نسائم الإيمان ووقفه مع مسجد المشعر الحرام
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
مسجد المشعر الحرام، ومعنى المشعر الحرام وهو يراد به أحيانا المكان المعين الذي بني عليه المسجد، وهو الذي أتاه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حين صلى الفجر في مزدلفة، وقد ركب حتى أتى المسجد الحرام ووقف عنده ودعا الله وكبره وهلله حتى أسفر جدا، والمراد بالمشعر الحرام جميع مزدلفة، أحياناً والمشعر الحرم يراد به جميع مزدلفة، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” وقفت هاهنا وجمع كلها موقف” وقد الله عز وجل: ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) وعلى هذا فيكون المشعر الحرام تارة يراد به المكان المعين الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو الجبل المعروف في مزدلفة وعليه بني المسجد، وأحيانا يراد به جميع مزدلفة؛ لأنها مشعر حرام، وإنما قيدت بالمشعر الحرام لأن هناك مشعرا حلالاً وهو عرفة، فإنه مشعر، بل هو أعظم المشاعر المكانية، فهو مشعر لكنه حلال، لأنه خارج أميال الحرام، بخلاف المشعر الحرام بمزدلفة الذي يقف الناس فيه فإنه حرام، ولم تُسَمَّ منى مشعراً حراماً لأنه ليس فيها وقوف، والوقوف الذي بين الجمرات في أيام التشريق ليس وقوفاً مستقلاً، بل هو في ضمن عبادة رمي الجمرات، وفي قوله صلى الله عليه وسلم ” وجمع كلها موقف ” المراد به جمع هو مكان مزدلفة؟
وسميت جمعاً لاجتماع الناس بها، لأن الناس يجتمعون بها في الجاهلية والإسلام، وقد كانوا في الجاهلية لا تقف قريش في عرفة، وإنما يقفون يوم الوقوف بعرفة يقفون بالمزدلفة، لأنهم يقولون: نحن أهل الحرم، فلا نخرج عنه، وإنما نقف في مزدلفة، ولهذا والله أعلم، سميت جمعاً لاجتماع الناس بها في الجاهلية والإسلام، ومسجد المشعر الحرام هو أحد مساجد مكة المكرمة، حيث يقع في منتصف المسافة الواقعة بين مسجد نمرة في عرفات ومسجد الخيف في منى، لكون مزدلفة واقعة بين عرفات في شرقها ومنى في غربها، وهو المسجد الذي نزل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عند قبلته في حجة الوداع.
وحجة الوداع هي أول وآخر حجة حجها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة، وخطب فيها خطبة الوداع التي تضمنت قيما دينية وأخلاقية عدة، وقد سُميت حجة الوداع بهذا الاسم لأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ودع الناس فيها، وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم، وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها، وكان المسجد في بداية القرن الثالث الهجري مربع الشكل صغير المساحة بسيط البناء، ولم يكن مسقوفا، وكانت مداخله ستة أبواب، وذكر المؤرخ الأزرقي في كتابه أخبار مكة أن مسجد المشعر الحرام فضاء يحيط به سور مربع الشكل ولا يوجد بداخل المسجد مظلات.
وفيه ستة أبواب، باب في القبلة، وبابان في الجدر الأيمن، وبابان في الجدر الأيسر، وباب في مؤخر المسجد، وعلى الجدران من الشرق سبع وخمسون شرفة، وما بين الجدار الجنوبي للمسجد وقزح أربع مائة وعشر أذرع، وقزح عليه اسطوانة من حجارة مدورة تدويرا حولها أربعة وعشرون ذراعا، وطولها اثنا عشر ذراعا، فيها خمس وعشرون درجة وهي على أكمة مرتفعة كان يوقد عليها في خلافة هارون الرشيد بالشمع ليلة مزدلفة، وكانت قبل ذلك توقد عليها النار بالحطب، فلما مات هارون الرشيد كانوا يضعون عليها مصابيح كبار، والخليفه هارون الرشيد، هو أبو جعفر هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور.
بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي وهو الخليفة العباسي الخامس، وقد ولد في مدينة الري وتوفي في مدينة طوس وقد بويع بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي وكان عمره آنذاك اثنين وعشرين سنة، وأمه الخيزران بنت عطاء وهي أم ولد يمانية جرشية، ويعتبر هارون الرشيد من أشهر الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكرا، والواقع أن هذا الخليفة كان من خيرة الخلفاء فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وذكر أنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ.
وقد تم فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير بما لا نظير له ثم إن هذا الخليفة كان حسن السيرة والسريرة، ومع مرور الزمن تهدم المسجد ولم يبق منه سوى جدار في غرب موضعه يشير إلى القبلة، وفي عام سبعمائه وستين من الهجره، قد جدد عمارته الأمير يلبغا الخاسكي، وفي عام ثمانى مائه واثنين واربعين من الهجره، جدد عمارته السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين جقمق، وقد جدده أيضا السلطان قايتباي، ثم جاء العثمانيون وأجروا له عمارة جديده، وفي العهد السعودي تمت عمارته وتوسعته على الشكل المستطيل.
وبلغت مساحته خمسة آلاف وأربعين متر مربع، بطاقة استيعابية تتسع لاثني عشر ألف مصلي، ويبلغ طول المسجد تسعين مترا من الشرق إلى الغرب، وعرضه ستة وخمسين متر من الشمال إلى الجنوب، وفي مؤخرته منارتان بارتفاع اثنين وثلاثين متر، وله ثلاثة مداخل في كل من الجهة الشرقية والشمالية والجنوبية، وقوله عند المشعر الحرام معناه، هو مما يلي المشعر الحرام قريبا به، وذلـك للفضل، كالقرب من جبل الرحمه، وإلا فالمزدلفـة كلها موقف إلا وادي محسر، وجعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر، ومتصلة به عند المشعر.
وقـيل سميت المزدلفة وجمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف منها، أي دنا منها، وقال قتادة لأنه يجمع فـيها بين الصلاتين، ويجوز أن يكون وصفت بفعل أهلها لأنهم يزدلفون إلى الله تعالى، أي يتقربون بالوقوف فيها، وعن علي: لما أصـبح رسـول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قزح فقال: هذا قزح، وهذا الموقف، وجمع كلها موقف، وهو المكان الذي وقف عنده النبي في حجة الوداع، وهو الجبل المعروف في مزدلفة، وهو المكان المبنى عليه المسجد الآن، وثبت عن بعض العلماءأن مزدلفة كلها تسمى كلها المشعر الحرام.