نسائم الإيمان ومع حبيبه بنت خارجه ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع السيده حبيبه، فلم يزل أبو بكر الصديق رضى الله عنه، في بني الحارث بن الخزرج بالسُّنح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد لزم النبي صلى الله عليه وسلم، في مرضه الذي توفي فيه، فلما أصبح صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين الثانى عشر من المحرم سنة حادى عشر من الهجره، وكلم الناس، وقال له أبو بكر: يا نبي الله إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب، واليوم يوم بنت خارجة، أفآتيها؟ قال: ” نعم “، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح، فمات صلى الله عليه وسلم في غيبته.
فلما وصل خبر وفاته صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر عاد مسرعًا على فرسه إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن بويع لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة، بقي كذلك عند زوجته حبيبة بنت خارجة بالسنح، حتى وفاته رضي الله عنه سنة الثالث عشر من الهجره، وقد روى ابن سعد والطبري عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أن منزل أبا بكر كان بالسنح عند زوجته حبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بنى الحارث ابن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرة من سَعَف، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام هنالك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر، يغدو على رجليه إلى المدينة.
وربما ركب على فرس له، وعليه إزار ورداء مُمَشَّق، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء، رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب قال: فكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة، فَيُجَمِّعُ بالناس، وقد ولدت حبيبة بنت خارجة رضي الله عنها لأبي بكر ابنته أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنه، حيث كانت حبيبة بنت خارجة رضي الله عنها حاملًا من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فلما حضرته الوفاة، قال: “إن ذا بطن بنت خارجة قد ألقي في خلدي أنها جارية” .
فكانت كما قال رضي الله عنه، وتلك من كراماته، فولدت بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه فى السنة الثالث عشر من الهجره، وسمتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها “أم كلثوم”، ثم تزوجها طلحة بن عبيد الله فولدت له زكريا وعائشة ابني طلحة، وهي التي عناها أبو بكر في حقها عند وفاته في قوله لعائشة رضي الله عنها: “إن أبا بكر كان نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحب إلي غنى بعدي منك ولا أعز علي فقرُا منك وإني كنت نحلتك من مالي جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك، فإنما هو اليوم مال وارث.
وإنما هو أخوك وأختاك، فاقسموه على كتاب الله عز وجل، فقالت: يا أبت والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء فمن الأخرى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية، فولدت جارية” وكانت حبيبة بنت جارجة وابنتها أم كلثوم ممن ورثوا من أبي بكر رضي الله عنه عند وفاته، وقد روى ابن سعد بسنده عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه قال: “ورث أبا بكر الصديق أبوه أبو قحافة السدس، وورثه معه ولده عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم بنو أبي بكر، وامرأتاه أسماء بنت عميس، وحبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج، وهي أم أم كلثوم.
وكانت بها نسأ حين توفي أبو بكر رحمه الله” ولما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن حبيبة بنت خارجة، وقد تزوجها الصحابي البدري خبيب بن يساف أو يقال إساف الخزرجي رضي الله عنه، وليس لها رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن منده فى حق السيده حبيبه أن لها ذكر ولا يعرف لها رواية، وكذلك لم نعثر على تاريخ لوفاتها رضي الله عنها، فكان جيل الصحابة رضوان الله عليهم أفضل جيل مر في تاريخ البشرية في أخلاق رجاله ونسائه فهو خير القرون بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام، وهم خير أمة أخرجت للناس بخلقها الكريم، وطاعتها لمنهج الله تعالى، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.