نسائم الإيمان ومع نبى الله موسى عليه السلام ( الجزء السادس )
إعداد وتقديم / محمــــد الدكـــرورى
نكمل بمشئة الله تعالى الجزء السادس مع نبى الله موسى عليه السلام، فعندما تحرك قلب موسى عليه السلام، أن يعود بأهله إلى مصر، وعزم على المسير واستعد له، ولما أراد الفراق أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون، أى يقال شاة قالب لون، أي أنه على غير لون أمها.
وعن عقبة بن المنذر فيما رواه البزار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: ” أبرهما وأوفاهما “، ثم قال: ” إن موسى عليه السلام لما أراد فراق شعيب عليه السلام، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون ، قال: فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه فولدت قوالب ألوان كلها، وولدت اثنتين أو ثلاثا كلُ شاة، وليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا كميشة تفوت الكف ولا ثغول ” أي: جاءت على غير ألوان.
وقد سار موسى عليه السلام، بأهله من أرض مدين في فصل الشتاء، واستاق الغنم، ولما بلغ إلى قرب جبل الطور ضل الطريق في ليلة باردة، وقالوا: وكانت امرأته حاملا، وأراد موسى أن يوري ناراً فصلد زنده فلم يقدح له، وأوحى الله له ما أوحى، وكلّفه أن يحمل الرسالة إلى الطاغي فرعون، وأعطاه الله الآيات، وطلب موسى من ربه أن يرسل معه أخاه هارون، ليكون له ردءا، وأثنى موسى على أخيه بين يدي ربه بأنه أفصح منه لسانا، وحمل موسى الرسالة، ومعه المعجزات، ودخل مصر وقابل فرعون مع أخيه هارون
وكان من أمرهما المواجهة والحروب في قصة كبيرة انتهت بانتصار موسى عن طريق المعجزة انشقاق البحر إلى نصفين وغرق فرعون بعد محاولات اقناع فرعون إلا أنه لم يقتنع وأراد الحرب، وأخرج موسى بني إسرائيل من مصر وأنجاه الله من فرعون وقومه ثم ذهب لمناجاة ربه وتلقى من ربه الألواح وفيها الوصايا الإِلهية وعاد إلى قومه فوجدهم قد عبدوا العجل الذي اتخذه لهم السامري، وكان من شأنه معهم ما سبق بيانه عنه الكلام على معجزاته ثم طلب من بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة، وهي أريحا، مجاهدين في سبيل الله بعدما أراهم المعجزات الباهرات.
ويقال أن قارون الذي ذكره الله تعالى في القرءان الكريم، هو ابن عم موسى عليه السلام وقيل غير ذلك، وكان من أتباع فرعون مصر الكافرين الذين اتبعوا فرعون على كفره وضلاله، وكان رجلا طاغيا فاسدا غرته الحياة الدنيا، وكان كثير المال والكنوز، وقد ذكر الله تبارك وتعالى كثرة كنوزه وبيّن أن كنوزه كان يثقل حمل مفاتيحها على الرجال الأقوياء الأشداء حتى قيل: إن مفاتيح خزائن كنوزه كانت تحمل على أربعين بغلا، ولكن قارون غرته الحياة الدنيا وغرَه ما عنده من أموال وكنوز.
وطغى وبغى على قومه بكثرة أمواله وافتخر عليهم واستكبر بما ءاتاه الله تعالى من الأموال والكنوز، فنصحه النصحاء من قومه ووعظوه ونهوه عن فساده وبغيه، ويروى أن الله تبارك وتعالى أمر قارون بالزكاة فجاء إلى موسى عليه السلام من كل ألف دينار بدينار، ثم جمع نفرا يثق بهم من بني إسرائيل فقال: إن موسى أمركم بكل شىء فأطعتموه وهو الآن يريد أخذ أموالكم، فقالوا له: مرنا بما شئت قال: ءامركم أن تحضروا فلانة البغيّ فتجعلوا لها جعلا أي أجرة فتقذفه بنفسها ففعلوا ذلك فأجابتهم إليه.
ثم أتى قارون إلى موسى عليه السلام فقال: إن قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم نبي الله موسى عليه السلام فقال لهم: من سرق قطعناه ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة جلدة، وإن كانت له امرأة رجمناه حتى يموت، فقال له قارون: إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فقال عليه السلام: أدعوها، فلما جاءت قال لها موسى عليه السلام: أقسمت عليك بالذي أنزل التوراة إلا صدقت، أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟
فقالت: لا، كذبوا ولكن جعلوا لي جعلا على أن أقذفك، فسجد موسى عليه السلام ودعا الله عليهم فأوحى الله تعالى إليه: مُرِ الأرض بما شئت تطعك، فقال موسى عليه السلام: يا أرض خذيهم، فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين وجعل يقول: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، فلم يزل يستعطفه وهو يقول: يا أرض خذيهم حتى خُسفت بهم.
وكانت وفاة نبى الله موسى عليه السلام، أنه قيل بينما موسى عليه السلام، يمشي ومعه يوشع بن نون فتاه إذ أقبلت ريح سوداء ، فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعة ، فالتزم موسى ، وقال، لا تقوم الساعة وأنا ملتزم نبي الله ، فاستل موسى من تحت القميص وبقي القميص في يدي يوشع، فلما جاء يوشع بالقميص أخذه بنو إسرائيل ، وقالوا : قتلت نبي الله، فقال : ما قتلته ولكنه استل مني، فلم يصدقوه.
قال : فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام ، فوكلوا به من يحفظه ، فدعا الله عز وجل ، فأتى كل رجل كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى عليه السلام ، وأنا قد رفعناه إلينا ، فتركوه، وقيل إن موسى كره الموت فأراد الله أن يحبب إليه الموت ، فأوحى الله إلى يوشع بن نون ، وكان يغدو عليه ويروح، ويقول له موسى : يا نبي الله ، ما أحدث الله إليك ؟ فقال له يوشع بن نون : يا نبي الله ألم أصحبك كذا وكذا سنة ، فهل كنت أسألك عن شيء مما أحدث الله لك ؟
ولا يذكر له شيئا، فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وأحب الموت، وقيل إنه مر منفردا برهط من الملائكة يحفرون قبرا ، فعرفهم فوقف عليهم ، فلم ير أحسن منه ، ولم ير مثل ما فيه من الخضرة والبهجة، فقال لهم : يا ملائكة الله ، لمن تحفرون هذا القبر ؟ فقالوا : نحفره لعبد كريم على ربه، فقال : إن هذا العبد له منزل كريم ما رأيت مضجعا ، ولا مدخلا مثله
فقال : أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت، قالوا : فانزل واضطجع فيه وتوجه إلى ربك وتنفس أسهل تنفس تتنفسه، فنزل فيه وتوجه إلى ربه ، ثم تنفس ، فقبض الله روحه ، ثم سوت الملائكة عليه التراب، وكان نبى الله موسى عليه السلام، زاهدا في الدنيا راغبا فيما عند الله تعالى، إنما كان يستظل في عريش ويأكل ويشرب من نقير من حجر تواضعا إلى الله تعالى ، وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إن الله أرسل ملك الموت ليقبض روحه فلطمه ففقأ عينه ، فعاد ، وقال : يا رب ، أرسلتني إلى عبد لا يحب الموت.
فقال الله عز وجل : ارجع له وقل له يضع يده على ظهر ثور وله بكل شعرة تحت يده سنة ، وخيره بين ذلك وبين أن يموت الآن، فأتاه ملك الموت وخيره ، فقال له : فما بعد ذلك ؟ قال : الموت، قال : فالآن إذن، فقبض روحه، وهذا القول صحيح قد صح النقل به عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكان موته في التيه أيضا عليه السلام .