هدوى محمود تكتب عن اتصالات سريّة بين عباس ونتنياهو.. ما الذي كشفته؟
هدوى محمود تكتب عن اتصالات سريّة بين عباس ونتنياهو.. ما الذي كشفته؟
قناة اتصال سريّة تعمل منذ أكثر من شهر بين مكتب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ومكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، هذا ما كشفه موقع “والا” العبري نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة
السلطة تستجدي الكيان
البيت الأبيض علم بأنشطة القناة السرية بين السلطة والصهاينة، لكن ليس من الواضح ما إذا كان جميع رؤساء أحزاب التحالف الفاشي في حكومة الاحتلال على علم بوجودها، أو بمضمون المحادثات التي جرت وتجري، رغم أن رام الله أثقبت مسامع العالم بالعبارات التي تتحدث أنّها ستوقف التنسيق الأمني بكل أشكاله مع الكيان، وتُعلق الاتفاقيات السابقة مع تل أبيب وتسحب الاعتراف، لكن وفي كل مرة تساهم السلطة بشكل أكبر في تطبيق مشاريع الكيان الغاصب التي تهدف إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من خلال التعاون اللامحدود مع الإسرائيليين، في وقت سقطت فيه سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته.
وفي دليل آخر على أنّ السلطة الفلسطينيّة برئاسة عباس لن تكون في يوم من الأيام ممثلاً شرعيّاً لمطالب الفلسطينيين الذين يعيشون الويلات بسببها على أراضيهم المسلوبة، كشف موقع “والا” أنه في الأسابيع التي سبقت أداء حكومة العدو اليمين الدستورية، بعث ما يسمى وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، برسالة إلى مكتب نتنياهو عبر الإدارة الأمريكية، مفادها بأن السلطة الفلسطينية مستعدة للعمل مع الحكومة الجديدة، كما سلم المسؤول الفلسطيني الذي يشغل أيضا منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الرسالة مرة أخرى بعد أن أدت حكومة العدو اليمين الدستورية، وأكد على رغبة رام الله في إجراء محادثات مع الحكومة الجديدة.
وتأتي تلك الأنباء في الوقت الذي لم تحصّل السلطة الفلسطينية أيّ فائدة من العلاقات مع الكيان واستمرارها بالتنسيق الأمنيّ معه، مقابل وقوفها في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المتصاعد، لكنّها انخرطت في المعركة ضد الفلسطينيين، وهو ما يشجع كيان الاحتلال والمستوطنين على العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين من خلال القتل الميداني ومخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس، بما يؤكّد من جديد أنّ السلطة الفلسطينيّة ليست أكثر من “حجر شطرنج” على طاولة السياسية الإسرائيليّة الخبيثة، فالضفة الغربيّة لو لم تكن مرهونة بقرارات السلطة المتعاونة مع العدو العنصريّ، لما وصل الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لهذا الحد، وإنّ حركة “فتح” ترتكب وفقاً لغالبية الفلسطينيين “خطيئة تاريخيّة” لا تغتفر من خلال اعتقادها بأنّ وجود علاقة مع الكيان الإرهابيّ ربما يصب في مصلحتهم.
وتشير المعلومات بطريقة مباشرة إلى أنّ السلطة ليست قادرة سوى على تصريحات إعلامية جوفاء لا أكثر، فيما يعترف الإسرائيليون دائماً بعدم رغبتهم بالسلام أو حتى التفاوض معها، كما يفرض العدو واقعه الاحتلاليّ في مناطق الضفة والعاصمة الفلسطينيّة المحتلة القدس ويحاصر قطاع غزة ويزيد من جرائمه الشنيعة وخطواته التصعيديّة الكثيرة بدءاً من جنايات القتل والإعدام الميدانيّ ومروراً بطرد الأهالي من ديارهم وحرمانهم من لقمة عيشهم وليس انتهاء عند الاعتداء على المقدسات والنشاطات الاستيطانيّة المخالف للشرعيّة الدوليّة، في الوقت الذي تحارب فيه رام الله فصائل المقاومة والناشطين لمنعهم من القيام بدورهم في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، حيث غضّت رام الله الطرف عن اعترافها بالعدو الصهيونيّ القاتل، والتنسيق الأمنيّ معه، والذي يشكل ضربة لأيّ شراكة عمل وطنيّ في عمقه ويناقض التفاهمات الداخليّة، انطلاقاً من أنّ الأمة تُسلب إرادتها وتنهب ثرواتها ليصبح الكيان الصهيونيّ سيداً في المنطقة، والدليل أنّ تل أبيب مستمرة في غيها وتغول كيانها من خلال منهجها العدوانيّ في أكثر من ملف.
نتنياهو وسياسة الاستغباء
كعادته في التعامل بسياسة “الاستغباء” مع السلطة الفلسطينيّة، رد رئيس حكومة العدو المتطرفة بالإيجاب، وعيّن مستشار الأمن القومي لدى الاحتلال تساحي هنغبي مسؤولاً عن الملف الفلسطيني، وفوضه بإجراء المحادثات والتي ركزت في بدايتها من تشكيل الحكومة على محاولة منع التصعيد، فيما تحادث هنجبي والشيخ عدة مرات عبر الهاتف والتقيا أكثر من مرة كما تقول المعلومات، وكان اللقاء الأخير بينهما مؤخراً وركز على توطيد التفاهمات بينهما، وهو الأمر الذي أدى إلى تأجيل التصويت ضد العدو في مجلس الأمن الدولي.
وعلى ذلك، تتركّز سياسة الاستغباء التي تمارسها تل أبيب مع السلطة على خداع السلطة لمنع تبعات قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بمقاضاة “إسرائيل” بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، بسبب الاحتلال والاستيطان والحروب التي تشنها عليهم، بالتزامن مع الإجرام المتصاعد لـ”إسرائيل” التي لا تكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، وإنّ مخاوف تل أبيب من إمكانية وصف دولتهم المزعومة بـ ”العنصرية” من قبل محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة، يدفعها لترك ما يمكن تسميته “شعرة” في العلاقة بينهما، لمنع نجاح الجهود الفلسطينية في عزل الكيان الغاصب وحرمانه من المشاركة في الفعاليات الدولية كنوع من العقاب على جرائمه تجاه الفلسطينيين، وخاصة في ظل الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة له بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، وأنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق الفلسطينيين.
وعلى هذا الأساس، تحدث مسؤول إسرائيلي رفيع إنه على الرغم من أن هذه ليست مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية، إلا أنه من المهم للغاية وجود قناة اتصال مباشر لنقل الرسائل وحل الخلافات والمشاكل على الأرض بما يضمن منع التصعيد، لكن لم يحدد نوع التصعيد، لأنّ قوات الاحتلال الغاصبة للتراب الفلسطينيّ والعربي لم تتوقف لبرهة منذ اليوم الأول لاستعمارها العسكريّ عن التصعيد الإجراميّ، وإنّ الشيء الوحيد الذي يسعى إليه الصهاينة هو وقف الإجراءات المتعلقة بالإجراءات القانونية ضد الاحتلال في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي.
عباس بلا موقف
يعلم الجميع، أنّ رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس اعترف مراراً وتكراراً أنّ الكيان الصهيونيّ “دمر ما تبقى من عملية السلام”، إلا أنّه وفي الوقت نفسه غير قادر أبداً على تنفيذ وعوده بإلغاء الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والسياسية مع كيان الاحتلال، لأنّه يدرك تماماً أن بقاء السلطة مرتبط أساساً بالتنسيق الأمني، وتدفق المال إليها، وبالتالي قراره بوقف التنسيق مع العدو يعني أن عليه تحمل تبعات هذا القرار، والجهات المحيطة بعباس باتت لديها مصالح ولديها علاقات أمنية مع العدو الغاشم، ووكالة المخابرات المركزية الأميركية (السي آي آيه) والعديد من أجهزة المخابرات العربية والإقليمية والدولية، والتي لديها مصلحة في استقرار الأوضاع في المنطقة ولا ترغب في قطع هذا التنسيق، ولن تسمح بحل السلطة أو انهيارها.
ولهذا، نشاهد عباس دائماً عقب أيام من تصريحاته يبعث الرسائل باستمرار ويلتقي المسؤولين الإسرائيليين لإجراء مباحثات في بعض القضايا، لكن رئيس السلطة مُصر على أنّ إجراءات بناء الثقة ودعم السلطة ليست بديلاً بأيّ حال من الأحوال عن مفاوضات سياسيّة، بدل أن تتخذ موقفاً واقعيّاً وصارماً إزاء القضايا المصيريّة، لضمان حقوق الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العنصريّ العسكريّ، حيث إن رئيس السلطة لا يملك القدرة على الخروج عن طوع حاضنته العربية وبالأخص الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، التي تشكّل الممول الرئيسي لسلطته وللطبقة السياسية المحيطة به.
وبالاستناد إلى أنّ القيادة في السلطة الفلسطينية قررت منذ سنوات التحرر من الاتفاقيات الموقعة مع العدو الإسرائيلي وعلى كل المستويات، وذلك رداً على التصعيد الإسرائيلي بالقتل والضم والاستيطان وسرقة الحقوق الفلسطينية، إلا أن تلك القرارات لم تنفذ حتى هذه اللحظة، ما يجعل العلاقة بين السلطة والكيان المُستبد علاقة “حب من طرف واحد”، مقابل تمسك شديد من قبل الفصائل الفلسطينية باستمرار وضوح منهجهم التفاوضيّ في أيّ مباحثات، ويرتكزون في ذلك بالفعل على مصلحةَ الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة، لإنهاء الانقسام والاتفاق على استراتيجية وطنية ناظمة للعلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، ولطبيعة المواجهة مع سالبي الأرض وسارقي التاريخ وقاتلي الأبرياء.
في النهاية، إنّ موقف حكومة رام الله من الاستمرار في التنسيق بكل أشكاله مع العدو، لا يعدو عن كونه سير في منهج الرضوخ المعهود، حيث إنّ السلطة الفلسطينية لا تستطيع أبداً التخلي عن علاقتها وارتباطها الوثيق بتل أبيب ومسؤولي الاحتلال الغاشم، رداً على جرائم وفاشية الاحتلال حتى لا يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة مع حكومة نتنياهو، ما يبرهن أكثر فأكثر أنّ السلطة الفلسطينيّة لن تكون في يوم من الأيام سوى ممثل لمن يمولها.