نسائم الإيمان ومع معركة اليمامه ( الجزء الثالث)
إعداد وتقديم / محمـــــد الدكــــرورى
إن مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب، قيل أنه هو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي، وقد ولد وتربى في اليمامة، في قرية معروفة اليوم باسم الجبيلة، وهي قرية من قرى وادي حنيفة، ويُكنّى أبو ثمامة وقيل: أبو هارون، وتقول الروايات في وصفه: كان قصيرا أخنس الأنف أفطس، شديد الصفرة، وهو أحد الكذابين الذين ادّعوا النبوّة بعد وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وقد قُتل في معركة اليمامة على يد جيش المسلمين الذي بعثه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عام اثنى عشر للهجرة .
وكان مسيلمة الكذاب يتحصن في حصون منيعة، ويقبع في حصن الحديقة وهو أكبر حصونه وأعلاها، ولكن أعداد جيش مسيلمة الكبيرة جعلته يضطر إلى الخروج من حصن الحديقة الذي ضاق بجيشه، فخرج مسيلمة وعسكر خارج اليمامة في منطقة عقرباء، وقام بتجهيز الجيش، فوضع رجلا يُسمى محكم بن الطفيل على ميمنة الجيش، وجعل رجلا يُسمى نهار الرجال على ميسرة الجيش.
وبقي مسيلمة في المؤخرة، وبدأت معركة اليمامة بهجوم جيش خالد بن الوليد وبعد معركة شديدة انتصر المسلمون وتراجع جيش مسيلمة إلى حصن الحديقة، وبعد أن دخل جيش مسيلمة الكذاب إلى حصن الحديقة، الحصن المنيع المرتفع الأسوار، الذي يصعب اقتحامه، سجَّل التاريخ في تلك اللحظة قصة شجاعة وبسالة عظيمة أبداها الصحابي الجليل البراء بن عازب، هذا الصحابي الذي افتدى الإسلام والمسلمين بروحه ودمه.
فقد اختار أن يرمي بنفسه داخل أسوار الحصن ويفتح باب الحصن كي يدخل المسلمون فاتحين ومبشرين ومنتصرين، وكان له ما كان حيث رفعه المسلمون برماحهم، فدخل إلى الحصن وفتح باب الحصن فدخل المسلمون وهاجموا مسيلمة وجيشه، وقُتل مسيلمة الكذاب على يد وحشي بن حرب، وانتصر المسلمون في معركة اليمامة انتصارا عظيما أعز الله فيه الإسلام والمسلمين وأذل فيه الشرك والمشركين.
ومن هو وحشى بن حرب، إنه قاتل أسد الله حمزه بن عبد المطلب، ويروى وحشى قصة إسلامه فيقول: فلما افتتح رسول الله مكة هربت إلى الطائف فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت على الأرض بما رحبت وقلت بالشام أو اليمن أو بعض البلاد فولله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل: والله إن يقتل، أي لا يقتل محمدا أحدا يدخل في دينه، فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه في خفة وحذر، ومضيت نحوه حتى صرت فوق رأسه، وقلت أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله .
فلما سمع الشهادتين رفع رأسه إلي، فلما عرفني رد بصره عنى، وقال: “أوحشي أنت” قلت: نعم يا رسول الله فقال: “اقعد وحدثني كيف قتلت حمزة؟” فقعدت فحدثته خبره، فلما فرغت من حديثى أشاح بوجهه وقال: “ويحك يا وحشي، غيِّب عنى وجهك، فلا أرينك بعد اليوم” وعاش وحشى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى اشترك فى حروب الرده وقتل بيده مسيلمه الكذاب، وكان يقول قتلت بحربتي هذه خير الناس ويقصد حمزة بن عبد المطلب، وشر الناس ويقصد مسيلمة الكذاب.
وتعتبر معركة اليمامة واحدة من المعارك التي غيرت وجه التاريخ الإسلامي كله، وكغيرها من المعارك الفاصلة، فحملت معركة اليمامة نتائج كثيرة، إيجابية على المسلمين المنتصرين فيها وسلبية على المرتدين المنهزمين، وكان من أبرز نتائج معركة اليمامة، هو مقتل مسيلمة الكذاب الذي ادَعى النبوة وانتهاء ادعاءاته الكاذبة، وانتصار المسلمين في واحدة من أعنف معارك المسلمين في التاريخ، وقتل أربعة عشر ألفا من المشركين، وانهيار كل القبائل المرتدة عن الإسلام في الجزيرة العربية وبسط السيطرة على الجزيرة العربية من جديد.
وكانت معركة اليمامة أيضا تمهيدا عسكريا لزحف قوات المسلمين بقيادة خالد بن الوليد إلى الإمبراطورية الفارسية بعد تأمين الجزيرة العربية كاملة، وكانت اليمامه معركة فاصلة ففيها انتصر المسلمون وهزم أعداؤهم بعد معركة من أعنف المعارك قتل فيها مسيلمة وأربعة عشر ألفا من قومه سبعة آلاف خارج عقرباء وسبعة آلاف في الحديقة، والتي سميت بعد ذلك بحديقة الموت وقد استشهد في اليمامة ألف ومائتا شهيد منهم زيد بن الخطاب والطفيل بن عمرو وأبو دجانة وسالم مولى أبي حذيفة و ابي حذيفة و عبد الله بن سهيل وغيرهم كثير من كبار الصحابة رضى الله عنهم أجمعين .