد كان خالد بن الوليد رضي الله عنه ، يتزوج في ظروف عسكرية صعبة عقب انتصاره في معارك مع أعدائه، ولعله يهدف من ذلك إلى إظهار قوته ورباطة جأشه، لأن الزواج في تلك الظروف يعني الاستهانة بالأعداء وعدم المبالاة بهم، وهو أسلوب اتبعه بعض القواد، فقد تزوج خالد من امرأة مالك بن نويرة أحد زعماء بني تميم، بعد مقتله على يد خالد في حروب المرتدين، وقيل: إن الصديق أمره بطلاقها.
وقد ذكر أن خالد بن الوليد رضي الله عنه، تزوج ابنة لمجاعة بن مرارة من بني حنيفة، بعد أن انتصر على مسيلمة وأتباعه من بني حنيفة في موقعة اليمامة، وقيل عن خالد قصة طلاقه لإحدى زوجاته، وقد سئل عن سبب طلاقها فقال: إني لم أطلقها لشيء رابني منها، ولكن لم يصبها بلاء مذ كانت عندي، وإن كانت هذه العبارة مستغربة من خالد، إلا أنها تدل على تحمله ما يصيب زوجاته، وصبره على الأذى الذي يقع عليهن، وليس العكس.
ولقد كان خالد بن الوليد منذ أسلم يعرض على رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ما لديه من مشكلات مختلفة، ليوجهه الوجهة الصحيحة، فقد كانت تعرض له بعض المشكلات النفسية التي عرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما أن وجود أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث في بيت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهي خالة لخالد رضي الله عنه ، مع وجود أم خالد حية تعيش في المدينة، جعل خالدا ممن يدخلون كثيرا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخصوصا حينما يكون في حجرة خالته ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وقيل أنه في حجة الوداع حينما حلق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، رأسه، خص خالد بن الوليد رضي الله عنه بشيءٍ من شعره، فأعطاه ناصيته، وقيل: إنهم ابتدروا شعره صلى الله عليه وسلم، فأخذ خالد ناصيته، فجعلها في قلنسوته، تبركا بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان خالد رضي الله عنه رجلا مؤمنا صادقا في إيمانه، يؤدي دوره في الإسلام على أي حال كان رئيسا أو مرؤوسا.
وفى معركة اليرموك قد أعد الروم جيشا ضخما لملاقاة المسلمين يفوق قوى المسلمين مرات وبدا أن الصراع على الشام سوف يكون حاسما، فأوعز الخليفة إلى خالد أن يترك جبهة العراق للمثنى بن حارثة ويتوجه إلى الشام دعما للجيوش الأربعة، وسار خالد بقواته من الحيرة إلى الشام فوصلها في مدة قياسية دلت على مهارته وانضم إلى قوات أبي عبيدة ورفاقه، ولكنه وجد أن قتال الجند في الشام كان على تساند، أي على رايات شتى كل جند وأميرهم لا يجمعهم أحد وهم متضايقون بمدد الروم.
فأوضح لهم أنه لا يجوز لهم مقاتلة الروم، وهم قوم على نظام وتعبئة، والتعبئة تقسيم الجيش إلى قلب وميمنة وميسرة تحت قيادة قائد أعلى، بينما العرب على تساند وانتشار، وطلب من الأمراء أن يولوه قيادة الجيش، ونتيجة لذلك خرج خالد كما يقول الرواة في تعبئة لم تعبئها العرب قبل ذلك، فجعل القلب كراديس وعليها أبو عبيدة بن الجراح، والميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان، والميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص، وكان القلب يضم ستة عشر كردوسا،
وبينما ضمت كل من الميمنة والميسرة عشرة كراديس وكل كردوس كان يضم ألف مقاتل وعلى كل كردوس قائد، وهؤلاء يأتمرون بأمر قواد الميمنة والميسرة والقلب، وهؤلاء بدورهم يأتمرون بأمر القائد الأعلى خالد بن الوليد، وبهذه التعبئة واجه خالد بن الوليد الروم في معركة اليرموك سنة ثلاثه عشر هجريا، وهزمهم هزيمة منكرة وسحق معظم جيشهم وفر الباقون متراجعين عن أرض الشام، وهي معركة كرست خالدا بوصفه أحد مشاهير القادة العسكريين في التاريخ.
وقد تولى قيادة الجيوش زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمن أبي بكر الصديق، حتى إذا جاءت خلافة عمر بن الخطاب عزل خالدا عن الإمارة، فأصبح فردا من الناس، مع ما له من مكانة في قلوبهم، ومع هذا فقد استمر في علاقة طبيعية مع الأمراء، ولم يؤثر في نفسه عزله عن الإمارة، وكان ناصحا لهم يؤدي ما عليه من دور في هذا الجانب.
وكان هدف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عزل خالد بن الوليد، هو حرص عمر على عدم تقديس الأشخاص، من حيث رأى تعلق الناس بخالد، لكثرة انتصاراته، والناس في بلاد الفتح كانوا في مرحلة دخول في الإسلام، فخشي من غلو البعض في خالد، وأراد أن يكون تعلق الناس بالله لا بالبشر، وقد بيَّن ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الهدف بوضوح
حيث كتب رسالة عامة إلى الأمصار يبين فيها أسباب عزل خالد، وكان مما ورد فيها: إني لم أعزل خالدا عن سخط ولا خيانة، ولكن الناس فُتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه، ويُبتلوا به، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وأن لا يكونوا بعرض فتنة، كما قال عمر: أردت أن يعلم الناس أن الله إنما ينصر دينه.
وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه، زاهدا متقشفًا، قليل المتاع، فقد زاره عمر بن الخطاب في داره بحمص على حين غفلة، لينظر ما عنده من متاع ، فدخل فوجد خالدا يصلح نبلا له، ورأى عمر في بيته صندوقا، فظن أن فيه مالا، ففتحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإذا فيه أدرع من حديد، فسكت وخرج.
وكما عرف عنه أنه حبس أدرعا وأعتدة في سبيل الله، ولعل أهم متاع خالد الذي يمكن الحديث عنه هو سلاحه، حيث ذكر له عدد من الأسياف، منها المرسب، وهو ذو القرط، وآخر يقال له الأدلق، وآخر يقال له: القرطبي ، وتوفي خالد في ثمانيه عشر من رمضان سنة إحدى وعشرين للهجرة، وكانت وفاته في حمص، ودُفن بها، وقيل أنه لما حضرته الوفاه بكى وانسابت الدموع من عينيه حارة حزينة ضارعة.
ولم تكن دموعه رهبة من الموت، فلطالما واجه الموت بحد سيفه في المعارك، يحمل روحه على سن رمحه، وإنما كان حزنه وبكاؤه لشوقه إلى الشهادة، ثم قال: لقد حضرت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف، أو طعنة برمح، وهأنا أموت على فراشي حتف أنفي، لا نامت أعين الجبناء.
وحينما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفاة خالد بن الوليد رضي الله عنه أثنى عليه خيرا، وزار أمه وعزاها في خالد، ورأى نساء بني المغيرة يبكين خالدا، فقال: “وما عليك أن تبكي نساء قريش أبا سليمان، ما لم يكن نقع ولا لقلقة، والنقع شق الجيوب، واللقلقة رفع الصوت، وقال عمر :دع نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي.