نسائم الإيمان ووقفه فى حياة يذيد بن مزيد الشيبانى
إعداد / محمــــد الدكـــرورى
يزيد بن مزيد بن زائدة بن عبد الله ابن مطر بن شريك بن خالد الشيباني، وهو ابن أخي معن بن زائدة، وكان أحد الأمراء المشهورين، والشجعان المذكورين، وكان عمّه معن يقدّمه على أولاده، فعاتبته امرأته في ذلك وقالت له لمَ تقدِّم يزيد ابن أخيك؟ وتؤخِّر بنيك؟ ولو قدّمتهم لتقدّموا، ولو رفعتهم لارتفعوا، فقال لها سأريك ما تبسطين به عذري، يا غلام، اذهب فادع حسّاناً وزائدة وعبدالله وفلاناً وفلاناً، حتى أتى على جميع ولده، فلم يلبثوا أن جاؤوا في الغلال المطيّبة، فسلموا وجلسوا، ثم قال: يا غلام ادع يزيد، فلم يلبث أن دخل عجلاً وعليه سلاحه، فوضع رمحه بباب المجلس ثم دخل، فقال معن، ما هذه الهيئة يا ابن أخي؟
فقال جاءني رسول الأمير فسبق إلى وهمي أنه يريدني لمهمّ، فلبست سلاحي وقلت إن كان الأمر كذلك مضيت ولم أعرج، وإن كان غير ذلك فنزع هذه الآلة عني أيسر شيء، فقال معن للجميع، انصرفوا في حفظ الله، فلما خرجوا قالت له زوجته، قد تبين لي عذرك، ولما خرج في خلافة الرشيد الوليد بن طريف الشيباني، وحشد جموعا كثيرة أرسل إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني، فجعل يحايله ويماكره، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فأغروا به الرشيد، وقالوا له إنه يراعيه لأجل الرحم، وإلا فشوكة الوليد يسيرة، وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره، فوجّه إليه الرشيد كتابا يقول فيه.
لو وجّهت بأحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنك مداهن متعصّب، وأمير المؤمنين يقسم بالله، لئن أخّرت مناجزة الوليد ليبعثنّ إليك من يحمل رأسك إليه، فلقي الوليد عشيّة خميس في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومئة، ويقال جهد يزيد عطشاً حتى رمى بخاتمه في فيه وجعل يلوكه ويقول: اللهم إنها شدّة شديدة فاسترها، وقال لأصحابه: فداكم أبي وأمي، إنما هي الخوارج ولهم حملة فاثبتوا، فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا، فكان كما قال، إذ حين بدأت المعركة حمل أصحاب الوليد عليهم حملة شديدة، فثبت يزيد ومن معه، ودارت رحى معركة قاسية، ثم نادى يزيدُ الوليدَ، وقال: يا وليد، ما حاجتك إلى التستّر بالرجال؟ ابرز إليَّ.
فبرز الوليد وهو يرتجز، أنا الوليد بن طريف الشاري قسورة لا يصطلى بناري، جوركم أخرجني من داري وتقدّم من يزيد وهو يضيف، ستعلم يا يزيد إذا التقينا بشطّ الزاب إيّ فتى يكون، ووقف العسكران ينظران وينتظران نتيجة اللقاء بينهما، فتطاردا ساعة فأمكنت يزيد فيه الفرصة فضرب رجله فسقط، فاحتزوا رأسه، ولما قُتل الوليد بن طريف لبست أخته الفارعة الشيبانية عدّة الحرب، وحملت على جيش يزيد، فقال دعوها، ثم خرج فضرب بالرمح فرسها وقال لها إغربي، غضب الله عليك، فقد فضحت العشيرة، فانصرفت، وكانت تقول الشعر فرثت الوليد بأشعار سارت في الناس.
ولما انصرف يزيد بن مزيد إلى الرشيد قدّمه ورفع مرتبته، وكان فيما وليه أيام الرشيد إمارة اليمن، وأخبار شجاعته وكرمه كثيرة، ومنها، قال يزيد ابن مزيد: أرسل إليَّ الرشيد يوماً في وقت لا يرسل فيه إلى مثلي، فأتيته لابساً سلاحي، مستعداً لأمرٍ إن رآه، فلما رآني ضحك وقال، من القائل تراه في الأمن في درعٍ مضاعفة لا يأمن الدهر أن يُدْعَى على عجل، فقلت لا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال سوءة لك من سيد قوم يُمدحُ بمثل هذا الشعر ولا يعرف قائله، وقد بلغ أمير المؤمنين فرواه ووصل قائله، ويروى أنه دخل على الرشيد يوما، فقال له الرشيد: يا يزيد، من الذي يقول فيك.
لا يعبق الطيب كفيه ومفرقه ولا يُمسِّح عينيه من الكحل، قد عوّد الطير عادات وثقن بها فهنَ يتبعنه في كل مرتحل، فقال: لا أدري يا أمير المؤمنين، فقال: أفيقال فيك مثل هذا الشعر، ولا تدري قائله، وقال له هارون الرشيد يوما يا يزيد، إني قد أعددتك لأمر كبير، فقال يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قد أعد لك مني قلبا معقودا بنصيحتك، ويدا مبسوطة لطاعتك، وسيفا مشحوذا على عدوك، فإذا شئت فقل، وقيل أن الرشيد قال ليزيد المذكور في لعب الصوالجة: كن مع عيسى بن جعفر، فأبى يزيد فغضب الرشيد وقال تأنف أن تكون معه؟ فقال قد حلفت لأمير المؤمنين أن لا أكون عليه في جد ولا هزل.
ورأيت في بعض المجاميع حكاية عن بعضهم أنه قال، كنت مع يزيد بن مزيد، فإذا صائح في الليل، يا يزيد بن مزيد، فقال يزيد، علي بهذا الصائح، فلما جيء به قال له ما حملك على أن ناديت بهذا الاسم؟ فقال نفقت دابتي ونفدت نفقتي، وسمعت قول الشاعر فتيمنت به، فقال: وما قال الشاعر؟ فأنشد، إذا قيل من للمجد والجود والندى، فناد بصوتٍ يا يزيد بن مزيد، فلما سمع يزيد مقالته هش له وقال له أتعرف يزيد بن مزيد؟ قال لا والله، قال أنا هو، وأمر له بفرس أبلق كان معجبا به وبمائة دينار، وقيل أن محاسن يزيد بن مزيد كانت كثيرة، وكان يزيد بن مزيد ابن زائدة أمير العرب أبو خالد الشيباني أحد الأبطال والأجواد.
وقد ولي اليمن ثم ولي أذربيجان وأرمينية للرشيد وقتل رأس الخوارج الوليد بن طريف وكان يزيد مع فرط شجاعته وكرمه من دهاة العرب وتمت له حروب مع الوليد حتى إنه بارزه بنفسه فتصاولا نحو ساعتين وتعجب منهما الجمعان ثم ضرب رجل الوليد فسقط وكلاهما من بني شيبان وقيل إن الرشيد قال له يا يزيد ما أكثر امراء المؤمنين في قومك قال نعم إلا أن منابرهم الجذوع وقيل إن الرشيد أعطاه لما بعثه لحرب الوليد ذو الفقار وقال ستنصر به فقال مسلم بن الوليد، أذكرت سيف رسول الله سنته وبأس أول من صلى ومن صاما، ويعني عليا رضي الله عنه قال الأصمعي رأيت الرشيد متقلدا سيفا.
فقال ألا أريك ذو الفقار قلت بلى قال استل سيفي فاستللته فرأيت فيه ثماني عشرة فقارة ولمنصور بن الوليد، لو لم يكن لبني شيبان من حسب، سوى يزيد لفاتوا الناس بالحسب وقيل نظر يزيد إلى لحية عظيمة مخضوبة فقال لصاحبها أنت من لحيتك في مؤنة قال أجل ولذلك أقول لها درهم للطيب في كل ليلة، وآخر للحناء يبتدران، ولولا نوال من يزيد من مزيد، لصوت في حافاتها الجلمان، وقيل أن يزيد بن مزيد أهديت له جارية فاقتضها فمات على صدرها ببرذعة سنة خمس وثمانين ومئة وخلف ابنيه الاميرين خالد ومحمد، وهكذا كانت النهايه ليذيد بن مزيد الشيبانى، فقد توفي في سنة خمس وثمانين ومائة، وتوفي يزيد بن مزيد الشيباني في برذعة من بلاد أذربيجان.