نسائم الإيمان ومع خولة بنت ثعلبه
إعداد محمـــد الدكـــرورى
خولة بنت ثعلبة، وهى خويله بنت مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة، الخزرجية، وهى من ربات الفصاحة والبلاغة والجمال وصاحبة النسب الرفيع، وقد أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجها هو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت، وقد نزل فيهما الآيات الأربعة الأولى من سورة المجادلة، وسميت السورة بذلك، لأنها افتتحت بقضية مجادلة امرأة أوس بن الصامت لدى النبي صلى الله عليه وسلم في شأن مظاهرة زوجها، وكان زوجها أوس بن الصامت، وهو صحابي من بني غنم بن عوف من الخزرج، أسلم وآخى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بينه وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وشهد مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المشاهد كلها.
وكان مرثد بن أبي مرثد الغنوي هو صحابي بدري، شهد غزوتي بدر وأحد، وبعثه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، سنة أربعه من الهجره، قائدًا لسرية قُتل فيها، وكان هو وأبيه حليفين لحمزة بن عبد المطلب عم النبى صلى الله عليه وسلم، وكان من أهم ملامح شخصيتها، هو التقوى والخوف من الله وتحري الأحكام الشرعية، ويظهر ذلك من موقفها مع زوجها عندما أراد أن يجامعها، ففي ذات يوم حدث حادث بين الزوجين السعيدين شجار بينهما، لم يستطع أي أحد منهما تداركه، فقال لها أوس: أنت عليَّ كظهر أمي، فقالت: والله لقد تكلمت بكلام عظيم، ما أدري مبلغه، ومظاهرة الزوج لزوجته تعني أن يحرمها على نفسه، وبذلك القسم يكون قد تهدم البيت الذي جمعهما سنين طويلة.
وتشتت الحب والرضا اللذين كانا ينعمان بهما، وسلم كل منهما للواقع بالقسم الجاهلي الذي تلفظ به الزوج لزوجته، ولكن بعد التفكير العميق الذي دار في رأس خولة، قررت أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا وهي تعيش في مدينته، وهي قريبة منه وبجواره، وعندما ذهبت إليه وروت المأساة التي حلت بعش الزوجية السعيد، طلبت منه أن يفتيها كي ترجع إلى زوجها، ويعود البيت الهانئ لما كان عليه دومًا في السابق، ويلتم شمل الأسرة السعيدة، وكان من أهم ملامح شخصيتها أيضا، هو الجرأة في الحق، ونرى ذلك في حوارها مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقد خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه، من المسجد ومعه الجارود العبدي، فإذا بامرأة برزت على ظهر الطريق.
فسلم عليها عمر فردت عليه السلام، وقالت: هيهات يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرًا في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي عليه الفوت، فقال الجارود: قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها، أما تعرفها، فهذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت، التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، فعمر والله أحق أن يسمع لها، وكان من أهم ملامح شخصيتها أيضا، هو بلاغة خولة بنت ثعلبة وفصاحة لسانها، وقد تبين ذلك من خلال موقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما جادلته بعد أن ظنت أنها ستفترق عن زوجها.
وتبيينها سلبيات هذا التفريق على الأولاد والبيت، وكان لخولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، حوار قد تجلى فيه قمة التأدب مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والمراقبة والخوف من الله عز وجل، وهو ما كان يهدف الوصول إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حوار الظهار، وعن خولة بنت ثعلبة قالت: فيَّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه، قالت: فدخل عليَّ يومًا، فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت: قلت: كلا والذي نفس خولة بيده، لا تخلص إليَّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت: فواثبني فامتنعت منه.
فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابًا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، فقد خرجت خولة حتى جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت من زوجها، وهي بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله في الأمر، فقالت له: “يا رسول الله، إن أوساً من قد عرفت، أبو ولدي، وابن عمي، وأحب الناس إلي، وقد عرفت ما يصيبه من اللمم وعجز مقدرته، وضعف قوته، وعي لسانه، وأحق من عاد عليه أنا بشيء إن وجدته، وأحق من عاد علي بشيء إن وجده هو، وقد قال كلمة والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً.
قال: “أنت علي كظهر أمي” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، “ما أراكِ إلا قد حرمت عليه”، والمرأة المؤمنة تعيد الكلام وتبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ما قد يصيبها وابنها إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أراكِ إلا قد حرمت عليه” وأزاحت الصحابية الجليلة المؤمنة الصابرة نفسها واتجهت نحو الكعبة المشرفة، ورفعت يديها إلى السماء وفي قلبها حزن وأسى، وفي عينيها دموع وحسرة، قائلة: “اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي، وما شقّ علي من فراقه، اللهم أنزل على لسان نبيك ما يكون فيه فرج ” وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تصف لنا حالة خولة: ” فلقد بكيت وبكى من كان منها ومن أهل البيت رحمةً لها ورقة عليها”
ويذكر انها قالت ان لي صبية صغار ان ضممتهم الي جاعوا وان ضممتهم اليه ضاعوا، وما كادت تفرغ من دعائها حتى تغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، ثم سرى عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرأنا” قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، “مريه فليعتق رقبة” قالت: فقلت يا رسول الله، ما عنده ما يعتق، قال: “فليصم شهرين متتابعين” قالت: فقلت: والله إنه لشيخ كبير، ما به من صيام، قال: “فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر” قالت: فقلت: والله يا رسول الله، ما ذاك عنده، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، “فإنا سنعينه بعرق من تمر” قالت: فقلت يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال: “قد أصبت وأحسنت.
فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا” قالت: ففعلت، فلننظر الى السيده خوله ورأيها السديد في الامتناع عن معاشرة زوجها بعد أن قال: أنتى عليَّ كظهر أمي، وضرورة معرفة حكم الدين في هذه القضية، وأيضا رأيها السديد في الحرص على مستقبل وتماسك أسرتها، ويتجلى ذلك في قولها: “إن أوسًا ظَاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته” ورأيها السديد في رفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي بيده الأمر، ولولا رجاحة عقل خولة، وحكمة تصرفها، وقوة رأيها لقعدت في بيتها تجتر الهموم حتى تهلك هي وأسرتها، ولما كانت سببًا في نزول تشريع عظيم يشملها ويشمل المسلمين والمسلمات جميعًا إلى يوم القيامة.
وهذا التشريع العظيم هو: حل مشكلة الظهار، وكان من كلماتها يوم اليرموك، هو أنه قد استقبل النساء من انهزم من سرعان الناس يضربنهم بالخشب والحجارة، وجعلت خولة بنت ثعلبة تقول: يا هاربًا عن نسوة تقيات، فعن قليل ما ترى سبيات، ولا حصيات ولا رضيات، فالصحابيات تخرجن من مدرسة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهن شرف وعزة، وقد نزلت فيهن آيات تتلى آناء الليل وأطراف النهار، وقد تربَّين على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى الأخلاق العظيمة، وكان من الصحابيات اللواتي نزل فيهن آيات من القرآن الكريم، هى الصحابيه الجليله خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها