نسائم الإيمان ومع السيده ريحانه بنت زيد
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
كانت ريحانة بنت زيد بن عمرو بن قنافة النضيرية اليهودية بنت شمعون بن زيد القرظية أماً للمؤمنين، وكانت بنو النضير، وهي قبيلة يهودية، كانت تسكن غرب شبه الجزيرة العربية، في المدينة المنورة، حتى قام النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بطردهم من المدينة المنورة بعد أن قام بغزوهم، وقد عاش بنو النضير في المدينة لقرون طويله، ثم طردهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، منها، بعد أن أعلن قيام الدوله الإسلاميه، فلما أرادوا الخروج، أخذوا كل شي يستطيعونه وهدموا بيوتهم وساروا، فمنهم من نزل خيبر على بعد مائة ميل من المدينة ومنهم من نزل في ناحية جرش بجنوب الشام.
ولم يسلم منها غير اثنان، وأما عن القرظيه، فهم بنو قريظة، وهي قبيلة يهودية عاشت في شبة الجزيرة العربية حتى القرن السابع، في المدينه المنوره، وينتسبون إلى قريظة من أبناء نبى الله هارون بن عمران، وقد اختلف في أمر وُصلتها بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال شبلي نعماني أن رسول الله حررها فرجعت إلى أهلها، فيم قال ابن إسحاق أنه سباها ثم تسررها، وهى ريحانة بنت شمعون بن زيد، وكانت متزوجة رجلا من بني قريظة يقال له الحكم، وكانت ريحانه معروفة بجمالها الشديد وملاحتها ورجاحة عقلها، إضافة إلى حسبها ونسبها من قومها، وكان زوجها يحبها حبا شديدا.
وكانت تبادله الحب والإخلاص وحسن المعاملة، وفى السنة الرابعة من الهجرة أمر رسول الله بغزوة بنى النضير بعد محاولة يهود بنى النضير قتله، عليه أفضل الصلاة والسلام، أتاهم الرسول وكان عددهم يقرب من الف وخمسمائه، وحاصر المدينة بقوات المسلمين بقيادة على بن أبى طالب، وطلب منهم الخروج منها، وبعد أيام طويلة من الحصار طلبوا إجلاءهم عن المدينة، فوافق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، شريطة أن يأخذوا ما يريدون إلا السلاح، وبسبب غضبهم الشديد قاموا بتخريب بيوتهم بأيديهم وحملوا معهم الأبواب والنوافذ، حتى لا يأخذها المسلمون، واستمر معظمهم فى المماطلة رافضين الخروج.
إلى أن فوجئوا بفرسان المسلمين، وقد توسطوا ساحتهم ودخلوا من ثغرة إلى حصونهم فسبى من سبى وقتل من كان يقاتل وبعض الأسرى ووصل عدد القتلى سبعمائة وتم إجلاء من تبقى عن الديار، وكان ممن قتل الحكم زوج ريحانة وحزنت عليه حزنا شديدا، حتى إنها قالت إنها لن تتزوج بعده، ووقعت ريحانة أسيرة فى السبى وعرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم، فاصطفاها لنفسه، ولكنها أبت إلَّا اليهودية ولم ترض الإسلام، فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في نفسه، فبينما هو مع أصحابه، إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال: هذا ثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة.
فبشره وعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله، بل تتركني في ملكك، فهو أخفّ عليَّ وعليك، فتركها، وقيل أنه لما طلقها كانت في أهلها، فقالت: “لا يراني أحد بعده”، وعن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في منزل من دار قيس بن قهد، وكانت ريحانة القرظية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسكنه، وقيل أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد سبي جويرية في غزوة المريسيع، وهي ابنة الحارث بن أبي ضرار، وسبي صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير، وكانت مما أفاء الله عليه، فقسم لهما، واستسرى جاريته القبطية، فولدت له إبراهيم
واستسرى ريحانة من بني قريظة، ثم أعتقها، فلحقت بأهلها، واحتجبت وهي عند أهلها، وهناك رواية أخرى تقول إنه أعتقها وتزوجها وأعطاها صداقا كما أعطى زوجاته السابقات، ولكن الأرجح أنه لم يتزوجها صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه قد أعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى بيت أم المنذر، وأحبت ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبا شديدا وكانت تغار عليه كثيرا، وذات يوم غارت فاحتدت وحدثته بلهجة قاسية وعبارات شديدة معتمدة على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لها وحرصه على إرضائها، فما كان منه صلى الله عليه وسلم، إلا أن طلقها.
وهنا ندمت ريحانة بشدة ولجأت إلى أم المنذر تبكى لها وتشتكى وتستعطفها كى تصلح بينهما، ففعلت أم المنذر وذهبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كى يردها فعاد معها إلى منزلها، وعندما وجدها على ما هى عليه من حزن ردها إليه ومنذ ذلك اليوم أصبحت ريحانة شديدة الطاعة لحبيبها لا تغلبه فى قول أو فعل، وعاشت معه تقريبا خمس سنوات كانت مليئة بالأحداث الجسام مثل صلح الحديبية وفتح خيبر وفتح مكة، ومرضت بعدها ريحانة وهى فى عز شبابها وعانت كثيرا حتى توفيت بعدما رجع صلى الله عليه وسلم، من حجة الوداع فى آخر السنة العاشرة من الهجرة، وحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لفراقها.
والراجح من صحة الروايات أنها كانت سريّة ووطئها الرسول صلى الله عليه وسلم بملك اليمين ولم يتزوجها، وعلى الرغم من هذا الخلاف فلا ينتقص ذلك من مكانة السيدة ريحانة، سواء كونها زوجة الرسول وأمّا من أمهات المؤمنين، أم سرية من سراريه صلى الله عليه وسلم؛ فهي على كل لها مكانة عظيمة لقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونها إحدى نساء بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كُتبت لها أسباب السعادة بذلك فكانت من الخالدات رضي الله عنها وأرضاها، ولقد نَعمت ريحانة رضي الله عنها بضع سنين في ظلال البيت النبوي الطاهر.
ورأت في خلال حياتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرف والكرامة والرفعة والنمو الروحي، وفي بيت النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أضحت تشعر بلذة الهدى والهداية، ومن ثم أضحى شعارها: الحمد لله رب العالمين، ولم تكن حياة ريحانة طويلة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم الطاهر، وإنما لقيت وجه ربها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وماتت عندما رجع من حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، ودفنها صلى الله عليه وسلم في البقيع .