متابعة على صبرى
في منطقة مصر القديمة، وتحديدًا بمدينة الفسطاط، خلف مجمع الأديان، تقع قرية الفواخير المصرية، تلك القرية التي ورثت واحدة من أقدم وأهم الحرف التي خلدت حضارة المصري القديم، وربما حضارة الإنسانية كلها، حينما استغلوا ما يقدمه النيل لهم من هدايا، ممثلة في الطمي الأسواني في صناعة أجمل الجواهر الطينية.
فن تشكيل الطين وتحوليه إلي جواهر وتُحف فنية تحكي قصة التاريخ.. تلك هي العبارة التي تعبر بصدق عن بقعة غالية في القاهرة تخلد فن مصري قديم، يُعتقد أنه بدأ قبل عصر الأسرات بآلاف السنين.
كوادر الفواخير ليسوا حرفيين فقط ، ولكنهم فنانيين فنجدهم منهمكون منغمسون لتحويل ذلك التراب إلي ذهب من طين.
منذ عشرات القرون، وربما أكثر من ذلك، عرف المصري القديم صناعة الفخار، وطيلة تلك العصور التاريخية إزدهرت تلك الحرفة، وخلفت وراءها تراثًا ثريًا يزخر بالتحف الفنية الأنيقة، فشكلت من الطين روائع جمالية تقدم شهادة حية على ارتقاء الثقافة، ورقى الحضارة، وجمال الفن على امتداد المكان ومر الزمان، فأضحت صناعة تتوارثها الأجيال وتفخر بها أكبر وأعرق المتاحف الأثرية في العالم.
داخل قرية الفواخير سنجد تحفًا وأعمالًا فنية، ومنها ما يمكن استخدامه للأغراض الحياتية، فهناك أوان لحفظ السوائل كالقدرة والزير والجرة، وأوانى الطهى كالأبرمة، والطواجن، والصوانى وأوانى تخزين الغلال كالصوامع، وأوانى الشرب كالقلل والأباريق، وأوانى الطعام كلأطباق، السلاطين، الزبدية، وغيرها من الأشكال الفنية، وبالطبع تختلف تلك الاشكال طبقًا لإختلاف الطين المصنع منه، فهناك نوعان من الطينة، نوع يأتى من رواسب النيل، وينتشر فى أغلب أرض الصعيد والدلتا، ونوع آخر شديد النعومة تزداد فيه نسبة كربونات الكالسيوم التى جرفتها السيول من الهضبات الجيرية.
يري المؤرخون أن صناعة الفخار اليدوي لم تختلف كثيرًا بإختلاف العصور، أو بتطور الحضارة نفسها، وأنها مازالت تحتفظ بالكثير من طرق الصناعة، من تجهيزات للخامة الطينية، لمراحل التشكيل المختلفة، مرورًا لمراحل التجفيف، وصولًا إلي الحرق
اما عن الحرفة نفسها فتختلف بإختلاف نوعية الطمي نفسها، ولكن بصفة عامة يتم خلط المياه مع نوعية الطين فى حوض التصفية، وهو حوض مبطن لمنع تسرب المياه، ثم ينقل الخليط بعد تنقيته من الشوائب إلى حوض التنشير، وهو حوض يسمح بتسرب المياه، ويترك الخليط أسبوعا صيفًا وأسبوعين فى الشتاء حتى يجف، بعدها يتم تقطيع الطين إلى قطع كبيرة، ثم يتم نقله إلى ما يسمى بيت الطين، والذي يُعد الموضع الرئيسي الذي يتم تخزين المادة الخام منه، تلك الطريقة تم استخدامها المصنع الملكى فى الأسرة الفرعونية الأولى، أي منذ 5300 سنه مضت.
الفواخير- الفسطاط – عين الصيرة درر في جبين العاصمة وعلامات فارقة في تاريخها ، فعشوائيات الامس انتهت بلا عودة و اصبحت العاصمة بحق متحفا مفتوحا يضم حرف ومتاحف وحدائق واصبحت بحق مقصدا سياحيا عالميا