الحرب على الإرهاب: هل إنتهت مرحلة العمليات العسكرية الغربية الكبيرة فى الخارج؟
كتب /أيمن بحر
فى حديث مع اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب يقول ستنهى القوات الأمريكية إنسحابها من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/ ايلول 2021 . تسابق القوات الغربية الزمن لمغادرة أفغانستان هذا الشهر فيما أكدت فرنسا أنها تنوي تخفيض حجم قواتها العسكرية فى جمهورية مالى فى القارة الأفريقية، وفى العراق لم تعد للقوات البريطانية والغربية الأخرى دور قتالى يذكر.
بعد مرور ما يقارب عشرين عاماً على ما يسمى بـ الحرب على الإرهاب التى دشنها الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش فى أعقاب هجمات سبتمبر 2001، هل يقترب عصر الإنتشار العسكرى الكبير للجنود على الأرض” فى مناطق الحروب البعيدة من نهايته؟
ليس تماماً، لا يزال هناك جهد كبير يبذل فى محاربة الإرهابيين فى منطقة الساحل فى أفريقيا ولكن هناك الآن إعادة تفكير جذرية فى كيفية تنفيذ هذه المهمة.
كانت عمليات نشر قوات عسكرية على نطاق واسع ولمدد طويلة مكلفة للغاية من ناحية الأرواح والمال والرصيد السياسى على المستوى السياسى الداخلى.
بلغت كلفة الوجود العسكرى الذى تقوده الولايات المتحدة فى أفغانستان أكثر من تريليون دولار، وعشرات آلاف الضحايا بين صفوف القوات الأفغانية والمدنيين الأفغان والقوات الغربية والقوات المعادية (طالبان).
فى ذروة الوجود العسكرى الغربى هناك عام 2010، تجاوز عدد هذه القوات مائة الف جندى. وبعد 20 عاماً من التمركز فى أفغانستان تغادر ما تبقى من قوات هناك عائدة الى بلدانها فى الوقت الذى تبدو فيه حركة طالبان على أتم الإستعداد للسيطرة على المزيد من الأراضى. توسع طالبان سيطرتها على الأرض وسط تراجع القوات الحكومية التى باتت تقاتل وحدها مع إنسحاب القوات الغربية.
كلما كان الجهد العسكرى أكبر وأطول من الناحية الزمنية فى محاربة جماعات التمرد تتعاظم إحتمالات ظهور مجموعة متنوعة من نقاط الضعف القاتلة فى القوات النظامية.
وأكثرها وضوحاً هو إرتفاع معدل الضحايا فى صفوف هذه القوات وهى مسألة لها أثمانها الباهظة على الصعيد السياسى فى الداخل.
أكثر من 58 الف أمريكى قتلوا فى حرب فيتنام وما يقرب من 15 الف جندى روسى فى أفغانستان وهذا العدد الكبير من القتلى كان من بين العوامل التى عجلت بنهاية الحربين المذكورتين.
فقدت فرنسا ما يزيد قليلاً عن 50 جندى فى مالى منذ عام 2013 ورغم ذلك خسرت مهمتها العسكرية هناك التأييد فى فرنسا ىلى حد كبير.
ثم هناك التكلفة المالية لمثل هذه الحروب والتى تتجاوز التوقعات والتقديرات الأولية فى معظم الحالات.
كما أن المخاوف بشأن حقوق الإنسان قد تعرقل أى حملة عسكرية وهو آخر ما يمكن توقعه.
القصف الجوى الأمريكى لحفلات الزفاف الأفغانية وإنتهاكات حقوق الإنسان التى يرتكبها الجنود أثرت سلباً على سمعة هذه الدول. كما هناك إحتمال أن ينتهى الأمر بالحكومة التى تستضيف القوات الأجنبية الى تقاسم السلطة مع الجهات التى أتت تلك القوات لمحاربتها.
ففى مالى كانت هناك تقارير تفيد بأن الحكومة تجرى محادثات سرية مع الجهاديين وهو ما حدا بالرئيس إيمانويل ماكرون الى التهديد بسحب القوات الفرنسية كلياً من مالى.
وفيما يتعلق بالعراق يقول الكولونيل البريطانى المتقاعد جيمس كونليف: لا يزال هناك قلق حقيقى بشأن النفوذ الإيرانى هناك وخاصة فيما يتعلق بالميليشيات الشيعية الموالية لها.
وفي أفغانستان من المتوقع أن تعود حركة طالبان التى أزيحت عن الحكم عام 2001 للسيطرة على البلاد ويقول مسئولون أمنيون غربيون أنه إذا إنتهى بها الأمر الى أن تكون جزءاً من الحكم فسيتوقف كل تعاون إستخباراتى مع أفغانستان.
من الواضح أنه لا توجد حلول سهلة للتعامل مع مشكلة الدول الفاشلة والأنظمة الديكتاتورية الخطرة
دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة الحديثة:
العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم: غزو عسكرى ضخم بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة بريطانية أعقبته سنوات من الإحتلال والتمرد الدامى. على الرغم من التقدم الكبير الذى تم إحرازه مؤخراً الا أن التجربة بأكملها مؤلمة لدرجة كافية لردع السياسيين عن القيام بأى تدخل عسكرى واسع النطاق فى الشرق الأوسط لعقدين قادمين وربما أكثر.
ليبيا منذ 2011 الى الوقت الحاضر: تم فرض حظر طيران لفترة قصيرة من قبل حلف الناتو ولم يتم نشر قوات غربية تذكر على الأرض. كان ذلك كافياً لتمكين معارضى القذافى من الإطاحة بنظامه فى عام 2011. لكن البلاد إنزلقت الى أتون حرب أهلية ترافقت بظهور جماعات جهادية. ثم تحول إمتنان الليبيين المبدئى للغرب الى الشكوى و تخليه عنهم.
سوريا منذ 2011 الى الوقت الحاضر: إحجام كبير من قبل القوى الغربية عن التورط فى الحرب الأهلية بين الرئيس بشار الأسد ومقاتلى المعارضة السورية مما ترك الباب مفتوحاً لتدخل روسيا وإيران وتركيا. وها قد مرت 10عشر سنوات والعنف لا يزال سيد الموقف فى هذا البلد.
تنظيم الدولة الإسلامية هذه قصة نجاح عسكرية وحيدة واضحة إذ تمكن تحالف يضم 80 دولة فى نهاية المطاف من الحاق الهزيمة بالتنظيم والقضاء على “الخلافة” الوحشية والسادية التى أقامها التنظيم. لكن الأمر إستغرق خمس سنوات وإعتمد بشكل كبير على القوة الجوية الهائلة وبعض التحالفات غير المألوفة على الأرض، مثل التعاون مع الميليشيات المدعومة من إيران فى العراق. ويقوم التنظيم الدولة الإسلامية حالياً بتكثيف عملياته فى القارة الأفريقية.
مالي منذ 2013 وحتى يومنا هذا: أنقذ التدخل العسكرى الفرنسى الأولى العاصمة باماكو من وقوعها شبه المؤكد بيد الإرهابيين المرتبطين بالقاعدة. لكن بعد ثمانى سنوات، وعلى الرغم من وجود الآلاف من القوات متعددة الجنسيات لا يزال التمرد مستمراً. وعبر الرئيس الفرنسى عن إستيائه من حكام مالى وعزمه على تقليص الدور الفرنسى هناك.
حمل الخطاب الذى القاه رئيس الأركان العامة فى المملكة المتحدة الجنرال السير، مارك كارلتون سميث فى 2 يونيو / حزيران فى مؤتمر الحرب البرية التابع لمعهد الخدمات الملكية بعض الأدلة على البدائل المستقبلية. قال الجنرال إن جيش اليوم سيكون: أكثر ترابطاً وأكثر سرعة وأسرع فى الإنتشار وأكثر ترابطاً رقمياً الجندى سيكون متصلاً بالأقمار الصناعية وأكثر تركيزاً على قوات العمليات الخاصة.
إن قلة الجنود على الأرض تعنى حتماً إعتماداً أكبر على التكنولوجيا الرقمية المتطورة بما فى ذلك الذكاء الإصطناعى..
دفعت ما تميزت بها الصراعات الأخيرة من خصائص الى إعادة التفكير جذرياً فى الأولويات الإستراتيجية. فقد شهدت الحرب القصيرة فى القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا إبادة دبابات الأخيرة بواسطة طائرات بدون طيار رخيصة الثمن قدمتها تركيا وكان يتم توجيهها الى أهدافها دون أن يواجه القائمون على إدارتها وتشغيلها خطراً يذكر.
والمرتزقة الذين كانوا يعتبرون يوماً ما شيئاً من ماضى القارة الأفريقية عادوا الى الظهور ومن أبرز الأمثلة على ذلك مجموعة فاغنر الروسية.
وقد فرت المجموعة للحكومة الروسية فرصة النأى بنفسها عن عمليات المجموعة فيما كانت توسع عملياتها فى الشرق الأوسط وشمال القارة الأفريقية وغربها وموزمبيق.
ويصف الدكتور شون ماكفى، كبير الباحثين فى مجلس الأطلسى التوجه الحالى بأنه إنتقال من النظام العالمى المبنى على الدول الى حروب بلا دول.
ولا يعنى ذلك بأى حال من الأحوال نهاية العمليات العسكرية فى الخارج. فى مالى ومنطقة الساحل ربما يكون الفرنسيون قد أنهوا عملية برخان لقواتهم الخاصة وأعادوا الآلاف من قواتهم الى الوطن لكن مهمة الأمم المتحدة هناك مستمرة والقوات الفرنسية لا تزال هناك وإن كان عددها أقل من السابق، وتعمل فى إطار قوة متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب.
ستستمر مهمة حلف شمال الأطلسى فى العراق وتقتصر الآن على تدريب القوات المحلية لمكافحة التمرد وتقديم الدعم الفنى لها.
وفى أفغانستان يتراجع الوجود العسكرى الغربى بوتيرة متسارعة فى الوقت الذى قد تكون هناك حاجة ماسة لهذه القوات لمواجهة التهديد الذى تمثله طالبان والقاعدة والدولة الإسلامية.