نسائم الإيمان ومع الخليفه أبو العباس السّفاح ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
وقد نشأت الدولة العبّاسية إثر دعاية كبيرة استمرت فترة ليست بالقصيرة وهى تقارب ثلث قرن تقريبا، وقد ضمت كل من عارض الأمويّين، وكان شعارها هو الرضا من آل محمد عليه الصلاه والسلام، علما بأن نشوء الدولة العبّاسية كان بعد سقوط الدولة الأمويّة، وكان أبو العباس هو مؤسس الدولة العباسية هو أبو العباس عبد الله السفاح، وقام بالقضاء على أتباع الدولة الأموية باستثناء عبد الله الداخل مؤسس الدولة الأموية في الأندلس ، وقد كان أبو العباس محباً للأدب، وفي عهده بنيت القصور في منطقة الأنبار، كما أنه ثبّت أركان الدولة العباسية، وقد عُرف أبو العباس بالكرم، والوقار، والحياء، وحسن الخلق.
وكما أنه كان يجب مجالسة ومسامرة الرجال والعلماء، وكان يكافئ المغنين والشعرا، وقد ساد كل من العدل، والحرية في البلاد الإسلامية في الفترة التي حكم فيها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، إذ إنه أمر بالعدول عن اضطهاد بني هاشم، وفي الفترة التي تولى فيها هشام الحكم أحسن إلى علي بن عبد الله بن العباس، وقربه إليه، كما أنه كان يتغافل عن الأمور التي كان يفعلها، من أجل الوصول إلى الخلافة، بالإضافة إلى أنه لم يتوقَع أن يشكل بنو العباس خطرا على بني أُمية، وقد ذكر بعض الباحثين، والمؤرخين أن علي بن عبد الله بن العباس، هو أول من بدأ بتأسيس دعوة العباسيين، حتى تنتقل الخلافة إليهم.
وقد أظهر رغبة في أن تصبح الخلافة عباسية، وجهر بما يتمناه، وعندما تولى العباس السفاح الحكم فقد بادر السفاح إلى تكليف صالح بن علي بملاحقة مروان وقتله، وقد تم له ذلك في عام مائه واثنين وثلاثين من الهجره، وقيل أنه قد أرسل رأسه إلى السفاح، وما إن رآه حتى سجد لله شاكرا وقال الحمد لله الذي أظهرني عليك وأظفرني بك، ولم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين، وعمل السفاح على توطيد دعائم الدولة الجديدة، وملاحقة الأمويين وأنصارهم والتنكيل بهم بكل قسوة، كما أمر بقتل أبي سلمة الخلال لأنه حاول أن ينقل الخلافة من العباسيين إلى شيعة علي بن أبي طالب.
وقد بعث محمد الإمام رجلا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد، ولا يسمى أحداً ثم وجه أبا مسلم الخراساني وغيره وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه ثم لم ينشب أن مات محمد فعهد إلى ابنه إبراهيم فبلغ خبره مروان فسجنه ثم قتله فعهد إلى أخيه عبد الله وهو السفاح فاجتمع إليه شيعتهم وبويع بالخلافة بالكوفة في ثالث ربيع الأول في عام مائه واثنين وثلاثين من الهجره، وصلى بالناس الجمعة فحكم أبو العباس أربعة سنوات، وقد حوَّل خلالها الدعوة إلى دولة، ووجد أبو العباس السفاح نفسه حاكماً لدولة واسعة الأرجاء تمتد من نهر السند إلى المحيط الأطلنطي.
وتشمل بلاد السند وهى بلاد الشمال الغربي من الهند، وبلوخستان و أفغانستان، والتركستان وفارس وأرض الجزيرة، وأرمينية، والشام، وفلسطين وقبرص، وكريت وهى إقريطش ومصر، وشمالي أفريقية، ورفضت أسبانيا المسلمة الخضوع إليه، وخرجت بلاد السند عن طاعته في السنة الثانية عشرة من حكمه، ورأى السفاح أن دمشق تكرهه، وأنه لا يأمن على نفسه في مدينة الكوفة المشاكسة المضطربة، فنقل العاصمة إلى الأنبار الواقعة في شمال الكوفة، وكانت الكثرة الغالبة ممن رفعوه إلى العرش فرساً في ثقافتهم وأصولهم، وبعد أن ارتوى السفاح من دماء أعدائه اصطبغ بلاطه بشيء من الرقة ودماثة الأخلاق الفارسية.
وجاءت من بعده طائفة من الخلفاء المستنيرين، استخدموا ثروة الدولة المتزايدة في مناصرة الفنون والآداب، والعلوم، والفلسفة حتى ازدهرت وأثمرت أينع الثمار، وبعد أن مضت مائة عام على بلاد الفرس، وهي في ذلة الخضوع غلبت غالبيها، وقال سعيد بن مسلم الباهلي: دخل عبد الله بن حسن على السفاح مرة والمجلس غاص ببني هاشم والشيعة ووجوه الناس ومعه مصحف فقال يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف قال له إن علياً جدك كان خيراً مني وأعدل ولي هذا الأمر أفأعطي جديك الحسن والحسين وكانا خيراً منك شيئاً وكان الواجب أن أعطيك مثله.
فإن كنت فعلت فقد أنصفتك وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك فانصرف ولم يحر جواباً وعجب الناس من جواب السفاح، وقال المؤرخون: في دولة بني العباس افترقت كلمة الإسلام وسقط اسم العرب من الديوان وأدخل الأتراك في الديوان واستولت الديلم ثم الأتراك وصارت لهم دولة عظيمة وانقسمت ممالك الأرض عدة أقسام وصار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالعسف ويملكهم بالقهر، وكان الخليفة أبي العباس يقيم في مدينة الكوفة، وبسبب عدم تأييد غالبية سكانها للثورة العباسية، انتقل إلى هاشمية الكوفة وهو مكان قريب منها، ولكن بعد فترة قصيرة من إقامته فيها انتقل إلى الأنبار الواقعة شمال الكوفة على نهر الفرات.
وكان ذلك في عام مائه واربعه وثلاثين من الهجره، وبنى مدينة بجوارها عرفت بهاشمية الأنبار، وأقام فيها لحين وفاته، واجه أبو العباس عدة محاولات للقضاء عليه، ولكنه استطاع التصدي لها والقضاء عليها، حيث إنه استعان بأبي مسلم الخراساني وبأهله وعشيرته لمواجهتها، وكان شديد القسوة والصرامة على أعدائه ، فكان كل اعتماده على أبي مسلم الخراساني بالمشرق، وأخوه أبي جعفر المنصور بالجزيرة وأرمينية والعراق، وعمه عبد الله بن على بالشام ومصر، وكان معظم ولاته من أعمامه وأبناء أعمامه، وقد عهد من بعده لأخيه أبي جعفر المنصور، ثم إلى ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي.
وأصيب أبو العباس بمرض الجدري خلال إقامته بالأنبار، وتوفي في اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة في عام مائه وسته وثلاثين من الهجره، وقد دفن في قصره، وكان يبلغ من العمر عند وفاته ثلاثة وثلاثين سنة، وقد دامت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وصلى عليه عمه عيسى بن علي، ودفن في قصر الإمارة في الأنبار، وهكذا كانت نهاية السفاح، ومات في أيامه من الأعلام، الكثير، وهم زيد بن أسلم وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وربيعة الرأي فقيه أهل المدينة وعبد الملك بن عمير ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي و عبد الحميد الكاتب المشهور قتل ببوصير مع مروان ومنصور بن المعتمر وهمام بن منبه.